بيد أن دوام الحال من المحال حيث ما لبث الذهب أن يلتقط أنفاسه نافضًا غبار الخسائر متسلحًا بتصريحات الفيدرالي الذي اعلن عن وصول أسعار الفائدة إلى مستويات الذروة والتقييد قبل ان يبدأ مسلك الخفض.
وفي غضون ذلك اتسعت مكاسب الذهب الذي ارتفع بالسرعة القصوى وصولا إلى مستويات غير مسبوقة حينما تجاوز حاجز 2150 دولارًا للأوقية قبل أن تهدأ فورة ارتفاعاته نزولًا إلى مستويات قرب الـ 2085 دولارًا للأوقية خلال تعاملات اليوم الجمعة.
تتجه أسعار الذهب لتسجيل أفضل أداء سنوي في ثلاثة أعوام وسط تزايد التوقعات بخفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة أوائل العام المقبل.
فضلا عن ارتفاع الطلب على الملاذ الآمن في ظل التوترات في الشرق الأوسط واستمرار الحرب في أوكرانيا.
وارتفع 14.2 % حتى الآن هذا العام ما يعادل 260 دولارًا في الأوقية، ويتجه لتسجيل أكبر مكسب سنوي منذ 2020، إلى 2085 دولار للأوقية، صعودًا من مستويات قرب الـ 1825 دولارًا للأوقية.
تحولت الأسواق إبان اجتماع الفيدرالي الأميركي في سبتمبر الماضي من توقعات باستمرار التشديد النقدي إلى حالة من عدم اليقين حتى اجتماع نوفمبر التالي.
بيد أنه ومع نهاية اجتماعي بنك الاحتياطي الفيدرالي في نوفمبر وديسمبر، دخلت الأسواق في حالة من اليقين بشأن وصول الفيدرالي إلى ذروة رفع أسعار الفائدة ونهاية دورة التشديد.
وفي غضون ذلك بدأت الأسواق تراهن على خفض أسعار الفائدة في اجتماع مارس أو مايو المقبل، بعدما تأكدت من وصول الفيدرالي الأميركي إلى نقطة تقييد أسعار الفائدة.
وزادت أسعار الذهب إلى أعلى مستوياته على الإطلاق مع تحول العائد على السندات الأميركية إلى المنطقة السلبية نزولًا من ذروة 16 عامًا.
وفي غضون ذلك تحول رهان الأسواق على سقوط الدولار مع تحول شهية المخاطر، لتندفع الأسهم الأميركية إلى أعلى مستوياتها منذ بداية العام .
وقال كبير محللي السوق لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في أواندا كلفن وونغ: "تتجه عائدات الخزانة الأميركية نحو الانخفاض بسبب التوقعات المتزايدة بشأن أول خفض لأسعار الفائدة من الاحتياطي الفيدرالي في مارس".
وأضاف وونغ: "أسعار الذهب والأسهم متحفزة للغاية في الوقت الحالي في ظل توقعات خفض الفائدة".
ويرى المحلل الاستراتيجي للسوق في آي جي، ييب جون رونغ، أن الأصول المسعرة بالدولار وعلى رأسها الذهب استأنفت اتجاهها الصعودي في الأسبوع الجديد.
وعزى رونغ الارتفاع إلى تقلي الأسواق الضوء الأخضر من بيانات إنفاق الاستهلاك الشخصي الأميركية التي جاءت أقلّ من المتوقع يوم الجمعة الماضي، التي تؤكد صحة توقعات خفض أسعار الفائدة.
وقال رونغ: "ما دام الاتجاه في البيانات الاقتصادية قائمًا، فقد تتطلع أسعار الذهب إلى اختراق آخر لنطاق التعزيز العلوي عند مستوى 2080 دولارًا في المستقبل".
عزز من صعود الذهب بخلاف تراجع الدول إقبال الصينيين على اقتناء المعدن الأصفر في ظل الأزمات الطاحنة التي تهدد ثاني أكبر اقتصاد بالعالم.
وفي مذكرة حديثة قال محللو غولدمان ساكس: "إن ارتفاع سعر الذهب جاء مدعومًا بالطلب القوي من الأسواق الناشئة، مع توقع طلب استهلاكي قوي ومستمر من الصين".
وأكد محللو غولدمان ساكس أنه من المرجح أن يظل الطلب الصيني على المعدن الأصفر مرتفعًا مع انخفاض النمو الاقتصادي في السنوات المقبلة.
وفي غضون ذلك، أدى الطلب القوي في الصين إلى دفع سعر الذهب هناك إلى أعلى من المعيار الدولي، حيث يشعر المستثمرون بالقلق بشأن الاقتصاد والعملة.
ومن المؤشرات الواضحة على زيادة الطلب على الذهب العلاوة التي تظهرها أسعار الذهب في الصين مقارنة بالسعر الفوري في لندن، والذي يقاس بالدولار للأونصة.
