حين أعلنت شركة والت ديزني، في السابع من مايو 2025، عن خطتها لإنشاء متنزه ومنتجع ترفيهي جديد في أبوظبي، بدا واضحاً أننا أمام لحظة فارقة لا تخص ديزني وحدها، بل تُعيد رسم ملامح خريطة الاستثمار والسياحة في المنطقة ككل.
إن استضافة أبوظبي لمدينة ديزني لاند – لتكون سابع وجهة عالمية بعد كاليفورنيا وفلوريدا وطوكيو وباريس وهونغ كونغ وشنغهاي – لا تعني مجرد إضافة مشروع ترفيهي جديد إلى جزيرة ياس، بقدر ما تجسد رؤية أعمق لدور السياحة الترفيهية كرافعة اقتصادية ومحرك فعلي للتنويع بعيداً عن النفط.
لعل ما يلفت الانتباه في هذا المشروع الضخم أنه لا ينفصل عن الأرقام الطموحة التي أعلنتها الإمارات لسياحتها: رفع عدد الزوار الدوليين إلى أكثر من 7 ملايين بحلول 2030، وتحقيق عائدات تفوق 450 مليار درهم خلال العقد المقبل. ولأن الأرقام وحدها لا تتحقق بالتمنّي، كان لا بد من رهان ذكي على أسماء تملك ثقة الجمهور حول العالم، وديزني مثال حيّ على ذلك.
الأذكى من اختيار الشريك، هو اختيار التوقيت والآلية. فالاتفاق مع ديزني يقوم على ترخيص الملكية الفكرية وليس شراءها، ما يعني أن الإمارات، من خلال شركة ميرال المطور الرائد للمشاريع الغامرة، تتحمّل العبء الرأسمالي – الذي قد يتجاوز 10 مليارات دولار – بينما تحافظ ديزني على مكانتها كعلامة إبداعية وتشغيلية، وتقتسم العوائد بأقل قدر من المخاطرة.
إنه نموذج استثمار ذكي يحقق معادلة «منخفض المخاطر – عالي العوائد» للطرفين، ويعكس استعداد الإمارات لتحويل الترفيه من إنفاق استهلاكي إلى استثمار طويل الأمد يُنعش الاقتصاد ويخلق عشرات آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة.
ما يجعل ديزني لاند أبوظبي مختلفة ليس موقعها فقط، بل البيئة المحيطة. فجزيرة ياس ليست مجرد أرض فضاء بُني عليها مشروع، بل هي وجهة نابضة تضم بالفعل عالم فيراري، وارنر براذرز، سي وورلد، حلبة الفورمولا 1، وغيرها من أيقونات الجذب. وجود ديزني هنا يضيف بُعداً تفاعلياً متكاملاً يجعل الجزيرة بحق مركزاً عالمياً للترفيه العائلي، ويخلق بنية تحتية متطورة تستفيد منها قطاعات أخرى.
الأثر لا يتوقف عند التذاكر والفنادق والمطاعم، بل يمتد ليشمل العقارات. تشير التوقعات إلى أن أسعار العقارات في جزيرة ياس قد ترتفع بنسبة تصل إلى 50% خلال خمس سنوات بعد الافتتاح، مستندة إلى تجارب سابقة مثل ديزني لاند شنغهاي التي ضاعفت قيمة الأراضي المحيطة بها بشكل غير مسبوق.
في النهاية، نحن أمام مشروع ليس تجارياً فحسب، بل هو رسالة سياسية واقتصادية معاً: الإمارات لا تكتفي بجذب السياح لأيام قليلة، بل تستثمر في الوجهات التي تُبقيها على خريطة العالم لسنوات مقبلة، وتثبت أن الترفيه بات جزءاً لا يتجزأ من قوة الدول الناعمة.
ولعل من الإنصاف القول إن ديزني لاند أبوظبي قد تكون أكثر من متنزه ترفيهي. إنها خطوة جديدة تؤكد أن الرهان على الابتكار والشراكات الذكية هو الطريق الأصدق لتحويل الأحلام إلى أصول حقيقية تعزز مكانة الدولة في المنطقة والعالم.