الضجيج الوحيد الذي تصدره السيارات الكهربائية ربما لا يكون صوتاً ميكانيكياً، بل «الهدوء» الذي يسبق عاصفة تغيّر وجه قطاع صيانة السيارات كما نعرفه. في الوقت الذي تحتفل فيه الأسواق العالمية بتبني السيارات الكهربائية، هناك آلاف الورش التقليدية التي تخشى أن تكون هذه الثورة سبب نهايتها.
لنكن واقعيين: صيانة السيارات التي تعمل بالبنزين أو الديزل تعتمد على آلاف القطع المتحركة. المحرك، ناقل الحركة، شمعات الإشعال، الفلاتر، الزيت، إلخ..، كل قطعة منها فرصة عمل لورشة صيانة.
أما السيارة الكهربائية؟ فالأمر يشبه إلى حد كبير «لابتوب على عجلات». لا زيت للمحرك، لا فلاتر وقود، لا ناقل حركة متعدد التعقيدات، فقط محرك كهربائي، بطارية ضخمة، وبرمجيات معقدة.
النتيجة؟ ما يصل إلى 70% من الأعمال التي تعتمد عليها الورش اليوم قد تختفي خلال عقد واحد فقط.
الورش الصغيرة، خاصة تلك غير المرتبطة بوكالات أو شركات كبرى، تواجه مصيراً صعباً. فالدورات التدريبية المعتمدة لصيانة السيارات الكهربائية لا تزال محدودة ومكلفة. والأصعب أن الوصول إلى قطع الغيار أو أدوات فحص البطاريات ليس متاحاً بسهولة.
في ظل هذه المعطيات، قد يجد كثير من أصحاب الورش أنفسهم خارج اللعبة ما لم يتحركوا بسرعة.
هل يعني ذلك أن السيارات الكهربائية لا تحتاج إلى صيانة إطلاقاً؟ الجواب: لا.
لكنها تحتاج إلى نوع جديد من الصيانة. الأجزاء المتعلقة بأنظمة التعليق، المكابح (رغم أنها تدوم أطول بفضل نظام الكبح المتجدد)، الإطارات، وحتى البرامج الإلكترونية، كلها لا تزال بحاجة إلى متابعة.
إضافة إلى ذلك، البطارية، قلب السيارة الكهربائية، تحتاج إلى مراقبة دقيقة، وتبديلها (عند الحاجة) يُعد من أغلى عمليات الصيانة في عالم السيارات.
في عالم السيارات الكهربائية، الأعطال لا تُسمع بل تُقرأ.
الكثير من مشاكل السيارات الحديثة يتم حلها اليوم عبر تحديث برمجي عن بُعد «OTA» (أي Air The Over) ويُقصد به التحديثات البرمجية التي تُرسل إلى السيارة عن بُعد عبر الإنترنت، دون الحاجة لزيارة الورشة أو الوكيل أو عبر تعديل خوارزميات. وهذا يفتح الباب أمام شكل جديد تماماً من الصيانة.. صيانة بدون مفتاح ربط، بل بلوحة مفاتيح!.
لذلك، تظهر الآن وظائف جديدة مثل:
في الوقت الحالي، الوكالات هي الجهة الأكثر جاهزية لصيانة السيارات الكهربائية. لديها المعدات، التدريب، وربما أيضاً الوصول الحصري لبعض أدوات التشخيص والبرمجيات.
لكن هذا الاحتكار قد لا يدوم. الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، يدفع باتجاه قوانين «الحق في الإصلاح» (Right to Repair) التي تلزم الشركات بمشاركة أدوات الصيانة مع الورش المستقلة. هل تحذو الأسواق العربية حذوها؟ الزمن كفيل بالإجابة.
أمام هذه التحولات، هناك ورش بدأت بالفعل في التحول:
وربما تظهر قريباً ورش متخصصة فقط في السيارات الكهربائية، تماماً كما نشأت ورش متخصصة في التكييف أو الفرامل سابقاً.
نعم..
السيارات الكهربائية لا تهدد فقط صناعة المحركات، بل تهز كامل منظومة ما بعد البيع. الصيانة كما نعرفها تمر بمنعطف تاريخي، وسيكون البقاء فيه للأذكى، وليس للأقوى.
الورشة التي لا تفهم الكهرباء والبرمجيات اليوم.. قد تغلق أبوابها غداً.