وبلغ السعر الفوري في بورصة شنغهاي للذهب حوالي 470 يوانًا (65 دولارًا) للجرام حتى صباح اليوم الخميس.
وكانت أسعار الذهب في الصين في الغالب أقل من المعيار الدولي منذ بداية العام وحتى أوائل أغسطس، لكنها ارتفعت منذ ذلك الحين.
وبلغ إجمالي الطلب على المجوهرات والاستثمار على الذهب في الصين 789 طنا في عام 2022، وفقا لمجلس الذهب العالمي.
ويمثل هذا ما يقرب من 20% من الطلب العالمي ويضع البلاد على نفس مستوى الهند كأكبر مستهلك عالمي.
وتعمل حالة عدم اليقين الاقتصادي على تحفيز اهتمام الصين المتجدد بالذهب كمخزن للقيمة، وفقًا لمحللي غولدمان ساكس.
ويرى محلل الأسواق المالية في كابيتال كايل رودا على المدى القريب جدًا، أن خفض أسعار الفائدة يبشر بالخير بالنسبة لأسعار الذهب.
ولفت رودا إلى أن الفيدرالي أبقى أسعار الفائدة دون تغيير، مشيرًا إلى أن التشديد التاريخي للسياسة النقدية قد انتهى على الأرجح، إضافة إلى أن مناقشة التخفيضات في تكاليف الاقتراض بدأ يلوح في الأفق.
بينما يقول مارك نيوتن: "إن تحرك الذهب فوق مستويات 2009.41 دولارًا للأوقية يجب أن يؤدي إلى نطاق 2060 دولارًا - 2080 دولارًا".
ولفت محلل فاندسترات Fundstrat إلى ان ارتفاعات أسعار الذهب تأتي مدعومة بتوقعات بلوغ معدلات الفائدة ذروتها.
يرى كبير محللي السوق في كيه سي إم تريد تيم ووتر أن عوائد سندات الخزانة الأميركية على منحدر زلق بعد اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة.
ولفت كبير محللي السوق في كيه سي إم تريد إلى أن هبوط عوائد السندات جنبًا إلى جنب وانخفاض الدولار يمهد الطريق لارتفاع الذهب والعكس.
وتحوم عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات بالقرب من أدنى مستوى لها منذ يوليو مع تراجع الدولار وهو ما يخفض تكلفة حيازة السبائك المسعرة بالدولار.
وقال كبير محللي السوق في كيه سي إم تريد: "البيانات الكلية الضعيفة تدعم الحالة القائلة إن الاحتياطي الفيدرالي قد يكون أكثر جرأة في العام المقبل بتخفيض أسعار الفائدة".
وأضاف تيم ووتر: "إن ذلك من شأنه أن يخفض عوائد الدولار والسندات ويناسب أسعار الذهب".
إيجابي للغاية
وكتب محلل فاندسترات Fundstrat مارك نيوتن في مذكرة حديثة: "صعود الذهب فوق مستويات الـ 2000 دولار أمر إيجابي للغاية من الناحية الفنية، وأتوقع أن الذهب قد بدأ في الارتفاع إلى أعلى مستوياته على الإطلاق".
وأضاف محلل السلع والمعادن فاندسترات Fundstrat: "أن التحرك فوق 2009.41 دولار من شأنه أن يؤدي إلى نطاق 2060 دولارًا - 2080 دولارًا".
وتابع نيوتن: "إن اختراق المقاومة عند 2080 دولارًا سيشير إلى اختراق فني محدد، وهو ما يتوقع حدوثه وسيؤدي بسرعة إلى ارتفاع الذهب إلى مستويات قياسية جديدة.
الذروة التاريخية
وفي غضون ذلك لفت نيوتن إلى أن مجموعات البيانات المختلفة لديها تسجيل لمستويات قياسية وتسعير مختلف طفيفًا لقمة الذهب، لكن جميعها تعود إلى عام 2020.
ووفقا لبيانات سوق داو جونز، فإن أعلى مستوى هو 2089.20 دولار للأوقية، وبالنسبة لـ Refinitiv، يبلغ سعر الأوقية 2072.50 دولار، بينما تقدره بلومبرغ انتليغنس عند مستويات 2075.47 دولارًا.
وقال نيوتن: " في كل الأحوال وبغض النظر عن السعر الحقيقي لذروة الذهب السابقة، فإن أسعار الذهب سترتفع في النهاية إلى ما هو أبعد من هذه الأرقام".
وكتب نيوتن المذكر: "الهدف الفني للذهب هو مستويات 2500 دولار للأوقية، ويبدو من الأفضل شراء المعادن الثمينة نظرًا لانخفاض أسعار الفائدة الحقيقية، وزيادة الصراع الجيوسياسي المستمر".