تتهيأ العاصمة الإماراتية أبوظبي هذا الصيف لتكون مسرحاً لانطلاقة غير مسبوقة في عالم النقل الحضري، مع دخول سيارات الأجرة الطائرة حيّز الاختبار، في مشروع مشترك بين شركة «آرتشر للطيران» الأميركية وشركة «طيران أبوظبي»، يمهد لتحويل مفهوم الخيال العلمي إلى واقع ملموس في سماء الإمارات.
المركبة التي ستحلق قريباً فوق شوارع العاصمة تُعرف باسم «ميدنايت» (Midnight)، وهي طائرة كهربائية قادرة على الإقلاع والهبوط العمودي (eVTOL)، تستوعب أربعة ركاب بالإضافة إلى الطيار، وتتميز بكونها صامتة وخالية من الانبعاثات الكربونية. ومن المقرر أن تبدأ الاختبارات الجوية خلال فصل الصيف، تمهيداً لإطلاق الخدمة بشكل تدريجي ومدروس.
في حديث خاص لـ«إرم بزنس»، قال نيخيل جويل، الرئيس التنفيذي للشؤون التجارية في «آرتشر أفيايشن»، إن دخول شركته إلى سوق الإمارات، وتحديداً من العاصمة أبوظبي، يمثل «بداية تحول حقيقي لرؤية التنقل الجوي الحضري من فكرة خيالية إلى واقع ملموس"، مشيراً إلى أن «طيران أبوظبي ستكون أول عميل ضمن نسخة الإطلاق».
وأكد جويل أن فريق «آرتشر» يعمل حالياً عن قرب مع «طيران أبوظبي» وشركاء محليين، لتجهيز أول أسطول من طائرات «ميدنايت»، وقال: «هدفنا أن نبدأ بتقديم خدمات نقل الركاب في أبوظبي قريباً، وسندعم طيران أبوظبي ليس فقط بالطائرات، بل أيضاً بمنظومة متكاملة تشمل الطيارين والفنيين والمهندسين لضمان خدمة آمنة وفعالة».
وأشار جويل إلى أن التعاون الوثيق مع الهيئة العامة للطيران المدني في الإمارات (GCAA) يمثل ركيزة أساسية في المشروع، قائلاً: «نعمل جنباً إلى جنب مع الهيئة العامة للطيران المدني لتأمين إدخال سيارات الأجرة الطائرة الكهربائية بطريقة آمنة وقابلة للتوسع. ونتّبع نهجاً تدريجياً ومدروساً قائماً على فلسفة التحسين المستمر، بحيث تسهم كل مرحلة من مراحل التشغيل في تطوير وتعزيز المرحلة التالية مع توسّع شبكة خدماتنا».
يرى جويل أن التقنية الجديدة ستكون نقطة تحول في لوجستيات النقل الحضري، مضيفاً:
«بدلاً من قضاء 60 إلى 90 دقيقة في زحمة السير، يمكن للناس أن ينتقلوا جواً في 10 إلى 20 دقيقة فقط. هدفنا هو إعادة تعريف طريقة تنقل الأشخاص داخل المدن. تخيل رحلة من أبوظبي إلى دبي في 20 دقيقة، فوق الزحام، تشاهد المناظر الطبيعية الخلابة للإمارات في طائرة كهربائية صامتة وخالية من الانبعاثات».
وأكد أن هذه الرؤية تتماشى مع استراتيجية الدولة لبناء مدن ذكية متقدمة، قائلاً: «تصنّف أبوظبي باستمرار من بين أفضل 50 مدينة ذكية في العالم، وهذه المبادرة تعزز موقعها ضمن هذه القائمة».
من الناحية البيئية، يشدد جويل على أن «ميدنايت» تمثل خياراً مستداماً فعلياً، قائلاً: «طائرات ميدنايت لا تنتج أي انبعاثات كربونية مباشرة؛ ما يجعلها داعمة بشكل مباشر لـ«استراتيجية الإمارات للحياد المناخي 2050».
وأضاف أن أحد مفاتيح نجاح المشروع هو استخدام البنية التحتية الحالية لمهابط الطائرات العمودية، مما «يسهل الإطلاق ويوفر الوقت والتكاليف، ويُسرّع من التفعيل دون الحاجة إلى إنشاءات جديدة واسعة النطاق ". واعتبر أن هذا الإنجاز ما كان ليتحقق لولا الشراكات القوية مع الهيئة العامة للطيران المدني وشركائنا المحليين.
وحول قدرة المستخدمين على تحمّل كلفة هذه التقنية، قال جويل إن الطائرة تستوعب أربعة ركاب وطياراً واحداً، موضحاً: «التكلفة ستكون أعلى قليلاً في البداية، لكننا نستهدف أن تكون الأسعار قريبة من وسائل النقل الأرضية الفاخرة».
وأكد أن تقليص وقت التنقل يغيّر قواعد اللعبة، مضيفاً: «من خلال تطوير مركبة (ميدنايت)، نقدّم وسيلة نقل جديدة مستدامة، ميسورة التكلفة، ومصممة وفق أعلى معايير السلامة المعتمدة في الطيران التجاري».
وتابع: «من خلال تقليص وقت التنقّل بشكل كبير، نُسهم في تحويل رؤية «مدينة الـ15 دقيقة» في الإمارات إلى واقع ملموس، ونجعل من التنقل المستدام والمتاح للجميع خياراً فعلياً لا مجرّد طموح بعيد».
وحين سألته «إرم بزنس» عن جدوى المشروع من الناحية الاقتصادية، قال جويل إن المكاسب تشمل «وفورات في الوقود والوقت، وخفض الانبعاثات الكربونية والحفاظ على البيئة»، مضيفاً أنه «رغم أن التكلفة ستكون أعلى قليلاً في البداية، فإن الفوائد الاقتصادية والبيئية والاجتماعية على المدى الطويل ستبرر الاستثمار في هذه التقنية».
أما عن خطة التوسع، فأكد جويل أن أبوظبي ستكون مركز التشغيل الأولي، قائلاً: «تبدأ استراتيجيتنا للنمو من خلال تنفيذ مشروع مركز في أبوظبي بهدف تحقيق التميز التشغيلي وإثبات قيمة التنقل الجوي الحضري».
وأضاف: «من هناك، نخطط لتوسيع عملياتنا بشكل مدروس أولاً داخل الإمارات، ثم إلى الدول المجاورة، وفي النهاية عبر المنطقة الأوسع».
وتابع أن شركته ستعمل على «بناء كل مرحلة من مراحل النمو على نجاحاتنا والدروس المستفادة من العمليات السابقة»، مع الحفاظ على «أعلى معايير السلامة وجودة الخدمة»، وبالتعاون مع «الجهات التنظيمية المحلية في كل سوق جديد».