خاص
خاص

التكيّف مع تغيّر المناخ.. فاتورة باهظة تبحث عن تمويل

يواجه العالم تهديدا حقيقيا تتخطى آثاره الحروب المشتعلة في أركانه، ألا وهو التغير المناخي الذي يتوقع أن تصل فاتورته الاقتصادية إلى نحو 300 مليار دولار سنويا بحلول عام 2030، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، التي حذرت من أن هذه المشكلة سيعاني من تداعياتها الاقتصادية السلبية جميع البشر.

ورغم خطورة الأمر التي بدأت تتضح جلية من ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة وموجات الجفاف المستمرة وذوبان الجليد بشكل غير معهود في القطبين الشمالي والجنوبي، إلا أن الأمم المتحدة أعلنت في تقرير أصدرته مؤخرا أن العالم تخاذل في تمويل مشروعات تساعد المجتمعات الفقيرة على التكيف مع التغيرات المناخية، موضحا أن الفجوة بين الاحتياجات والتمويل المتوفر تتراوح بين 195 مليار دولار و370 مليار دولار.

وحذرت الأمم المتحدة، من خلال تقرير أصدره برنامجها للبيئة، من ضآلة التمويل العالمي المتاح لبرنامج حماية المجتمعات من آثار التغيرات البيئية الناتجة عن تغير المناخ، لافتة إلى أنه منذ عام 2010 اتفقت الدول الصناعية الكبرى على تخصيص 110 مليارات دولار لمكافحة الآثار الناتجة عن التغيرات المناخية والتكيف معها، إلا أن هذه الدول قدمت 84 مليار دولار فقط ذهب منها 9% فقط للدول ذات الدخل المنخفض.

وتعاني هذه البلدان بالفعل من وطأة التغيرات المناخية لكون ميزانياتها لا تتحمل تخصيص أي أموال لمعالجة الآثار المترتبة على تغير المناخ، فضلا عن أن التغيرات المناخية تزيد من عبء الديون الملقاة على عاتق هذه الدول لأنها تضطر لاستيراد حاجاتها الغذائية من الخارج بالعملة الصعبة، في ظل موجات الجفاف التي تضرب أجزاء واسعة من العالم.

ولفتت الأمم المتحدة إلى أنه مع هذا التمويل الضئيل فإن المجتمعات ستواجه معاناة حتمية من التغير المناخي وسوء الأحوال الجوية الناتجة عن انبعاثات الغازات الدفيئة.

التداعيات الاقتصادية

من جانبه، يقول كييفي هاريسون، مسؤول ملف البيئة والتغيرات المناخية بمؤسسة ماركت ووتش، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، إن تمويل مشروعات التكيف مع التغيرات المناخية ليس رفاهية أو أمر يظنه البعض اختياري، فمع مرور الوقت يتضح للعالم الكارثة التي ندخل إلى دوامتها بشكل سريع وقد يكون الأمر خرج عن نطاق سيطرة البشر، لذلك يجب العمل الآن لوقت هذا النزيف الذي يهدد البشرية جمعاء.

وأوضح هاريسون أن هناك 80 مليون شخص يعانون من المجاعة حول العالم بسبب موجات الجفاف المتكررة وتضرر الزراعة بشكل مباشر من التغيرات المناخية، فضلا عن أنه من أجل التكيف الحالي مع التغيرات المناخية يجب إنفاق ما قيمته 21 مليار دولار سنويا من أجل الزراعة ونجدة هؤلاء الذين سقطوا في براثن المجاعة.

ولفت إلى أنه لا يخفى على أحد أن هناك مدنا بأكملها الآن مهددة بالغرق الكلي أو الجزئي بسبب ذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي المستمر دون توقف، موضحا أن حماية الشواطئ حول العالم يحتاج إلى نحو 16 مليار.

