logo
مقالات الرأي

الهند وسط الكبار: كيف تناور نيودلهي بين «بريكس» ومجموعة السبع؟

الهند وسط الكبار: كيف تناور نيودلهي بين «بريكس» ومجموعة السبع؟
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي (إلى اليمين) يمد يده لمصافحة رئيس الوزراء الكندي السابق جاستن ترودو خلال قمة قادة «مجموعة العشرين» التي استضافتها نيودلهي، يوم 9 سبتمبر 2023المصدر: (أ ف ب)
تاريخ النشر:7 يونيو 2025, 06:36 ص

أصبحت تحركات الهند في السنوات الأخيرة بمثابة مرآة لتحولات النظام العالمي، وباتت هذه الدولة الأعلى كثافة سكانية في العالم محور جذب تتصارع عليه القوى الكبرى، وذلك بفضل موقفها الوسطي من الصراع الدائر بين الغرب من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى، على الرغم من كونها عضواً مؤسساً في مجموعة «بريكس».

من هذا المنطلق يمكن فهم دوافع الدعوة التي وجهتها الحكومة الكندية الجديدة برئاسة مارك كارني إلى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، لحضور قمة مجموعة السبع (G7) التي تُعقد في كاناناسكيس بمقاطعة ألبرتا الكندية، خلال الفترة من 15 إلى 17 يونيو الجاري. فهذه الدعوة، وإن كانت تبدو بداية كخطوة بروتوكولية طبيعية، أو حتى كمحاولة لإعادة ضبط العلاقات المتوترة بين كندا والهند، إلا أنها تعكس إلى حدٍ كبير أيضاً التوازنات الدقيقة والتحولات الحادة في المشهد الجيوسياسي العالمي، لا سيما في ما يتعلق بموقع نيودلهي بين المعسكرين الغربي والشرقي.

ما وراء البروتوكول؟

تأتي الدعوة الكندية بعد توتر دبلوماسي بين البلدين على خلفية الاتهام الذي وجهته الحكومة الكندية السابقة إلى نيودلهي عام 2023 بالتورط في اغتيال الناشط الهندي-الكندي من طائفة السيخ، هارديب نيجار. ورغم نفي الهند هذا الاتهام، فإن التوتر بلغ ذروته بتبادل طرد الدبلوماسيين وتجميد المحادثات التجارية في 2024.

رئيس الوزراء الكندي مارك كارني خلال حديثه إلى وسائل الإعلام في سفارة كندا بالعاصمة الأميركية واشنطن يوم 6 مايو 2025، بعد لقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب
رئيس الوزراء الكندي مارك كارني خلال حديثه إلى وسائل الإعلام في سفارة كندا بالعاصمة الأميركية واشنطن يوم 6 مايو 2025، بعد لقائه الرئيس الأميركي دونالد ترامب المصدر: (أ ف ب)

اليوم، وفي ظل الحكومة الجديدة التي أعلن كارني تشكيلها في مايو المنصرم، تبدو كندا مهتمة بإعادة بناء الثقة وفتح الباب أمام إعادة وصل ما انقطع. وفي الوقت ذاته، يرجّح مراقبون أن تكون واشنطن قد لعبت دوراً غير مباشر في تشجيع هذه الخطوة، ضمن استراتيجيتها الأوسع لاحتواء الصين، عبر تقوية شراكاتها في آسيا.

لماذا الهند؟ ولماذا الآن؟

تعتبر الهند خامس أكبر اقتصاد في العالم، وتتمتع بثقل سكاني وجغرافي وسياسي يجعلها لاعباً لا يمكن تجاهله. من هنا، فإن دول الغرب وفي مقدمها الولايات المتحدة، ترى فيها شريكاً محتملاً لموازنة النفوذ الصيني في المنطقة، خصوصاً في ظل تصاعد دور بكين داخل مجموعة «بريكس» التي توسّعت مع بداية عام 2024، مع وجود توقعات أيضاً بأن تشهد توسعات أخرى مستقبلية.

أخبار ذات صلة

«بريكس» في مواجهة الهيمنة الأميركية وسياسات ترامب «الصدامية»

«بريكس» في مواجهة الهيمنة الأميركية وسياسات ترامب «الصدامية»

 في المقابل، فإن الهند حرصت منذ تأسيس مجموعة «بريكس» عام 2009، على عدم تقديم نفسها كخصم للغرب، بل كمحاورٍ مستقل قادر على التعامل مع الجميع دون اصطفاف أيديولوجي، حتى أنها تُعد إلى حد كبير من أبرز داعمي فكرة التعددية القطبية.

