الخميس 5 يونيو 2025 ص
عند الحديث عن السيارات الرياضية الفاخرة، سرعان ما تقفز إلى ذهنك علامات بعينها تتقدمها «بي إم دبليو» و«مرسيدس» الألمانيتان، لكن ذلك بدأ يصبح من الماضي، مع ارتفاع حدة المنافسة يومياً في القطاع البارز ليس فقط من حيث القيمة السوقية المقدرة بمئات مليارات الدولارات، بل من حيث نوعية العملاء أيضاً.
في الصين أكبر سوق للسيارات في العالم، حيث كانت الكفة الراجحة لمبيعات عمالقة الصناعة الغربية، بات الأمر يشكل اليوم خطراً وجودياً بالنسبة إلى الشركات الغربية مع إطلاق علامات محلية متطورة تقنياً، ومسلحة تكنولوجياً، تنافس من كان يعتقد يوماً بأنه أبعد من أي تهديد لهيمنته على حصة الأسد في السوق.
مجموعة «سيريس»، الوافد الجديد، وبأقل من 4 سنوات فقط، أطاحت بأسماء عريقة في عالم السيارات الفارهة من أمثال «بي إم دبليو» و«مرسيدس»، لتصبح مبيعاتها من السيارات الفاخرة الأكثر رواجاً في الصين.
الشركة الصينية الصغيرة، المعروفة سابقاً بـ«دي إف إس كيه موتور»، دخلت في عام 2021 بشراكة مع عملاق الاتصالات «هواوي تكنولوجيز» لإطلاق علامة «أيتو» التجارية للسيارات الرياضية متعددة الاستخدامات الفاخرة، الكهربائية والهجينة.
شهدت «سيريس» نمواً مذهلاً، لتتضاعف مبيعاتها 3 مرات خلال 3 سنوات حيث وصلت إلى حوالي 427 ألف سيارة في عام 2024، من 140 ألف مركبة في 2021. وارتفع سهم الشركة المدرج في بورصة شنغهاي بنسبة 120% خلال تلك الفترة، وفق وكالة بلومبرغ.
قال رئيس مجلس إدارة شركة «سيريس»، تشانغ شينغهاي، في معرض شنغهاي للسيارات في أبريل الماضي: «تعيد طرازات (أيتو) الرائدة تشكيل سوق السيارات الفاخرة في الصين».
أضحت «أيتو» عبر سيارتها الرياضية متعددة الاستخدامات (M9 SUV) العلامة التجارية الأكثر مبيعاً في الصين خلال 2024، ضمن فئة السيارات التي يتجاوز سعرها 500 ألف يوان (ما يعادل 69,253 دولاراً)، رغم إطلاق السيارة في نهاية عام 2023.
وبلغت مبيعات هذا الطراز الفاخر، المزوّد بنظام تشغيل هارموني من «هواوي»، ولوحة قيادة ثلاثية الشاشات، وخيارات مثل مكيف ثنائي المناطق وإضاءة محيطية، حوالي 151 ألف مركبة، بحسب بيانات شركة استشارات السيارات «ثينكركار» (ThinkerCar).
يبدأ سعر النسخة الأساسية من سيارة (M9 SUV) الكهربائية التي تعمل بالبطارية من 509,800 يوان (70,610 دولارات).
إلى جانب (M9 SUV)، كشفت الشركة عن الأخت الصغرى من الفئة ذاتها وهي سيارة (M8) الرياضية متعددة الاستخدامات والأصغر حجماً بقليل، والتي أطلقتها الشركة في أبريل 2025، وسجلت طلبيات بأكثر من 70 ألفاً حتى الآن.
ما يميّز (M8)، إضافة لمداها المذهل الذي يتعدى 1500 كم، تمتعها بمواصفات ومزايا منافسة، لا سيما نظام «EREV» الهجين القابل للشحن، إذ تعمل المركبة بمحرك كهربائي يعتمد في معظمه على الطاقة المخزنة في البطارية، وفي حال نفاد شحن البطارية، يبدأ مصدر طاقة ثانوي -مولد كهربائي يعمل بمحرك احتراق داخلي- بالعمل لتوفير الطاقة اللازمة للمحرك الكهربائي لمواصلة الرحلة.
تأتي السيارة بقوة إجمالية 527 حصاناً، بطول 5.19 متر، ومقصورة داخلية ذكية مزودة بتقنيات «هارموني أو إس» و«أيه دي إس 4»، إضافة إلى 6 مقاعد بتصميم فاخر، وسعرها يبدأ من 368,000 يوان (51,000 دولار)، ما يجعلها منافسة للعلامات العالمية، حتى للصينية من الفئة ذاتها.
كان يُنظر إلى قطاع السيارات الفاخرة في الصين على أنه الشريحة الأخيرة من سوق السيارات، المعزولة نسبياً عن التحوّل نحو السيارات الكهربائية. لكن فك بكين للشيفرة والانطلاق بالإنتاج، ترك كبار صنّاع السيارات الأجنبية في السوق، كمجموعة «فولكس فاغن»، و«جنرال موتورز»، يكافحون للحاق بالركب.
كما كان الاعتقاد السائد سابقاً أن شركات السيارات الكهربائية الصينية الناشئة، التي تفتقر إلى الخبرة، لا تستطيع مضاهاة مكانة العلامة التجارية التي تقدمها. في حين أثبتت «أيتو» خطأ هذا الاعتقاد، وأظهرت كيف تتغير أذواق المستهلكين الصينيين في هذا المجال.
وأبرز دليل على ذلك، كان نجاح شركتي «هواوي» و«شاومي» الصينيتين المُصنّعتين للهواتف الذكية، حين بدأتا الحديث بشكل مستقل عن دخول سوق السيارات الكهربائية قبل حوالي 4 سنوات، وواجهتا شكوكاً كبيرة.
وفي مؤتمر صحفي عام 2022، قال رئيس مجلس إدارة شركة «سيريس»، تشانغ شينغهاي: "الكثيرون يشككون بقدرة شركتنا، التي كانت حتى ذلك الوقت تُصنّع بشكل رئيس سيارات ميني فان رخيصة، و«هواوي»، التي لم تُصنّع سيارات من قبل، على طرح علامة تجارية فاخرة، لكن أين نحن اليوم؟".
مع كل تلك التصريحات الإيجابية، يواجه نجاح «سيريس» بعض التحديات، فقد شهد سوق السيارات الفاخرة في الصين انخفاضاً بنسبة 23% في عام 2024، بحسب بيانات «ثينكركار» (ThinkerCar)، متأثراً بالتباطؤ الاقتصادي في البلاد وضعف ثقة المستهلكين.
وبرزت هناك أيضاً حرب الأسعار المستمرة، حيث خفضت الشركة أسعار معظم تحديثات عام 2025، لسيارة (M9) بنحو 20 ألف يوان (2776 دولاراً)، لتبدأ «سيريس» في التخلف عن المنافسة.
ففي يناير وفبراير 2025، سلّمت «مرسيدس» 22,160 سيارة، بينما باعت «بي إم دبليو» 18,130 سيارة، متجاوزةً «أيتو» التي باعت 17,190 وحدة فقط، لتتراجع مبيعات الشركة الإجمالية في الربع الأول من العام الجاري بنسبة 42%، ما أتاح لعملاقتي السيارات الألمانية استعادة الصدارة في أول شهرين من العام.
يعكس تراجع مبيعات سيارات «سيريس» التغيرات في سوق السيارات الصينية، وزيادة التنافسية، وتأثيرات أزمة سلسلة التوريد، إضافة إلى تغير تفضيلات المستهلكين نحو السيارات الكهربائية والهجينة.
لكن ما زاد من ضبابية الأسواق وحالة عدم اليقين، عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025، واستكماله فصلاً جديداً من حرب الرسوم الجمركية التي بدأها خلال ولايته الأولى (2017/ 2021)، مستهدفاً الصين بجميع مفاصل اقتصادها، خصوصاً قطاع السيارات الذي تهيمن عليه كأكبر سوق في العالم.
