logo
اقتصاد

سندات الاستدامة.. البرازيل تحمي البيئة بمشاريع خضراء

سندات الاستدامة.. البرازيل تحمي البيئة بمشاريع خضراء
تاريخ النشر:18 نوفمبر 2023, 04:23 م
تسعى البرازيل إلى إزالة ما علق بصورتها البيئية من شوائب، بعد سنوات شهدت إهمالا للملف البيئي، وإزالة مساحات واسعة من غابات الأمازون التي تشكل رئة العالم، ويقع 60% منها داخل حدود البلاد، لذا يكثف الرئيس الحالي لولا دا سيلفا جهوده من أجل ترسيخ مكانة بلاده كمدافع صلب عن البيئة، فضلا عن كونها قوة اقتصادية ناشئة.

وتعهد الرئيس لولا دا سيلفا عقب توليه مهام عمله في أكتوبر من عام 2022 الماضي، باستعادة البرازيل لمكانتها بوصفها رائدة في جهود مكافحة تغير المناخ عالميًا، وهو يضع على سلم أولوياته القضايا البيئية لما لها من أثر اقتصادي واجتماعي عميق على البلاد، وهو ما مهد الطريق لتصدر البرازيل أول سندات استدامة بقيمة ملياري دولار لدعم الأجندة البيئية والاجتماعية التي يتبناها دا سيلفا.

وسندات الاستدامة هي أحد أنواع السندات المخصصة لتمويل أهداف التنمية المستدامة فقط، وتستخدم حصيلتها في تمويل المشروعات الخضراء، ومشروعات التنمية الاجتماعية التي تهدف إلى تحقيق الاستدامة من خلال الأهداف التنموية المراعية للأبعاد البيئية والاجتماعية.

مؤهلات ضخمة

وتتمتع البرازيل مع ناتج محلي إجمالي يبلغ 1.6 تريليون دولار، بمؤهلات اقتصادية وتنموية ضخمة، حيث تقود قارة أمريكا اللاتينية نحو التعافي الاقتصادية، وقد انصبت محاولات لولا دا سيلفا الإصلاحية على تبني سياسات السوق الحر مع تحفيز النمو، وإيلاء القضايا البيئية والاجتماعية أولوية متقدمة.

وقد حث البنك الدولي البرازيل على استخدام قدراتها الكامنة في الحد من انبعاث الغازات الدفيئة كسبيل يؤدي إلى النمو المستدام، حيث تمثل البرازيل بيئة متنوعة ضخمة، مع تنوع بيولوجي هائل بصفتها موطنا لغابات الأمازون. وحققت البرازيل بالفعل تقدما في التعامل مع العديد من القضايا التنموية، خاصة الحد من إزالة الغابات، وتفعيل حلول مبتكرة تؤدي إلى الاستدامة والنمو.

من جانبه، أشار المعهد الوطني البرازيلي لأبحاث الفضاء في تقرير أصدره قبل شهرين إلى أن عملية إزالة الغابات في منطقة الأمازون قد شهدت تباطؤا في البرازيل للمرة الأولى منذ 4 سنوات.

وذكر المعهد أنه خلال الفترة من أغسطس 2022 وحتى يوليو من العام الجاري فُقدت منطقة تبلغ مساحتها حوالي 9 آلاف كيلومتر مربع من الغابات، وهي نفس مساحة جزيرة قبرص تقريبا، إلا أن ذلك يعد خبرا جيدا لأن معدل تعرية الغابات انخفض بنسبة 22.1% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، حيث تم فقد مساحة تبلغ حوالي 11600 كيلومتر مربع تقريبا من الغابات.

سندات الاستدامة

ويقول مايكل براش، خبير أسواق المال والسندات، إن سندات الاستدامة فرصة جذابة لمستثمري أدوات الدخل الثابت، حيث توضح الجهات المصدرة لهذا النوع من السندات وثائق اعتمادها الخاصة بالاستدامة، من خلال أهداف وأطر واضحة للتصدي للتغير المناخي ومخاطر الاحتباس الحراري.

ولفت براشن في تصريحات لـ"إرم الاقتصادية" إلى أن البرازيل كدولة نامية ليست مجرد دولة تسير وراء الاتجاهات السائدة، بل إنها تقود عملية الابتكار، مشيرا إلى أن سندات الاستدامة البرازيلية سيكون لها تأثير هائل ليس فقط في مساهمتها في مكافحة التغير المناخي وتقليل الاحتباس الحراري، بل أيضا في تشجيع دول أخرى على تعبئة رأس المال الخاص لتحقيق الأولويات البيئية.

