logo
مقالات الرأي

تحدي التضخم في 2024

تحدي التضخم في 2024
تاريخ النشر:24 ديسمبر 2023, 07:07 ص
مع اقتراب نهاية عام 2023، هناك العديد من الأمور المعروفة ذات طابع الغموض - خاصة في السياق الجيوسياسي - وعلى ما يبدو هناك العديد من الأمور غير المعروفة تنتظر في الأفق. إعداد أي توقع للاقتصاد العالمي يصبح أكثر صعوبة من المعتاد، خاصة مع توقع العديد من دور الاستثمار ببطء إضافي في عام 2024، مع حيرة الكثيرين حيال حقيقة عدم حدوث انهيار كبير حتى الآن.

تواجه توقعات التضخم تحديًا أكبر حتى: أظهرت السنوات القليلة الماضية، أن التضخم يمكن أن يتأثر بشدة - على الأقل من حيث الرؤية العامة - بواسطة عدم اليقين والأمور المجهولة التي تظهر ذاتها. وتجري حاليًا مناقشة مستمرة حول توقعات التضخم، مع تعبير بعض رجال الأعمال المخضرمين وذوي الخبرة الكبيرة عن شكوك حيال قدرة المصارف المركزية على التحكم في هذه المشكلة. تقدم أحدث البيانات حول أسعار المستهلكين في منطقة اليورو والولايات المتحدة والمملكة المتحدة بعض الأخبار الإيجابية، بشأن اتجاهات التضخم على الصعيد العالمي، ولكن التضخم الأساسي (باستثناء أسعار الطاقة والغذاء العابرة) يظل مرتفعًا بشكل غير مريح فوق معدلات الهدف التي حددتها المصارف المركزية.

وبطبيعة الحال، لا يبدو أن الصين، صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تعاني من هذه المشكلة، بل على العكس من ذلك، تُظهِر أحدث بيانات أسعار المستهلك أنها تشهد انكماشاً، مع انخفاض مؤشر أسعار المستهلك الأساسي بنسبة 0.5% (على أساس سنوي) في نوفمبر.

وذات يوم، كان العديد من المحللين يشتبهون في أن الصين تنقل الضغوط الانكماشية إلى بقية العالم، في المقام الأول من خلال صادراتها الصناعية المنخفضة التكلفة وزيادة حصتها في الأسواق الخارجية. ولو كنا لا نزال في تلك الحقبة، لربما تضاءلت بعض المخاوف التضخمية الحالية. ولكن يبدو أن تلك الأيام قد ولت.

إن حجم التحديات الاقتصادية المحلية التي تواجهها الصين ــ بما في ذلك الانكماش ــ يشكل سؤالاً هائلاً، يستحق التعليق الخاص به. ونظراً للقضايا التي تواجه سوق العقارات في الصين، وإذا حكمنا من خلال تجارب مماثلة في بلدان أخرى، فبوسعنا أن نفترض أن الصعوبات التي تواجهها سوف يطول أمدها. ولكن وجهة النظر الأقل تشاؤماً هي أن صناع السياسات في الصين، يدركون تماماً هذه القضايا، ويرجع هذا على وجه التحديد إلى تلك الحالات السابقة، فضلاً عن التحذيرات التي ظل العديد من المعلقين يصدرونها لبعض الوقت.

وبالإضافة إلى العوامل المحلية الصينية، يتعين على المرء أيضاً أن يأخذ في الاعتبار، اتجاهات أسعار السلع الأساسية العالمية، والتي سيظل الطلب الصيني يشكل تأثيراً كبيراً عليها. وهنا، كانت الأخبار قرب نهاية عام 2023 أكثر تشجيعا مما كان يتوقعه كثيرون، وتشير إلى أن التضخم الرئيسي في العديد من البلدان، قد ينخفض بشكل أكبر في الأشهر المقبلة. على الرغم من الفوضى في الشرق الأوسط والحرب في أوكرانيا، تظل أسعار النفط الخام ضعيفة، الأمر الذي فاجأ العديد من المحللين ــ بما في ذلك بعض الذين ينبغي لهم أن يعلموا أن هذه السوق لا يمكن التنبؤ بها.

وبعيداً عن هذه العوامل، هناك ثلاثة عوامل أخرى تبرز بالنسبة لي. فأولا، ضعف النمو النقدي بشكل حاد في العديد من الاقتصادات، وهو أمر مطمئن تماما عندما يقترن بالاتجاهات الحالية لأسعار السلع الأساسية. على الرغم من مرور وقت طويل منذ أن ادعى أي شخص آخر غير أكثر علماء النقد المتحمسين، أن المعروض النقدي يؤثر دائمًا بشكل مباشر على التضخم، فقد أظهرت السنوات القليلة الماضية أنه إذا تسارع النمو النقدي بشكل جذري (كما حدث في أواخر عام 2020، وأوائل عام 2021 في الولايات المتحدة )، يمكن أن يرتفع التضخم.

ثانياً، وربما وفقًا لاتجاهات السلع والنقدية، كانت قياسات توقعات التضخم الأخيرة في الدول الرئيسية مطمئنة. وعلى وجه الخصوص، أظهر استطلاع جامعة ميشيغان الأخير لتوقعات المستهلكين لفترة خمس سنوات، انخفاضًا حادًا إلى 2.8% من 3.2% في الشهر السابق، مشيرًا، على الأقل، إلى عدم حدوث زيادة مستدامة أو "فك تثبيت" لتوقعات التضخم على المدى الطويل.

والسؤال الأخير، وربما الأكثر صعوبة، هو كيف ستستجيب البنوك المركزية؟ في أحدث توجيهاته المستقبلية للأسواق، اقترح مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي خفض أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس في عام 2024. ومع ذلك، تتراجع البنوك المركزية الأخرى، خاصة في أوروبا، عن رهان الأسواق المالية، على خفض أسعار الفائدة في العام المقبل، ولكن لا يبدو أن الأسواق قد تلقت هذه المذكرة. ومع بقاء التضخم الأساسي أعلى من الهدف، ونمو الأجور الحقيقية (المعدلة حسب التضخم)، وعدم وجود أدلة قوية على نمو الإنتاجية في أي مكان، فإن محافظي البنوك المركزية، سوف يكرهون خفض أسعار الفائدة قريبا. ولكن مع استمرارهم في محاولة التأثير على الأسواق من خلال توجيهاتهم وبياناتهم العامة، فسوف يكون لزاماً عليهم أن يتقبلوا أن الأسواق ــ بحكمتهم الجماعية ــ ربما ترى شيئاً لا تراه هي نفسها. وإذا اتخذت البيانات منعطفاً إيجابياً حاداً، فمن المحتمل أن يغيروا موقفهم.

ويظل نمو الأجور متغيرا حاسما. وفي بعض البلدان، وخاصة في المملكة المتحدة، تجاوزت أخيرا نمو أسعار المستهلك. وسوف يشعر صناع السياسات بشكل غريزي بالقلق من أن يؤدي هذا الاتجاه إلى إحداث دوامة من الأجور والأسعار. ولكن ألن يكون من اللطيف أن يتبين أن نمو الأجور الحقيقية الأخير، تم تبريره من خلال إعادة التوازن إلى العائدات المالية، والعودة التي طال انتظارها لنمو الإنتاجية الإيجابية؟ مع العام الجديد يأتي أمل جديد.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC