خاص
خاص

لبنان يترقب تداعيات حرب غزة.. الاقتصاد في ورطة

يحبس اللبنانيون أنفاسهم من تداعيات كارثية على الاقتصاد المنهار بالأساس، حال اتساع رقعة حرب غزة لتطال بلدهم في ظل المناوشات الحدودية، منذ اندلاع الصراع في 7 أكتوبر الجاري.

عمليات نزوح بدأت بالفعل من المناطق الجنوبية، خشية القصف الإسرائيلي، خصوصًا بعد التهديد الذي أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرًا، بأن كل الأراضي اللبنانية معرضة للتدمير إذا تدخل حزب الله في الصراع الجاري مع حركة حماس.

تصاعد الأحداث، لا يقل سخونة عن أوضاع اقتصادية صعبة يعيشها اللبنانيون، وصفها محللون بأنها الأسوأ خلال القرنين الماضيين.

وواجه ذلك، تهافت غير مسبوق على شراء السلع للتخزين من قِبل "بعض المقتدرين"، بينما الغالبية العظمى من الشعب اللبناني تنتظر مصير مجهول، وسط ارتفاع غير مسبوق في الخدمات والإيجارات والسلع على حد سواء.

وبحسب البنك الدولي فإن حجم الاقتصاد اللبناني انكمش بأكثر من النصف، في الفترة من 2019 إلى 2021.

وترتبط العملة اللبنانية بالدولار الأميركي منذ عام 1997، وكان الدولار الواحد يبلغ 1500 ليرة لبنانية، لكنه يتداول الآن بحوالي 90 ألف ليرة.

تداعيات حرب تموز مستمرة

رغم مرور أكثر من 17 عامًا على حرب يوليو (تموز 2006)، إلا أن توابعها لا تزال حية في أذهان الكثير من اللبنانيين، بسبب الفاتورة الباهظة التي اضطروا لدفعها، وتأثيرها الاقتصادي المستمر حتى الآن.

فقد بلغت فاتورة هذه الحرب - التي استمرت أكثر من شهر - نحو 7 مليارات دولار، منها 3.6 مليار خسائر مباشرة بفعل تدمير البنى التحتية من طرق وكهرباء واتصالات وجسور، ومدارج المطار والمصانع ومنشآت عسكرية ومستشفيات ومدارس، وخسائر طالت الناتج المحلي بلغت نحو 2.4 مليار دولار.

ومن ثمّ تأتي تحذيرات المحللين والخبراء من أن لبنان، لم يعد قادرًا على دفع المزيد من "فواتير الحرب"، إذ أنه يغرق بالفعل في أزمات اقتصادية ونقدية ومالية شديدة التعقيد، تفاقمت بفعل تحلل مؤسساته، وسط فراغ في رئاسة الجمهورية منذ أكتوبر 2022، وحكومة "أياديها مغلولة"، وفراغ في موقع نقدي حساس هو حاكمية مصرف لبنان (البنك المركزي).

تزايد معدلات الفقر

وأشارت دراسات ميدانية نشرت مؤخرًا، إلى أن مستويات الفقر في لبنان استفحلت بشكل غير مسبوق، حيث يعد 3 من أصل 5 أسر "إما فقراء أو فقراء جدًا".

ويعاني لبنان، خلال السنوات الأربع الأخيرة على الأقل، من انهيار اقتصادي غير مسبوق تسبب في تدهور عملته المحلية، وفقدانها نحو 98 في المائة من قيمتها، في وقت سجل الناتج المحلي الإجمالي، انكماشًا بنسبة فاقت 40%، ودفع التضخم إلى ثلاثة أرقام واستنزف ثلثي احتياطيات المصرف المركزي من العملات الأجنبية.

وبينما كان الناتج المحلي الإجمالي يبلغ 51 مليار دولار عام 2019، وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي، انخفض إلى نحو 16 مليار دولار.

