في إطار برنامجنا للأنظمة الغذائية 2030، يساند البنك الدولي البلدان المعنية لإحداث تحول في أنظمتها الغذائية بهدف القضاء على الجوع بحلول 2030، بينما يستمر العالم في التصدي لأزمة الغذاء.
علينا أن نتذكر أن هذه المشكلة لم تظهر بين عشية وضحاها. فقد تسارعت وتيرة الحرب في أوكرانيا وحفزت على زيادة الاهتمام بالأزمة، لكن مشكلة أسعار المواد الغذائية والجوع العالمي كانت آخذة بالفعل في التصاعد حتى قبل اندلاع الحرب. وكان تغير المناخ، على سبيل المثال لا الحصر، محركا رئيسا لتفاقم هذه الاتجاهات. ومن المفارقات أنه رغم أن إنتاج الغذاء العالمي تضاعف بواقع أربعة أمثاله تقريبا بين عامي 1961 و2020 وزاد بنسبة 50 في المائة بين عامي 2000 و2020، إلا أن عدد الأفراد الذين يعانون الجوع أصبح أكبر من أي وقت مضى.
إن تسوية الوضع، الذي نواجهه اليوم، تتطلب تركيزا أكثر حدة من أي وقت مضى لإحداث تحول في أنظمتنا الغذائية وجعلها أكثر استدامة مع تغذية عدد متزايد من سكان العالم. فمن شأن وجود نظام غذائي جيد التوجيه أن يساعد على بناء رأس المال البشري، وإخراج المجتمعات المحلية من براثن الفقر، وتحسين القدرة على الصمود في وجه تغير المناخ. وبدلا من ذلك، فإن نظامنا الغذائي العالمي يولد ما يقدر بنحو 12 تريليون دولار من التكاليف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية الخفية كل عام. كما أنه يدفع خيارات المستهلكين نحو الأطعمة غير الصحية من خلال الحفاظ على أسعار المواد الغذائية الصحية مرتفعة للغاية.
إن مسار الأعمال الحالي غير مقبول. فنحن بحاجة إلى تحول منهجي في نهجنا الخاص بالزراعة والنظم الغذائية لإحداث تحول في كيفية إنتاج الغذاء ونقله واستهلاكه.
ويتيح المنتدى العالمي للأغذية والزراعة لعام 2023 الذي سيعقد في برلين، وهو أحد أكبر التجمعات لوزراء وخبراء الزراعة من جميع أنحاء العالم، فرصة ممتازة لمناقشة الخيارات وتبادل الخبرات والاتفاق على إجراءات منسقة لجعل التحول في النظام الغذائي حقيقة واقعة.
ومن بين التحولات الرئيسة التي يتعين علينا القيام بها، استخدام المساندة الزراعية. فعلى الصعيد العالمي، تتجاوز المساندة المقدمة للزراعة والغذاء 700 مليار دولار سنويا. رغم الحاجة إلى هذه المساندة، فإن كثيرا منها ضعيف الاستهداف - لا يحصل المزارعون إلا على 35 سنتا من كل دولار، وكثيرا ما تشجع المساندة ممارسات الإنتاج التي لا يمكن الاستمرار في تحملها.
وهناك خيارات أمام الحكومات لإعادة توجيه المساندة الزراعية الحالية - التي تستخدم في الأغلب لدعم الأسعار، ودعم المستلزمات، والمدفوعات المباشرة للمنتجين - واستخدامها بدلا من ذلك في تنفيذ سياسات صديقة للبيئة وتحفيز المزارعين على تبني ممارسات زراعية مراعية للمناخ.
يمكن أيضًا استخدام التمويل العام للمساعدة على الحد من أخطار استثمارات القطاع الخاص التي تستوفي معايير اجتماعية وبيئية عليا. ويمكن أيضًا استخدام المساندة لتحفيز التكنولوجيات الجديدة المبشرة بالفعل، مثل إضافات أعلاف الماشية أو أساليب إنتاج الأرز التي تحد من التلوث.
ومن شأن اعتماد سياسات ملائمة أن يحد من تشوهات الأسعار، ويعزز نمو الإنتاجية المستدام والقادرة على الصمود، ويعزز سلاسل القيمة. وسيعمل هذا بدوره على تحسين الأمن الغذائي والتغذية، وتعزيز دخول المزارعين، وتأمين أفضل قيمة مقابل المال في البرامج العامة.
وثمَّ تحدٍّ آخر يتمثل في أن النظام الغذائي العالمي شديد التعقيد والتجزؤ. وعلى الرغم من الزيادات الكبيرة في الناتج، فإن النظام يفتقر إلى الكفاءة والهدر؛ حيث توجد الوفرة والجوع جنبًا إلى جنب. وفي صميم هذه الإخفاقات، هناك نقص في إمكانية الحصول على المعلومات بين المزارعين وداخل الأسواق، حيث تشجع الأنظمة غير المرنة على ارتفاع تكاليف المعاملات.
ومن شأن تحسين استخدام البيانات والتكنولوجيا الرقمية أن يساعد على ربط مزارع العالم البالغ عددها 570 مليون مزرعة بنحو ثمانية مليارات مستهلك. ويمكن للزراعة الرقمية المدفوعة بالبيانات أن تساعد على تحسين غلة المحاصيل، والحد من الهدر، وخفض التكاليف، وخفض التلوث، وكلها عوامل تسهم كثيرًا في الحد من عدم المساواة والجوع في العالم.
لكن لا يوجد حل واحد يناسب الجميع. فلكل بلد مجموعة من التحديات الخاصة به، ويحتاج إلى تحديد الخيارات والاستراتيجيات لتحقيق نتائجه المرجوة. ويتطلب إحداث تحول في الأنظمة الغذائية في نهاية المطاف لتحقيق نواتج إنمائية أفضل، إجراء تحليل محلي خاص بكل بلد على حدة، مدعومًا بالحوار بين أصحاب المصلحة المتعددين لإدراج جميع الأصوات في عملية وضع السياسات.
وفي إطار برنامجنا للأنظمة الغذائية 2030، يساند البنك الدولي الدول المعنية لإحداث تحول في أنظمتها الغذائية بهدف القضاء على الجوع بحلول 2030. ويتم تمويل هذا البرنامج بمساندة من ألمانيا والمملكة المتحدة والمفوضية الأوروبية ومؤسسة بيل ومليندا جيتس. ونعمل مع 25 بلدًا، ونبحث عن نقاط دخول خاصة بكل بلد لإعادة توجيه السياسات والمساندة الزراعية، وإيجاد نماذج عمل لتحفيز تمويل القطاع الخاص، وتشجيع الزراعة المراعية للمناخ، وتطبيق الابتكارات الرقمية، والاستراتيجيات لجعل الأنظمة الغذائية السليمة المغذية ميسورة الكلفة.
وتقف مجموعة البنك الدولي وعديد من شركائها على أهبة الاستعداد للعمل مع الحكومات والشركاء من خلال تبادل المعارف بشأن السياسات والاستثمارات التي تعمل على إحداث تحول في النظام الغذائي العالمي. ويمكن أن يكون المنتدى العالمي مكانًا للعاملين في مجال الغذاء والزراعة لتبادل الخبرات المثبتة في جهودنا الرامية إلى تحقيق المكاسب الثلاثية لتحويل الأنظمة الغذائية، صحة الناس والبيئة والاقتصادات.
*الاقتصادية