خاص
خاص

تمويل أرخص ومخاطر أقل.. مبادلة العملات تتحدى الدولار

بات العديد من البنوك المركزية حول العالم، يتجه نحو إبرام اتفاقيات ثنائية، لمبادلة العملات المحلية، بهدف تعزيز التبادل التجاري، بعيداً عن سيطرة وهيمنة الدولار الأميركي على النظام المالي العالمي، على غرار ما حدث مؤخرا بين السعودية والصين، وهو ما يمثل هدفا رئيسيا لمجموعة بريكس، التي تضم عددا من أبرز الاقتصادات الناشئة عالميا.

وساهم تصاعد النفوذ الاقتصادي للصين، وارتفاع سعر الدولار، مع صعود أسعار الفائدة الأميركية لمعدلات قياسية لترويض التضخم، في دفع العديد الاقتصادات الناشئة، إلى إبرام اتفاقيات مبادلة عملات محلية، كان معظمها مع الصين، التي تسيطر على حصة معتبرة من الواردات والصادرات العالمية، لتجنب تقلبات سعر الدولار، وإجراء معاملات أرخص وأقل تكلفة، فضلا عن تقليص هيمنة الدولار على الأسواق العالمية على المدى البعيد.

أحدث هذه الصفقات جرت الأسبوع الماضي، بعدما وقع البنكان المركزيان الصيني والسعودي، على اتفاقية مبادلة عملة محلية بقيمة تصل إلى 50 مليار يوان (6.93 مليار دولار)، أو 26 مليار ريال سعودي، حسبما ذكر البنكان في بيانين منفصلين، حيث تواصل الرياض تعميق التجارة مع بكين.

وقال البنك المركزي السعودي (ساما) في بيان، إن الاتفاقية التي وقعها مع بنك الشعب الصيني (PBOC) ستكون سارية لمدة ثلاث سنوات، ويمكن تمديدها بالاتفاق المتبادل.

مخاطر أقل

ويقول الباحث الاقتصادي عبدالرحمن الجبيري، إن اتفاقية المبادلة تعني أن مخاطر العملة تصبح أقل، بالنسبة لكلا البلدين لاستخدام عملة الدولة الأخرى، ونتيجة لذلك، فإن تكاليف التمويل باستخدام الريال واليوان ستكون أقل بالنسبة لكل من الصين والمملكة.

وأضاف الجبيري، في تصريحات لـ"إرم الاقتصادية"، أن الاتفاقية تتيح لكلا البلدين وصولاً أسهل إلى عملة الطرف الآخر، ما يعني أن الشركات السعودية، على سبيل المثال، ستكون أكثر قدرة على اختيار التمويل باليوان عوضا عن الدولار، عما كانت عليه الإجراءات قبل إبرام اتفاقية المبادلة، وهذا بدوره سيزيد الاستثمارات والتبادل التجاري بين الجانبين.

وأشار الجبيري إلى أن الاتفاق جاء نتيجة ارتفاع حجم التعاملات التجارية الكبيرة، بين المملكة التي تعد أكبر منتج للنفط الخام في العالم، والصين التي هي من أكبر عملاء النفط السعودي، حيث استوردت بكين ما قيمته حوالي 65 مليار دولار في العام الماضي، وفقا لبيانات الجمارك الصينية، وهو ما يمثل نحو 83% من إجمالي صادرات المملكة إلى العملاق الآسيوي.

وأضاف الباحث الاقتصادي السعودي أن اتفاقية مبادلة العملات مع الصين، تمثل خطوة في جهود تسعير معاملات المشتقات النفطية بعملتها الخاصة، وهو ما تفعله منذ عام 2018، كما تساعد الاتفاقية المملكة، على جذب المزيد من الاستثمارات لمشاريع رؤية 2030، الرامية لتنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد المفرط على النفط.

اتفاقية مبادلة العملات السعودية الصينية، تمثل خطوة في جهود تسعير معاملات المشتقات النفطية بعملتها الخاصة
عبدالرحمن الجبيري - باحث اقتصادي
الاتفاق الثلاثون

تعد اتفاقية مبادلة العملات بين السعودية والصين، الاتفاقية الثلاثين من نوعها التي يوقعها بنك الشعب الصيني خلال العقد الماضي، ومنها اتفاقيات مع بلدان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مثل الإمارات وقطر ومصر. ويعتقد أن بكين لديها أكبر شبكة في العالم من ترتيبات مبادلة العملات، مع ما لا يقل عن 40 دولة، لكنها نادرا ما تكشف عن الشروط الأوسع لترتيباتها.

وقد حث الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال زيارته إلى السعودية في ديسمبر الماضي، دول الخليج على استخدام اليوان في صفقات الطاقة، مضيفًا أن بكين تعمل على شراء النفط والغاز باستخدام اليوان.

ويعد هذا الاقتراح مهمًا بالنظر إلى أن الدولار الأميركي، كان تقليديًا العملة المفضلة لتجارة الطاقة العالمية، لكن الفترة الأخيرة، شهدت صعودا متزايدا في مشتريات الصين من النفط والغاز والسلع الأخرى الروسية باستخدام اليوان، حيث سارعت موسكو إلى ذلك لمكافحة آثار العقوبات الغربية على صادراتها من النفط والغاز.

من جانبها، رأت صحيفة "جلوبال تايمز"، أن اتفاق المبادلة بين بكين والرياض، سيشجع المزيد من الدول في الشرق الأوسط على تبني استخدام اليوان، كما يعزز العلاقات الثنائية بين البلدين.

وقال ويتسينج تشين، الأستاذ المشارك في جامعة سنغافورة الوطنية للصحيفة، إن "الصين تستخدم خطوط المبادلة بطريقة مختلفة تماما عن الولايات المتحدة، حيث تستخدمه كخط ائتماني، لذا فهو على أساس ثابت، بدلا من استخدامه لمرة واحدة خلال الأزمة المالية".

وبشكل عام، فقد حققت اتفاقيات مبادلة العملات نتائج إيجابية لليوان الصيني، ففي شهر مارس الماضي، تفوقت العملة الصينية على الدولار للمرة الأولى، لتصبح العملة الأكثر استخدامًا على نطاق واسع في المعاملات عبر الحدود في الصين.

وفي وقت سابق من الشهر الجاري، تجاوز اليوان العملة الأوروبية، اليورو، ليصبح ثاني أكبر عملة في تمويل التجارة العالمية، على الرغم من أنه لا يزال بعيداً عن تجاوز الدولار الأميركي.

اتفاق المبادلة بين بكين والرياض سيشجع المزيد من الدول في الشرق الأوسط على تبني استخدام اليوان
صحيفة غلوبال تايمز
تجنب العقوبات

يعد استخدام الصين المتزايد لليوان في تجارتها عبر العالم، جزءًا من استراتيجية حكومية لتقليل الاعتماد على الدولار وحماية البلاد من تهديد العقوبات الغربية، وقد اكتسبت هذه المساعي زخماً منذ دخول العقوبات واسعة النطاق ضد موسكو حيز التنفيذ، مما أدى إلى استبعاد روسيا فعلياً من أنظمة الدفع العالمية، وهو ما دفعها للبحث عن بدائل لإجراء تبادلاتها التجارية.

وتشمل اتفاقيات المبادلة، مجموعة البريكس، حيث وافقت القمة التي عقدت في الفترة من 22 إلى 24 أغسطس 2023 في جوهانسبرج على تعزيز الاستخدام المتسارع للعملات المحلية، في المدفوعات عبر الحدود بين دول المجموعة، التي من المقرر توسيعها لتشمل ستة أعضاء جدد بحلول يناير المقبل، من بينها مصر والسعودية والإمارات وإيران.

واعتمدت بريكس عدة خطوات لتسهيل التعامل بالعملات المحلية، مثل آلية التعاون بين بنوك دول المجموعة لتسهيل المدفوعات عبر الحدود بالعملات المحلية، ومنصة الدفع الرقمية في مجموعة البريكس (منصة الدفع الرقمية بالعملات المحلية)، هذا فضلا عن اتفاقيات استخدام العملات المحلية التي أبرمتها دول المجموعة بشكل ثنائي.

ولا تقتصر اتفاقيات مبادلة العملة على الصين، حيث تعد رابطة أمم جنوب شرق آسيا رائدة في تطوير نظام دفع متعدد الأطراف، عبر الحدود بالعملة المحلية، يشمل أكثر من بلدين، ومن المرجح أن يتم توسيع هذه الجهود في المستقبل حيث يمكن نشر التكنولوجيا اللازمة للقيام بذلك إلى البلدان الأخرى، التي ترغب في استخدام عملاتها في المعاملات الدولية.

وخلال الأشهر الماضية، وقعت كل من: الهند وروسيا، السعودية والصين، الإمارات والهند، مصر والإمارات، الصين والأرجنتين، اتفاقيات ثنائية لمبادلة للعملات المحلية، بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي بينهما بعيداً، عن تحكم الدولار، الذي تعاني بعض الدول من شح مواردها منه.

انخفاض طفيف

في هذا الصدد يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، الدكتور أحمد غنيم، إن الاستخدام المتزايد للعملات المحلية في التسويات عبر الحدود، لم يٌحدث حتى الآن سوى انخفاض طفيف في الاستخدام الواسع النطاق للدولار الأميركي في المدفوعات العالمية، ولا يمثل (حتى الآن) تحديًا خطيرًا للدور الرئيسي، الذي تلعبه العملة الخضراء.

وأضاف غنيم في تصريحات لـ" إرم الاقتصادية" أن الأمر سوف يستغرق بعض الوقت لتقييم الفوائد المتصورة مقابل تكاليف استخدام العملات المحلية في التسويات عبر الحدود وتأثيرها على الدولار، موضحا أن استخدام العملات المحلية في التبادلات عبر الحدود أدى إلى تجزئة مشهد المدفوعات العالمي، وهو ما يمكن أن يستحوذ، إلى جانب التجزئة الاقتصادية الشاملة، على نحو 7% من الناتج الإجمالي العالمي.

وأشار إلى أنه إذا تبين أن الفوائد تفوق التكاليف، فسوف تتكثف هذه الجهود على نطاق واسع، وإلا فإنها سوف تكون مدفوعة في الأساس بحسابات جيوسياسية، وتستخدم في الأساس للحد من مخاطر تعرض البلدان للعقوبات الأميركية، وتجنب التأثيرات الدولية المترتبة على الهيمنة الأميركية على النظام المالي العالمي.

الاستخدام المتزايد للعملات المحلية في التسويات عبر الحدود، لم يٌحدث حتى الآن سوى انخفاض طفيف في الاستخدام الواسع النطاق للدولار الأميركي
الدكتور أحمد غنيم - أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com