يشهد قطاع التكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط نمواً متسارعاً يدفع البنوك التقليدية إلى إعادة النظر في استراتيجياتها، وتحسين خدماتها للعملاء، وضخ الاستثمارات في وحدات رقمية متخصصة، بحسب خبراء في القطاع.
فبينما تواصل شركات التكنولوجيا المالية اقتطاع حصة من السوق، ترد البنوك من خلال تطوير حلول رقمية داخلية، وإبرام الشراكات، وتنفيذ عمليات الاستحواذ للحفاظ على قدرتها التنافسية.
ووفقاً لتقرير نشره موقع AGBI، استحوذت شركات التكنولوجيا المالية على ما يقرب من 60% من إجمالي رأس المال المغامر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الربع الأول من عام 2025، وهو ما يعكس استمرار النمو الذي يشهده القطاع منذ أكثر من عقد.
وقال سوفو سركار، الرئيس السابق لقطاع الخدمات المصرفية للأفراد وإدارة الثروات في «بنك الإمارات دبي الوطني» ومقدم بودكاست «موني مجلس» (Money Majlis): «دفعت شركات التكنولوجيا المالية البنوك إلى الالتفات إلى احتياجات العملاء. لقد اقتطعت جزءاً من أعمال البنوك في مجالات مثل التحويلات وبطاقات الائتمان والودائع، ونجحت في تبسيطها بشكل كبير».
ومن أبرز الأمثلة على التحولات التي تقودها التكنولوجيا المالية «بنك ويو» (Wio Bank) الرقمي، الذي أُطلق في عام 2022 بدعم جزئي من «القابضة» (ADQ)، صندوق الثروة السيادي لإمارة أبوظبي الذي تبلغ قيمته 200 مليار دولار. وأوضح سركار أن «بنك ويو» يواصل جذب عملاء جدد بفضل تجربة رقمية سلسة وتطبيق وصفه بـ «الرائع».
وبات تأثير التكنولوجيا المالية ينعكس على أعلى مستويات اتخاذ القرار داخل البنوك. وأوضح مصطفى دومانيك، الشريك في شركة الاستشارات العالمية «أوليفر وايمان» (Oliver Wyman): «أصبحت النقاشات المرتبطة بالتكنولوجيا المالية أكثر حضوراً على مستوى مجالس الإدارة مع تزايد وضوح تأثيرها التشغيلي».
وتُظهر توقعات «أوليفر وايمان» أن شركات التكنولوجيا المالية قد تستحوذ على ما يصل إلى 10% من إيرادات البنوك التقليدية في المنطقة بحلول عام 2030. وقد دفعت هذه التوقعات عدداً من البنوك الإقليمية إلى إطلاق وحدات رقمية تابعة لها، مثل «مصرفية ميم» (Meem) الرقمية التابعة لـ«بنك الخليج الدولي»، و«بنك وياي» (Weyay Bank) التابع لـ«بنك الكويت الوطني»، و«بنك لِف» (Liv Bank) التابع لـ«بنك الإمارات دبي الوطني».
وأشار أمجد رمحي من شركة «باكبيس» (Backbase)، المتخصصة في برمجيات البنوك، أن البنوك الرائدة توظف صعود المنافسين الرقميين كحافز لتسريع وتيرة تحولها الرقمي.
ورغم ما تتمتع به شركات التكنولوجيا المالية من مرونة وتركيز على تجربة المستخدم، أشار رمحي إلى أن البنوك التقليدية لا تزال تحتفظ بمزايا مهمة، منها الثقة الممتدة لعقود، والخبرة التنظيمية العميقة، والقدرة على التوسع الآمن.
كما تمتلك البنوك إمكانات مالية ضخمة تمكّنها من الحفاظ على تفوقها التنافسي. ووفقاً لدومانيك، فإن العديد من البنوك تسعى إلى لعب دور الممول، بينما تتولى شركات التكنولوجيا المالية إدارة واجهة التفاعل مع العملاء. ودفع هذا الاتجاه العديد من البنوك إلى الاستثمار في شركات التكنولوجيا المالية الناشئة، أو الدخول في شراكات استراتيجية معها، أو تعزيز قدراتها التقنية من الداخل.
وأضاف دومانيك: «لا تزال لدى البنوك القدرة على الاستحواذ على المنافسين الرقميين أو بناء نماذج مشابهة داخلياً، ما يضمن جاهزيتها للمنافسة في منظومة مالية تتغير باستمرار».
وعلى الرغم من الصعود السريع للتكنولوجيا المالية، لم يشهد القطاع المصرفي في الشرق الأوسط خروج أي بنك تقليدي من السوق، بحسب سركار، الذي يرى أن السوق لا تزال واسعة بما يكفي لاستيعاب الطرفين. وقال: «الحصة السوقية كبيرة بما يكفي لتتمكن شركات التكنولوجيا المالية من الدخول واقتطاع جزء منها».
وأشار سركار إلى أن تركيز شركات التكنولوجيا المالية ينصب في الغالب على الخدمات المصرفية للأفراد، والتي تمثل نحو 50% من إجمالي إيرادات البنوك. أما التمويل المؤسسي، فيبقى أقل تأثراً بهذه التحولات، نظراً لتفضيل الشركات الاستقرار والارتباط العالمي. وأضاف: «تلك المتطلبات لا توفرها سوى البنوك الكبرى».