تناقضات داخل «بريكس»

هناك خطأ شائع في اختزال «بريكس» بأنها مجموعة مناهضة للغرب. فهذا الاختزال يغفل المصالح المختلفة، بل والمتضاربة في مجالات عدة، بين الهند وروسيا والصين. وليس أدلّ على ذلك من الصراع الحدودي بين الهند والصين، أو العلاقات الوثيقة التي تربط الهند بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكذلك مشاركة نيودلهي في تحالفات مثل «كواد» (QUAD) أو «الحوار الأمني الرباعي» (Quadrilateral Security Dialogue – QUAD) الذي يهدف أساساً إلى التصدي لنفوذ الصين المتصاعد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

من هنا، فإن مشاركة الهند في قمة «مجموعة السبع» لا تعتبر خروجاً عن سرب «بريكس»، بل هي بمثابة تعبير عن استراتيجية نيودلهي طويلة الأمد، وعنوانها «الاستفادة من الجميع، دون الارتهان لأحد».

رسائل سياسية وراء الدعوة

رغم أن الهند ليست عضواً في مجموعة الدول الصناعية السبع، فإنها غالباً ما تُدعى كضيف لحضور القمم السنوية للمجموعة. ومع ذلك، فإن دعوتها لحضور قمة هذا العام التي ترأسها كندا، تحمل رسائل سياسية عدة:

أولاً، أرادت كندا، ومن خلفها شركاؤها في مجموعة السبع، أن تبعث برسالة مفادها أن «العلاقات مع الهند أهم من الخلافات العابرة».

ثانياً، تُعد الدعوة محاولة غربية لإعادة التوازن داخل مجموعة «بريكس» نفسها، وذلك عبر تشجيع الدول الأعضاء التي يُنظر إليها على أنها معتدلة (مثل الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا) على البقاء في دائرة التواصل مع الغرب، وعدم الانجرار خلف رغبات الصين أو روسيا وتوجهاتهما المناهضة للغرب.

ثالثاً، تعكس الدعوة إدراكاً متزايداً لدى القادة الغربيين، بأن التحديات العالمية الكبرى، من التغيّر المناخي إلى إصلاح النظام المالي العالمي، لا يمكن معالجتها من دون شراكة حقيقية مع القوى الناشئة.

أخبار ذات صلة

شروط الانضمام إلى مجموعة «بريكس».. معايير صارمة وآمال طموحة

شروط الانضمام إلى مجموعة «بريكس».. معايير صارمة وآمال طموحة

 الهند على حبل مشدود

تُدرك الهند جيداً أنها لا تستطيع إغضاب الصين وروسيا في «بريكس». فالصين تعتبر ثاني أكبر شريك تجاري للهند بعد الولايات المتحدة، بإجمالي تبادل تجاري وصل إلى نحو 128 مليار دولار خلال السنة المالية 2024-2025، وفقاً لبيانات وزارة التجارة الهندية. أما روسيا، فلا تزال أكبر مورّد للأسلحة إلى الهند، وبواقع 36% من إجمالي واردات الأسلحة الهندية خلال الفترة من 2020 إلى 2024، بحسب بيانات «معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام» (SIPRI).

في المقابل أيضاً، لا تريد الهند أن تفقد الدعم الغربي في مجالات التكنولوجيا والدفاع والاستثمار. ومن هنا، فإن الموازنة الحرجة في علاقاتها مع الغرب ومع قطبي «بريكس» الرئيسين، يضع سياستها الخارجية على حبل مشدود بشكل عام.

قال مودي في تغريدة على منصة «إكس» (تويتر سابقًا) إنه يتطلع إلى لقاء كارني خلال القمة، مضيفاً أن الهند وكندا ستعملان معاً «بنشاط متجدد، مسترشدتين بالاحترام المتبادل والمصالح المشتركة».

لا شك في أن عبارة «الاحترام المتبادل» في تغريدة مودي، هي عبارة «مفتاحية» أو «تمهيدية» إلى حدّ ما، تعكس سعي نيودلهي إلى ترسيخ شراكات متوازنة، بعيداً عن الانحياز أو التبعية. وبالتالي، فإنها بتلبيتها الدعوة إلى قمة دول مجموعة السبع، لا تنقلب على «بريكس»، بل ترسّخ مكانتها كدولة محورية في نظام عالمي متحوّل؛ فهي «شريك في الغرب، وفاعل في الجنوب».

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC