دعوة لإصلاحات هيكلية.. شيخوخة السكان تهدد الاقتصاد الألماني
يتوقع الاقتصاديون الخمسة المسؤولون عن تقديم المشورة للحكومة الألمانية نمواً لإجمالي الناتج المحلي في عام 2024 نسبته 0.7% فقط، ويعتقدون أن التركيبة السكانية الألمانية قد تحكم على البلاد باستمرار تباطؤ النمو ويدعون الحكومة إلى إصلاحات هيكلية.
والرسالة التي نقلها أعضاء مجلس الحكماء يوم الأربعاء الماضي في تقريرهم السنوي تنذر بآفاق غير مريحة.
فتوقعت هذه المجموعة من الخبراء الاقتصاديين الألمان المسؤولين عن تقديم المشورة للحكومة، نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تصل بالكاد إلى 0.7% في عام 2024، عوضا عن توقعات سابقة للحكومة عند 1.3% في بداية أكتوبر.
والأكثر من ذلك، يعتقد الخبراء الخمسة أن الوضع الاقتصادي لن يتحسن إلا ببطء في ألمانيا، بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، وبطء استهلاك الأسر وضعف الصادرات.
وفي المقابل، تتوقع المؤسسة، مثل التحالف الحكومي، تحسناً واضحاً في مكافحة التضخم، مع توقع ارتفاع الأسعار بنسبة 2.6% عام 2024، مقابل 6.1% هذا العام.
نمو منخفض
والمشكلة الرئيسية التي تزعج مجلس الحكماء هي الآفاق السيئة للاقتصاد الألماني على المدى البعيد. وإذا حققت البلاد معدل نمو متوسط قدره 1.4% بين عامي 2000 و2019، فقد تنخفض الوتيرة إلى أقل من 1% لمدة خمس سنوات، وفقاً للخبراء، لا بل وتتجه نحو 0.4% في عام 2028.
وبالنسبة للاقتصاديين، فإن إمكانات نمو الاقتصاد الألماني محكوم عليها بالتراجع بسبب عدم إجراء الإصلاحات الضرورية، ولأن التطور الديموغرافي للبلاد سيقلل بشكل هيكلي من عدد ساعات العمل.
قلة العاملين في 2040
ويصر الخبراء الخمسة على أن التركيبة العمرية في ألمانيا سوف تتغير بسرعة أكبر في السنوات الخمس عشرة المقبلة مقارنة بجميع الدول الأخرى في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وفي عام 2022، كان هناك شخص واحد يزيد عمره عن 65 عاماً لكل ثلاثة عمال تتراوح أعمارهم بين 20 و64 عاماً. وبحلول عام 2040، ستكون النسبة واحداً إلى اثنين فقط.
وخلال السنوات الخمس عشرة الماضية، عوّضت زيادة سن التقاعد وزيادة عمل المرأة، عن شيخوخة السكان. لكن خبراء الاقتصاد يعتقدون أنه مع تقاعد جيل طفرة المواليد، لن تكون هذه الأسباب كافية، حتى لو تم اللجوء إلى المهاجرين.
تدابير جوهرية
وهناك حاجة إلى عوامل وأساليب أخرى. وفي تقريره الطويل والمكون من 423 صفحة، طرح مجلس الحكماء ثلاث تدابية جوهرية لتغيير الوضع.
الأول سهل الفهم ولكن يصعب تنفيذه. وهو يتألف من محاولة استبدال ساعات العمل الضائعة بمكاسب إنتاجية، وذلك بفضل زيادة الأتمتة ورقمنة الاقتصاد والاستخدام المكثف للذكاء الاصطناعي.
ولكن لتحقيق هذا الهدف، هناك مبادرة ثانية تتمثّل بأنه يتعين على أوروبا أن تعمل على إصلاح سوق رأس مالها كي تتمكن الشركات من الاستثمار بسهولة أكبر.
وبالمقارنة مع الولايات المتحدة، لا يزال سوق رأس المال مجزأ للغاية في القارة العجوز.
فهي تفتقر إلى العمق والسيولة، وهذا ما يعيق تطوير الشركات.
ويتيح إنشاء سوق متكاملة تنويع أدوات التمويل وتقليل اعتماد الشركات على البنوك المحلية.
وكل ذلك من أجل الحد من تأثير الإفلاس على الاقتصاد الحقيقي.
وكانت الحكومتان الفرنسية والألمانية تعملان بقوة منذ أكثر من عام من أجل إنشاء سوق رأس مال أوروبية حقيقية.
لكن الأمور تسير ببطء. والفكرة الثالثة، وهي أكثر كلاسيكية ولكنها أكثر جذرية، تتمثل في زيادة حجم ساعات العمل، وذلك بفضل زيادة النشاط المهني للنساء، واللجوء إلى الهجرة وزيادة سن التقاعد.
وفي ألمانيا، من المخطط بالفعل زيادته من 65 إلى 67 سنة بحلول عام 2031.
وزيادة سنة إضافية من العمر، ستؤدي إلى ثمانية أشهر إضافية من العمل. ومع التطورات الحالية، سيتم زيادة السن القانوني للمغادرة بمقدار ستة أشهر كل عشر سنوات.
لكن ماذا سيكون تأثير كل هذه التوصيات؟ منذ حوالي عشرين عاماً، كان لأفكار مجلس الحكماء تأثير قوي، وقد لعب دوراً في تنفيذ إصلاحات أجندة 2010، عندما كان جيرهارد شرودر رئيسا.
ثم تراجع تأثير المجلس وخصوصا منذ الولاية الثانية لأنجيلا ميركل التي اتسمت بالازدهار والقليل من الإصلاحات الهيكلية.