فوفقًا لبيانات منشورة على موقع وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية، فقد حقق قطاع الزراعة انكماشًا خلال الربع الأول من العام المالي الحالي، بلغت نسبته 4.3%، فيما سجل قطاع الصناعة انكماشا بنسبة 6.9%، وقطاع البناء بنسبة 11.7%، والفنادق والمطاعم بنسبة 9.3%.
لكن هذه التراجعات لم تطل قطاع البترول والغاز والتعدين الذي حقق نموًا بلغ 15.2%، والكهرباء بنسبة 20.4%، وقناة السويس بنسبة 13.5%.
ورغم تقديرات وزارة التخطيط المصرية، بارتفاع النمو لنحو 4.8% خلال العام المالي الحالي، إلا أن تقديرات صندوق النقد الدولي جاءت خلاف ذلك، إذ توقع خلال أكتوبر الماضي، نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لمصر 4.2% خلال 2023، و3.6% خلال عام 2024.
أيضًا، توقع الصندوق أن يسجل متوسط معدل التضخم السنوي في مصر 23.5% خلال عام 2023، وأن يقفز إلى 32.2% خلال 2024.
أما فيما يخص ميزان المعاملات الجارية المصري، فقد توقع الصندوق أن يُسجل عجزًا بنسبة 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي في 2023، على أن يرتفع إلى 2.7% خلال عام 2024.
ومن المتوقع أن يُسجل متوسط معدل البطالة في مصر خلال العام الجاري -وفق تقديرات الصندوق- 7.1%، وأن يرتفع إلى 7.5% خلال العام القادم.
ويتزامن مع ذلك مع استمرار تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار الأميركي، في وقت تعاني فيه مصر شحًا شديدًا في العملة الأجنبية منذ اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية في فبراير من العام الماضي.
ورغم تخفيض وكالة فيتش تصنيف مصر الائتماني على المدى الطويل بالعملات الأجنبية إلى "B-" هبوطًا من "B"، مشيرة إلى زيادة المخاطر على التمويل الخارجي وارتفاع في الديون الحكومية، إلا أن الخبير الاقتصادي الدكتور علي عبد الرؤوف الإدريسي أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، يرى أن مصر لديها القدرة على الخروج من الأزمة الراهنة، بما تمتلكه من مقومات.
أولى هذه المقومات، هي السياحة، وما تدره على مصر من عملة أجنبية صعبة، وبحسب تقرير وكالة فيتش، فقد تعافى قطاع السياحة الرئيسُ في مصر، والذي تضرر بشدة بسبب وباء كورونا، ولكن تم تعويض ذلك من خلال الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة العام الماضي، والارتفاع المستمر في تكاليف الاقتراض العالمية.
وقد أدى هذا -وفق الوكالة- إلى زيادة القروض الخارجية للبلاد، والتي تضاعفت أربع مرات لتتجاوز 160 مليار دولار في السنوات السبع حتى عام 2022.
وتعليقًا على ذلك، شدد الإدريسي في تصريحات لـ"إرم الاقتصادية"، على أنه للخروج من هذه العثرات، تحتاج مصر إلى عدد من الأمور الأساسية، بدايةً من عرض التحديات التي تواجهها الدولة بشفافية، إضافة إلى التعاون الحقيقي بين المجموعة الاقتصادية بمجلس الوزراء، في سياق خطة التعامل مع التداعيات الحالية.
كما أكد أهمية مشاركة الخبراء والمختصين في وضع تصورات للحلول، موضحًا أن عودة الأموال الساخنة والاستثمارات الخارجية التي تخارجت من الاقتصاد المصري لن تتم في يوم وليلة، ولذلك فإن الأمر يحتاج لإعادة تقييم جدي للاقتصاد، والتعامل مع الأمور بشفافية وجدية متناهية من قِبل الحكومة والقطاع الخاص على حد سواء.
وحول استمرار الحروب في أوكرانيا وغزة، والتي جاءت بعد نحو عامين من الإغلاقات بسبب تفشي فيروس كورونا، ومدى تأثير ذلك على الاقتصاد المصري والعالمي على حد سواء، رأى الإدريسي أن العوامل الخارجية وحدها ليست المسئولة عن العثرات التي تواجه الاقتصاد المصري، مشيرًا إلى وجود عدد من العوامل الداخلية الأساسية التي أدت لذلك.
وبيّن أنه لمواجهة ذلك، يجب استغلال أصول الدولة بالشكل اللائق، وكذلك شركات قطاع الأعمال التي تواجه تحديات مفصلية.
وأوضح الإدريسي أن الأزمات الخارجية من حروب وغيرها، رغم تأثيرها على الاقتصادات العالمية، إلا أن الاقتصاد المتماسك سيتخطى هذه العثرات سريعًا، ومن ثمّ إذا كان الاقتصاد لديه قدر من القوة والمتانة بما يجعله قادرًا على مواجهة الصدمات، فإن هذه القوة تأتي من القطاعات الأساسية المتعلقة بالصناعة والزراعة، في إشارة إلى ضرورة اهتمام الدولة بهذين القطاعين تحديدًا.
وحول طريقة جذب المستثمرين الأجانب، يرى الإدريسي، أن ثقة المستثمر الأجنبي تأتي من ثقة المستثمر المحلي، وبالتالي من الضرورة بمكان أن تواصل الحكومة النظر في المشكلات التي تواجه المستثمرين، والعمل على تذليل العقبات أمامهم.
خفض المؤسسات الدولية لم يتوقف عند فيتش، وإنما خفضت وكالة التصنيف العالمية ستاندرد آند بورز، خلال أكتوبر الماضي، التصنيف السيادي طويل الأجل لمصر إلى "-B" من "B"،
كما كانت وكالة موديز قد خفضت مؤخرًا تصنيفها الائتماني لمصر ليكون عند "سي إيه إيه 1" (CAA1) بدلًا ممن "بي بي بي" (BBB)، مما يعني ضعف الموقف الائتماني، ووصفه بالمخاطر العالية.
فيما خفض بنك "مورغان ستانلي" نظرته للديون المصرية من الحياد إلى "غير محبذ"، وقد أدت هذه التقييمات السلبية إلى تراجع قيمة السندات المصرية في السوق الدولية.
تلا ذلك، مطالبة مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا، لمصر بالإسراع في تخفيض قيمة الجنيه من أجل الحفاظ على احتياطات النقد الأجنبي.
من جانبه، يرى الدكتور سيد خضر الخبير الاقتصادي، أن كل هذه الأمور يمكن معالجتها، بالاهتمام بالناتج المحلي، وخصوصًا الصناعي والزراعي، مشيرًا إلى أن هناك تحسنًا واضحًا في إيرادات قطاع السياحة وقناة السويس في عام 2022-2023.
وأوضح خضر، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، أن إيرادات قطاع السياحة بلغت 13.6 مليار دولار، بزيادة قدرها 2.9 مليار دولار عن العام الماضي، كما بلغت عوائد قناة السويس 8.7 مليارات دولار، بزيادة قدرها 1.8 مليار دولار عن العام الماضي، وهي أمور مبشرة بشأن خروج الاقتصاد المصري من عثراته سريعًا.
وشدد خضر على أهمية ضخ الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاعات الصناعة والزراعة لتحقيق قيمة مضافة عالية، تغير من هيكل الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك تقليص عجز ميزان المدفوعات.
ولفت إلى أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر لم تحقق المرجو منها، إذ أن ما يزيد على 50% من التدفقات الصافية لهذه الاستثمارات يأتي من قطاع النفط بـ5.7 مليارات دولار، بالإضافة لـ 1.2 مليار دولار من جانب الخصخصة، ونحو 553 مليون دولار من شراء عقارات لأجانب غير مقيمين.
وأشار "خضر" إلى أن من بين العوائق التي تقف في طريق الاقتصاد المصري، عمل المستثمرين الأجانب على تحويل أرباحهم للخارج بمعدلات كبيرة، في الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمة خانقة في النقد الأجنبي، مشددًا على ضرورة توقف هذا الأمر للاستفادة من هذه الأرباح في استثمارات داخلية، مبينًا أن أرباح الأجانب بلغت 19.4 مليار دولار، بعد أن كانت 16.7 مليار دولار العام الماضي.
ووصف الفترة الحالية بالحرجة للغاية بالنسبة للاقتصادات العالمية عمومًا، والاقتصاد المصري بصفة خاصة، مشيرًا إلى أثر هروب الأموال الساخنة خلال الفترات الأخيرة في ظِل رفع الفيدرالي الأميركي الفائدة.
وحول مطالب صندوق النقد بتعويم جديد للجنيه، رأى الخبير الاقتصادي أن سعر الصرف ليس العامل الحاسم في حل مشكلة الاقتصاد المصري، معتبرًا أن المشكلة تكمن بالأساس في المتاح من الدولارات داخل البلاد.
لكنه عاد ليؤكد أن الاقتصاد المصري سيظل قادرًا على تخطي الأزمة الراهنة بآفاق واعدة، مشددًا على أن المؤسسات الدولية ما زالت تثق في الاقتصاد المصري، وهو ما يشكل رسالة طمأنة ودعم كبيرة.
من جانبه، أشار الدكتور مدحت نافع الخبير الاقتصادي، إلى أن أسباب الانكماش متعددة، وأهمها "ندرة الوقود بتراجع إنتاج الغاز 9.5% في النصف الأول من العام، وندرة الدولار المطلوب لتوفير مدخلات ومقومات الإنتاج المحلي، وحتى لتوفير الواردات تامة الصنع التي تساهم في حفز النمو المدعم بالاستهلاك".
وأوضح، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، أن ارتفاع أسعار الفائدة بصفة متكررة غير كافٍ لكبح التضخم، معتبرًا أنها إحدى روافد التباطؤ الاقتصادي.
فيما رأت الدكتورة عالية المهدي الخبيرة الاقتصادية، أن حدوث الانكماش خلال الربع الأول للعام المالي أمر طبيعي، كونه صادف فترة الحد من الواردات، وهو ما ترتب عليه تقليل المصانع والمزارع لإنتاجها.
وأوضحت لـ"إرم الاقتصادية" أن استمرار الانكماش من عدمه يعتمد على طبيعة السياسات التي تتبناها الدولة، مضيفة: "هذه مرحلة ضبابية غير واضحة المعالم حتى نستطيع الوقوف على المستقبل".