وتمتلك البرازيل مصادر هائلة للطاقة المتجددة، ويأتي أكثر من 80% من الكهرباء المولدة في البلاد من مصادر نظيفة، مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يتراوح بين 15 و27%.

عوائد سندات الاستدامة

سندات الاستدامة التي طرحتها البرازيل، أكبر اقتصاد في دول أميركا اللاتينية، ذات عائد نسبته 6.8%، ويُستحق بحلول عام 2031، وتقول الحكومة البرازيلية إن جزءا من عوائد هذه السندات سيستخدم لتمويل مشروعات بيئية واجتماعية.

وكانت البرازيل تعتزم طرح أول سندات استدامة مطلع أكتوبر الماضي، إلا أن ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية أدى إلى العزوف عن اتخاذ هذه الخطوة نظرا لارتفاع تكلفة الاستدانة، بينما يتناسب الوقت الحالي مع تعهدات الرئيس البرازيلي بخفض الانبعاثات الكربونية المسببة للتغير المناخي والاحتباس الحراري.

ووفق تقرير للبنك الدولي، فإن حجم سوق سندات الاستدامة حول العالم بلغ 2.5 تريليون دولار حتى يناير الماضي وكان نصيب حكومات بلدان الأسواق النامية منها حوالي 74 مليار دولار، ما يمثل نحو 2% من إجمالي سندات الاستدامة في العالم.

قلق التغير المناخي

وجرى إصدار أول سندات استدامة في العالم عام 2008 استجابة للقلق المتزايد بشأن التغير المناخي، حيث قامت مجموعة من صناديق المعاشات التقاعدية السويدية بالتواصل مع البنك الدولي للبحث عن منتج دخل ثابت يتسم بالسيولة وقابلية التداول ومن شأنه أن يساند عملية إنقاذ المناخ وهو ما مهد لإصدار لأول سند استدامة يصدره البنك الدولي.

وأصبحت العمليات التي يستخدمها البنك الدولي لإصدار أكثر من 200 نوع من سندات الاستدامة بـ 25 عملة مختلفة من أفضل الممارسات الدولية حاليا وتم اعتمادها من الأسواق المالية.

خزان الكربون

وتعد غابات الأمازون المطيرة، خزان لثاني أكسيد الكربون، والحفاظ عليها هام جدا لما تمثله كرئة للأرض، وتملك البرازيل جزءا كبيرا من منطقة الأمازون، التي تعادل مساحتها، مساحة غرب أوروبا بأكملها.

ووفقًا للمرصد البرازيلي للمناخ، فقد أطلقت البرازيل حوالي 2.17 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون خلال عام 2019، وتسببت إزالة الغابات وحدها في انبعاث 968 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يمثل 44% من الإجمالي.

في حين أصدرت الزراعة نحو 598.7 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون بنسبة 28%، وقطاع الطاقة 413.6 مليون طن من الكربون بنسبة 19%، والصناعة 99 مليون طن مكافئ ثاني أكسيد الكربون بنسبة 5%، والنفايات 96 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون بنسبة 4%.

توازن التنمية والبيئة

وحذر تقرير للبنك الدولي، صدر في مايو الماضي، من مخاطر تغير المناخ في البرازيل، قائلًا إنه يضر بالبلاد وأميركا الجنوبية والعالم أجمع، لافتا في الوقت ذاته إلى أن البرازيل يمكن أن تصبح في موقع ريادي عالميًا في مجال الطاقة النظيفة ومكافحة تهديد تغير المناخ وإنقاذ غابات الأمازون.

ودعا البنك إلى وضع خطة تنمية توازن على نحو أفضل بين احتياجات الزراعة والحفاظ على الغابات، وبين هدفي نمو الاقتصاد وحماية البيئة ومكافحة تغير المناخ في البرازيل، وترتكز على زراعة المزيد من الحاصلات الزراعية على مساحات أقل، من أجل تلبية الاحتياجات الزراعية، وتوفير حماية أفضل للغابات، وإقامة استثمارات زراعية لتعزيز الإنتاجية بصورة أكثر مرونة واستدامة.

وقدّر البنك إجمالي التكاليف الاقتصادية للحياد الكربوني في البرازيل بنحو 0.5% فقط من إجمالي الناتج المحلي، مشيرًا إلى أنه سيجلب منافع محلية وعالمية هائلة تتمثّل في تجنب آثار تغير المناخ المدمر ومكاسب اقتصادية وغير اقتصادية ستتحقق نتيجة الحفاظ على التنوع البيئي والمنظومة البيئية في غابات الأمازون.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة ©️ 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC