السعودية تتجه صوب أفريقيا.. المعادن والطاقة بالصدارة
قال خبراء اقتصاديون إن أفريقيا قارة مليئة بالمعادن النفيسة والنادرة وتعد بيئة خصبة للفرص الواعدة والاستثمارات المربحة، لافتين إلى أن قرار المملكة العربية السعودية بتخصيص 41 مليار دولار للاستثمار والتنمية والتمويل في القارة السمراء، يندرج ضمن استراتيجيتها لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، وتوظيف الفوائض المالية من أجل بناء صناعات متطورة، فضلا عن اقتناص فرص الاستثمار الناجحة عبر العالم، بما يرسخ مكانة المملكة إقليميا ودوليا.
وأشار الخبراء إلى أن السعودية ستحقق استفادة قصوى من الاستثمارات في مجالات التعدين داخل القارة الأفريقية، ما يضمن توسيع حجم التجارة البينية للطرفين.
كما تريد المملكة، بحسب هؤلاء الخبراء، ترسيخ وجودها الاقتصادي في القارة السمراء عن طريق ضخ استثمارات وتمويلات ودعم مشروعات إنمائية، خلال السنوات المقبلة.
وتنقسم الـ41 مليار دولار التي خصصتها السعودية للقارة السمراء، إلى مليار دولار لتدشين مشروعات وبرامج إنمائية في دول القارة، على مدى 10 سنوات، من خلال تدشين مبادرة "خادم الحرمين الشريفين الإنمائية في أفريقيا"، و25 مليار دولار في صورة استثمارات جديدة في مختلف القطاعات، بالإضافة إلى تأمين وتمويل 10 مليارات دولار من الصادرات، وتقديم 5 مليارات دولار تمويلا تنمويا إضافيا للدول الأفريقية حتى 2030.
وقال ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، خلال افتتاحه للقمة السعودية الأفريقية التي عقدت قبل أيام في الرياض بمشاركة قادة وممثلي 54 دولة أفريقية، إن المملكة تسعى من خلال هذه الاستثمارات إلى تطوير علاقات الشراكة مع الدول الأفريقية وتنمية مجالات التجارة والتكامل.
المبادرة السعودية تجاه أفريقيا لم تأت من فراغ، إذ تستند على تاريخ طويل من الدعم التنموي والإنساني السعودي لدول أفريقيا، حيث قدمت المملكة أكثر من 45 مليار دولار لدعم المشروعات التنموية والإنسانية في 54 دولة أفريقية، كما قدم مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، أكثر من 450 مليون دولار لـ 46 دولة أفريقية، ما يعكس عمق العلاقات السعودية الأفريقية.
أول رد فعل
وفي أول رد فعل على تلك المبادرة، توقعت نيجيريا استقبال تدفقات استثمارية فورية بمليارات الدولارات من السعودية، بعد أن وقعت اتفاقية مع المملكة لإنشاء مجلس أعمال يمكن أن يعزز الاستثمارات السعودية في العديد من القطاعات، بما في ذلك الزراعة والنفط والغاز والاتصال والتقنية.
وبحسب أتيكو أبوبكر باجودو، وزير الميزانية والتخطيط الاقتصادي النيجيري، فقد اتفق البلدان على تفعيل مجلس الأعمال النيجيري السعودي الذي اقترحه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عام 2019، خلال فترة حكم رئيس الحكومة السابق محمد بخاري.
وأبرمت نيجيريا والسعودية عدة اتفاقات للتعاون والاستثمار الأسبوع الماضي، أبرزها تعهد الحكومة السعودية بالاستثمار في تجديد مصافي النفط بنيجيريا، وتقديم الدعم المالي لتنفيذ إصلاحات الحكومة في مجال النقد الأجنبي.
سوق واعد
في هذا الصدد، يقول سليمان العساف، المحلل الاقتصادي السعودي، إن توجه المملكة إلى زيادة استثماراتها في القارة السمراء يضمن توسيع حجم التجارة البينية للطرفين، لأن أفريقيا سوق واعد جدا.
وأضاف العساف، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، أن أفريقيا أرض بكر للمعادن النفيسة والنادرة، فهي تحتوي على النحاس والذهب والكوبالت واليورانيوم وغيرها من المعادن الحيوية، ولذلك فالسعودية ستحقق استفادة قصوى من الاستثمارات في مجالات التعدين، كما يمكن للقطاعين العام والخاص السعودي الدخول في شراكات استثمارية مع العديد من الكيانات الاقتصادية الأفريقية، بما يعزز علاقات التعاون.
