خاص
خاصمواطن أمام أحد محال الصرافة- رويترز

تركيا ومصر ولبنان في مواجهة الدولار

على وقع الأزمات الاقتصادية التي تعانيها الكثير من الدول العربية، شهدت الساعات الماضية مُفاجأة ألقت بظلالها على الأسواق المصرية، بعد الهبوط التاريخي لسعر الدولار في السوق السوداء، إذ وصل هذا الهبوط إلى مستويات قياسية، لامست ال 70 جنيهًا مصريًّا للدولار الواحد.

وفي الوقت ذاته، أصبح السيناريو المصري حلمًا لبعض الدول العربية، أبرزها لبنان الذي يُعاني ارتفاع مُعدلات التضخم واستقرار لليرة اللبنانية حالياً ، في السوق الموازية ، عند 89 ألف ليرة للدولار الواحد .

ولم يختلف الوضع كثيرًا لليرة التركية، التي ما زالت تشهد هبوطًا لمستوى جديد مقابل الدولار، ووصولها إلى مستوى 33 ليرة مقابل العملة الأميركية.

وطرح الوضع المُفاجئ لهذه العملات في الأسواق المحلية، تساؤلات عدة، أبرزها تداعيات تراجُع الجنيه المصري ومدى صموده أمام الدولار في الأسواق الموازية، وتداعيات استمرار الهبوط للعملة التركية والاستقرار المؤقت للعملة اللبنانية على أداء الاقتصاد المحلي.

الضغط على السوق السوداء

أجمع خُبراء الاقتصاد في مصر وتركيا ولبنان على أن "هناك العديد من العوامل الاقتصادية التي تؤثر سلبًا على أداء العملة المحلية وتضغط عليه في السوق السوداء، وأبرزها ارتفاع معدلات التضخم بسبب الديون الخارجية، وتراجع العمليات الإنتاجية، وتزايد معدلات الاستيراد".

ويقول الباحث الاقتصادي وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع، الدكتور فرج عبد الله، إن "تراجع الدولار في الأسواق الموازية في مصر، جاء بضربات استباقية من الحكومة، وتمثّلت في جذب العديد من الاستثمارات الأجنبية الناجحة، بالإضافة إلى إجراءات اتخذها البنك المركزي لحماية العملة المحلية".

وقالت الحكومة المصرية مرارًا إن "سعر الدولار في السوق السوداء مبالغ فيه بسبب التربح"، وإنها "تحاول خفض السعر الموازي قبل توحيده مع سعر الصرف الرسمي".

وعن السيناريوهات المتوقعة للدولار في الأسواق الموازية، قال الدكتور فرج عبد الله، في تصريحات لـ"إرم الاقتصادية"، إن "الجنيه قادر على الصمود بشكل أكبر أمام الدولار، بعدما تراجعت العملة الأجنبية بشكل ملحوظ نتيجة استمرار الضربات الأمنية التي وجّهت ضد تُجار العملة، وهو ما أثّر على تراجع الطلب على الدولار في السوق السوداء، ودفع المضاربين إلى تهدئة الأسعار".

وأشار إلى أن "ضخ الحكومة للعملة الأجنبية في البنوك المصرية، يسهم بشكل كبير في استقرار سعر الدولار، بالإضافة إلى أنه من المتوقع أن يترك البنك المركزي خلال الأيام المقبلة سعر الدولار للعرض والطلب".

وهناك عامل آخر وراء هذا الهبوط، يتمثّل في بيان صادر عن صندوق النقد الدولي، الذي تجري مصر معه محادثات للحصول على تمويل آخر بقيمة 3 مليارات دولار، بأن وفدها حقق "تقدمًا ممتازًا في المناقشات حول حزمة السياسات الشاملة".

بالإضافة إلى ذلك، تلقت مصر دفعة من التصريحات الإيجابية بشأن التزام أوروبا بتقديم المزيد من الدعم المالي والاقتصادي، إلى جانب مشروع استثماري إماراتي مرتقب في منطقة رأس الحكمة بالساحل الشمالي، بقيمة 22 مليار دولار.

سياسات غير مدروسة

ومن ناحية أخرى، قال الخبير الاقتصادي اللبناني، الدكتور بيار الخوري، إن "العملة اللبنانية تُعاني حاليًّا أشدّ الأزمات نتيحة للسياسات المالية والنقدية غير المدروسة، والتي تسببت في انخفاض قيمتها بما يزيد على 100% قبل الأزمة التي بدأت عام 2019".

وعن السيناريوهات المتوقعة، اعتبر، في تصريحات لـ"إرم الاقتصادية"، أن "مصرف لبنان المركزي نجح خلال شهر يناير الماضي في تلبية احتياجات القطاع المالي، عبر ضخ زيادات متتالية في احتياطيات العملات الصعبة التي تُقدر بـ800 مليون دولار والتي تسببت في الحفاظ على الاستقرار النقدي لليرة، واحتفاظها بمستوى 89.5 ألف ليرة مقابل الدولار".

وتوقع أن تُؤتي السياسة الجديدة التي يتبعها حاليًّا مصرف لبنان المركزي، ثمارها خلال الأشهر المقبلة، رغم الأداء الضعيف للقطاعات الاقتصادية، خاصة قطاع السياحة الذي بات ينحصر في بيروت فقط".

وبحسب البنك الدولي، يعتبر الوضع في لبنان من "أشد الأزمات العالمية منذ منتصف القرن التاسع عشر"، وقد نشأ هذا نتيجة لثلاثة عقود من السياسات المالية والنقدية غير الحكيمة، الأمر الذي أدّى إلى انخفاض قيمة العملة بما يزيد على 95% من قيمتها قبل هذا الانكماش.

وللمرة الأولى في تاريخ لبنان، عجزت البلاد عن سداد ديونها في مارس 2020، وأعقب ذلك الانفجار المدمر الذي وقع في بيروت 4 أغسطس 2020، مما أدى إلى دخول البلاد في ضائقة اجتماعية واقتصادية.

خفض التضخم

وبشأن الوضع التركي، قال المحلل الاقتصادي، غزوان المصري، إن "الحكومة الحالية تنتهج سياسية تشددية في محاولة للحفاظ على الليرة التي فقدت نحو 80% من قيمتها، بالإضافة إلى خفض التضخم الذي سجل أكبر قفزة له في شهر يناير بنسبة 6.7%، وفقًا لآخر إحصائية للبنك المركزي".

وأشار المحلل التركي، في تصريحات لـ"إرم الاقتصادية"، إلى أن "انخفاض سعر صرف الليرة مقابل الدولار ليس بالجديد على الاقتصاد المحلي، وإنما يرجع إلى عام 2010، إثر تراجع معدلات الإنتاج المحلي في ظل المنافسة التصديرية للمنتجات الآسيوية".

واعتبر أن "الحل الوحيد هو تحقيق التوازن بين سياسة التصدير والاستيراد، والسياسة النقدية التي تتبعها الحكومة، بالإضافة إلى عدم التسرع في رفع أسعار الفائدة أو خفضها من جديد".

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com