فجوة تمويلية

ووفق الأمم المتحدة فقد زادت الفجوة الحالية في تمويل المشروعات التي تهدف إلى حماية المجتمعات من التغيرات المناخية بنسبة 49% لتتراوح بين 195 و370 مليار دولار، فيما استقر عدد المشروعات الجديدة التي يمولها برنامج الأمم المتحدة للمناخ بين 310 و460 مشروعا سنويا خلال السنوات العشر الماضية وذلك بعد أن كان عدد المشروعات يشهد نموا منذ عام 2008.

وتعد هذه هي المرة الأولى التي ينسب فيها تقرير الأمم المتحدة الأضرار والخسائر الناتجة عن التغير المناخي إلى تراجع العالم عن تمويل برنامج تكيف المجتمعات وحمايتها من هذه الأضرار، حتى أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش طلب بشكل مباشر من الحكومات، فرض ضرائب جديدة على شركات الوقود الأحفوري وتوجيه عوائد هذه الضرائب للأفراد الذين يعانون فعليا من الأضرار الناجمة عن التغير المناخي.

الفقراء الأكثر تأثرا

وللمفارقة فإن الدول النامية تتأثر بعواقب التغيرات المناخية أكثر حتى من الدول المتقدمة المتسببة في هذا الأمر، لأن الدول المتقدمة لديها من المال ما تستطيع به تغطية النفقات الخاصة بحماية مجتمعها من الآثار الناجمة عن الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية، لكن الدول النامية ليس لديها الفوائض المالية التي تمكنها من ذلك، لذلك تسعى الدول النامية على مدى سنوات طويلة على حث الدول المتقدمة للجلوس على مائدة المفاوضات حول تمويل الخسائر المترتبة عن التغيرات المناخية.

من شأن زيادة تمويل التكيف من أجل الزراعة بقيمة 16 مليار دولار، أن تحول دون معاناة 78 مليون شخص من المجاعة أو الجوع، فيما توفّر الاستثمارات المقدرة بمليارات الدولارات في مجال الحماية من الفيضانات الساحلية نحو 14 مليار دولار، تمثل قيمة الأضرار التي تم تفاديها.

تعهدات مستقبلية

وكانت الدول المتقدمة قد أكدت اعتزامها خلال محادثات المناخ في غلاسكو عام 2021، زيادة تمويل نفقات التكيف مع التغيرات المناخية لتصل إلى 45 مليار دولار حتى عام 2026، وذلك جنبا إلى جنب مع مصادر تمويل أخرى، مثل تحويلات العاملين في الخارج إلى بلادهم النامية، والإنفاق المباشر من شركات القطاع الخاص كمساهمة منها في مكافحة الآثار الناجمة عن التغير المناخي على المجتمع وكمسؤولية أخلاقية تتحملها هذه الشركات.

كما طرح تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة مسارات جديدة لجمع الأموال إذا ما عجزت الحكومات الغنية عن الوفاء بالتزاماتها، بما في ذلك فرض الرسوم على الشحن والطيران، وتخفيف الديون، والضرائب، ومبادلة الديون.

ومن المثير للقلق أن معدلات الاحترار المناخي في منطقة الشرق الأوسط تزيد بمقدار الضعف عن المعدلات العالمية، وهو ما يضع المنطقة بأكملها في بؤرة التأثر بالتغيرات المناخية. كما طال الضرر الناجم عن التغيرات المناخية دول شمال إفريقيا التي تواجه حاليا أطول موجة جفاف في نحو 30 عاما.

وباتت الأمطار شحيحة في دول المغرب وتونس والجزائر الأمر الذي أثر على مستويات المياه خلف السدود وتضررت الزراعة الأمر الذي سيؤدي بهذه الدول إلى الاعتماد على استيراد احتياجاتها الغذائية في وقت تشهد فيه أسعار السلع الغذائية ارتفاعات قاسية بسبب موجة التضخم الحالية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية والتي أثرت بشكل مباشر على سلاسل إمداد الغذاء حول العالم.

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com