وأوضح المحلل الاقتصادي أن الـ41 مليار دولار المعلنة من قبل ولي العهد السعودي هي مجرد بداية لاستثمارات واسعة مرتقبة تفوق هذه الأرقام بكثير جدا، متوقعا أن تكون التجربة مع القارة الأفريقية ناجحة للطرفين، من خلال ضخ المملكة للمزيد من الاستثمارات ودعم المستثمرين السعوديين الراغبين في اقتحام الأسواق الأفريقية.
وأشار العساف إلى أن حديث ولي العهد السعودي عن عزم السعودية زيادة عدد سفارات المملكة في الدول الأفريقية إلى أكثر من 40 سفارة يعد مؤشرا لجدية السعودية في تحقيق أكبر استفادة للطرفين، وإحياء العلاقات السعودية الأفريقية من جديد، لافتا إلى أن أفريقيا غنية أيضا بثروتها البشرية والتي لا تقل أهمية عن الثروات الطبيعية.
ويتنافس أقطاب العالم على الفوز بحصة من ثروات أفريقيا الطبيعية، كالصين التي ضخت 40 مليار دولار في الدول الأفريقية ضمن مبادرة الحزام والطريق التي أعلنتها في 2014، للاستفادة من لوجستيات القارة، ومعادنها النفيسة، فيما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن عزمها ضخ استثمارات بمليارات الدولارات في القارة السمراء خلال الفترة القادمة.
ووفقا لوزير الاستثمار السعودي المهندس خالد الفالح، يبلغ حجم الاستثمارات السعودية في القارة الأفريقية نحو 274 مليار ريال (73 مليار دولار)، مشيرا إلى أن هذا الرقم مرشح للتصاعد بقوة، خاصة في مجالات حيوية مثل التعدين، والزراعة والأمن الغذائي، والطاقة التقليدية والمتجددة، وغيرها، مع ما تشهده العلاقات السعودية مع دول أفريقيا من نمو وتطور.
صناعات تكنولوجية
من جانبه يقول الدكتور محمد بن عيد السريحي، عضو أمانة الاتحاد العربي للتنمية المستدامة والبيئة، إن المملكة في مرحلة تطوير العديد من الصناعات، وخاصة الصناعات العسكرية والتكنولوجية، وهذه الصناعات تحتاج الكثير من المواد الخام.
وأضاف السريحي، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، أن أفريقيا غنية بالمعادن والمواد الخام، وأن الاستثمارات السعودية في القارة الأفريقية ستكون مفيدة للطرفين، فالمملكة ستحصل على المعادن والمواد الخام وتحولها إلى صناعات عملاقة، بينما تساهم الاستثمارات السعودية الضخمة في زيادة الناتج المحلي الإجمالي لتلك البلاد، بما يساعد على رفع مستوى معيشة المواطنين.
وأوضح أن السعودية تتعمق داخل القارة بقوة، من أجل تأمين المواد الخام اللازمة لخططها الصناعية الطموحة، فضلا عن رغبتها في المساهمة بتنمية الشعوب الأفريقية، ومساعدتها على استخراج الثروات الكامنة في أراضيها، حيث لم تستفد المنطقة على مر التاريخ منها، بسبب سيطرة الشركات الأجنبية عليها منذ الاستعمار الأجنبي.
وبحسب هيئة الإحصاء السعودية، تصدرت مصر قائمة شركاء السعودية التجاريين في أفريقيا خلال 2022 بقيمة بلغت 20.4 مليار دولار، ثم جاءت جنوب أفريقيا في المركز الثاني بقيمة 5.5 مليار دولار، والمغرب في المركز الثالث بـ 4.4 مليار دولار.
وفي المركز الرابع جاءت جيبوتي بقيمة 2.4 مليار دولار، ثم كينيا بـ 1.7 مليار دولار، وتوجو بـ 1.6 مليار دولار، تليها تنزانيا بـ 1.4 مليار دولار، والسودان بـ 1.2 مليار دولار، وموزبيق بمليار دولار، والكونغو الديمقراطية بـ 900 مليون دولار، وأخيرا الجزائر بقيمة 800 مليون دولار.