يبدو أن تقرير الوظائف في نوفمبر الصادر الجمعة عن وزارة العمل لن يجعل مهمة الاحتياطي الفيدرالي في مكافحة التضخم سهلة، حيث يعكس تزامن النمو القوي في الوظائف والأجور زيادة الطلب على الوظائف عن المعروض ما يدفع التضخم إلى الاستمرار في الارتفاع.
أضاف أصحاب العمل 263 ألف وظيفة الشهر الماضي، والتي تراجعت 23 ألف وظيفة خلال المراجعة بالشهرين السابقين. وشهدت وظائف القطاع الخاص غير الزراعي 221 ألف وظيفة، حيث أضاف قطاع الترفيه والضيافة 88 ألف وظيفة والرعاية الصحية 45 ألف وظيفة والبناء 20 ألف وظيفة ووسائل الإعلام والتكنولوجيا 19 ألف وظيفة والصناعة التحويلية 14 ألف وظيفة والعقارات 13 ألف وظيفة.
لا تشير بيانات الوظائف لذلك الشهر إلى احتمال حدوث الركود.
تراجع وظائف قطاع التجزئة 30 ألف وظيفة وربما يرجع إلى تحول الإنفاق من السلع إلى الخدمات الأمر الطبيعي مع تلاشي الوباء، لكن العمال الذين يفقدوا وظائفهم في المحلات التجارية الكبرى يجدون عملًا في أماكن أخرى كما توظف الكثير من الشركات رغم تقارير عن عمليات التسريح في وادي السيليكون.
تكمن المشكلة في عدم عثور أصحاب العمل على ما يكفي من العمال، حيث تقلّصت القوى العاملة المدنية في الدراسات الاستقصائية للأسر 186 ألف وظيفة الشهر الماضي كما انخفض معدل المشاركة 0.1% إلى 62.1%، وبقي معدل البطالة ثابتًا عند 3.7% بينما ما تزال مشاركة القوى العاملة منخفضة بشكل كبير عما كانت عليه قبل الوباء البالغة 63.4%.
لا يأتي هذا نتيجة ترك جيل طفرة المواليد للعمل، حيث انخفضت مشاركة القوى العاملة بين الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 25 – 54 عاماً إلى 88.4% من 89.3% قبل الوباء، ولا يرجع ذللك إلى طول فترة كوفيد، حيث يتركز التراجع بين الشباب، إذ انخفضت مشاركة العمال الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 20 - 24 عاماً بنسبة 1.7 % منذ يناير 2020 مقابل 0.5% للذين تتراوح أعمارهم بين 45 - 54 عاماً.
ربما يكون السبب الحقيقي وراء ذلك مدفوعات الدعم السخي أثناء كوفيد، حيث ادخرت الأسر الأميركية بمنتصف 2022 مدخرات إضافية بقيمة 1.7 تريليون وفقاً لتقرير حديث صادر عن مجلس الاحتياطي الفيدرالي بزيادة عن المدخرات التي كانت ستحصل عليها لو نما إنفاق الاستهلاك والدخل وفق اتجاهات ما قبل الجائحة. فالسبب الأكبر حزمة مدفوعات التحفيز الفيدرالية، والإعفاءات الضريبية المتعلقة بالأطفال وغيرها.
في مارس 2020، زاد الكونغرس قسائم المنح الغذائية وقلص متطلبات العمل طوال حالة الطوارئ الصحية الوطنية طالما سارية المفعول.
ورغم إعلان الرئيس، جو بايدن إن الوباء قد انتهى، لم يُنهي حالة الطوارئ رسمياً. ويتلقى المستفيدون من قسائم الطعام في المتوسط 227 دولارًا شهريًا، ما يعادل نحو ضعف المبلغ قبل الوباء، كما تنازلت الحكومة عن مدفوعات أقساط القروض الطلابية، ما وفر على المقترض 12800 دولار.
وقد تصح رؤية ميلتون فريدمان بشأن السياسة النقدية وتأثيرها المتأخر والمتغير على الاقتصاد وخاصة في ظل السياسة المالية أثناء الوباء، الأمر الذي من شأنه عرقلة جهود الاحتياطي الفيدرالي في الحد من التضخم، مع استمرار ارتفاع الأجور بينما يبذل أصحاب العمل قصارى جهودهم لتوظيف العمال والاحتفاظ بهم ما انعكس على ارتفاع متوسط الدخل في الساعة بنحو 0.6% في نوفمبر أو 6.6% على أساس سنوي.
يطالب العمال أيضًا بزيادة الأجور لتعويض التضخم، حيث رفض طيارو الخطوط الجوية "يونايتد إيرلاينز" الشهر الماضي عقدًا جديداً يمنحهم زيادة 15% تقريبًا على مدى 18 شهرًا، وورفض اتحاد طياري "أميريكان إيرلاينز" زيادة 19% على مدى عامين. ما يجعلنا نأمل ألا يكون الانخفاض المتواضع في التضخم خلال الأشهر الأخيرة مؤقتًا.
المصدر: وول ستريت جورنال