مستويات قياسية للتضخم

أيضًا، شهد التضخم ارتفاعًا جنونيًا، من 7% في عام 2019 إلى أكثر من 250% هذا العام، ليصبح لبنان من بين أعلى الدول في معدلات التضخم.

كما فقدت احتياطيات المصرف المركزي، نحو 25 مليار دولار بفعل محاولات التدخل، لمنع تدهور الليرة ونتيجة لسياسة دعم غير مدروسة - وفق محللين - لتصل اليوم إلى نحو 8.6 مليار دولار من 33.6 مليار في عام 2019.

مخاوف حقيقية

وتؤكد الصحفية والمحللة اللبنانية ميساء عبد الخالق، أن هناك مخاوف حقيقة من توسع دائرة الحرب، لتصبح حربًا شاملة على لبنان من قِبل إسرائيل، مشيرة إلى أنه رغم أن ما يحدث حاليًا مجرد "مناوشات على الحدود بين حزب الله وإسرائيل"، إلا أن كل الخوف من أن تصل الحرب إلى كل مناطق البلاد، خصوصًا بعد تصريحات نتنياهو الأخيرة ووعيده بتدمير لبنان.

وحذرت في تصريحات خاصة لـ"إرم الاقتصادية"، من أن "هناك شبه إجماع بين المحللين والخبراء وحتى المسئولين، على أن لبنان غير قادر على تحمل تبعات الحرب في ظل أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخ البلاد".

وقالت: "لا يخفى على أحد أن لبنان يعاني من بين أسوأ ثلاث أزمات اقتصادية منذ القرن التاسع عشر في العالم وليس فقط في المنطقة"، متسائلة عن مدى تبعات الحرب في حال وصلت للبنان.

وأشارت إلى أنه في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، التي يعيشها لبنان منذ عدة سنوات، لا يمكن تأمين المساعدات للنازحين، لافتة إلى أن هناك عددا من العائلات المقتدرة نزحت بالفعل من الجنوب إلى بيروت وغيرها من المدن الأخرى، خوفًا من اندلاع الحرب.

وشددت المحللة اللبنانية، على أن هناك "مخاوف حقيقية من اندلاع الحرب، خصوصًا أن إسرائيل تبدو في حالة تحبط بعد عملية طوفان الأقصى، التي نفذتها حركة حماس في السابع من أكتوبر الجاري".

هذه المخاوف - وفق المحللة - دعمتها تهديدات مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة جلعاد إردان، الذي قال: إننا نحمل حكومة لبنان مسؤولية أي هجوم على إسرائيل، توعدًا من أنه في حالة قيام حزب الله، بمهاجمة إسرائيل ستتحمل لبنان كاملها تبعات ذلك غاليًا.

وهو ما يعني - حسب المحللة اللبنانية - أن الحرب ستكون شاملة على لبنان وليس الجزء الجنوبي فقط، وهو أمر لا يمكن تصور تبعاته على الاقتصاد اللبناني المتهالك بالأساس، لافتة إلى أن الحرب تهدد بشكل غير مسبوق، موسم السياحة المرتقب خلال الشهرين المقبلين.

لبنان في ورطة

وأضافت الصحفية والمحللة اللبنانية ميساء عبد الخالق: "تبعات الحرب ستكون كارثية.. نحن بالأساس في القعر فكيف في حالة دخول حرب شاملة".

وأشارت إلى أن أولى هذه التبعات، عدم القدرة على تلبية احتياجات النازحين جراء الحرب، فضلا عن عدم القدرة على تأمين جهات مانحة، خصوصًا أن الغرب يقف بجانب إسرائيل فقط وبكل قوة، بينما ليس لدى الحكومة اللبنانية القدرة المادية على تأمين احتياجات هؤلاء النازحين، وهي الكارثة الأكبر في حالة ضرب البنى التحتية من قِبل إسرائيل، مضيفة: "من سيعيد إعادة الإعمار، فضلا عن الخسائر البشرية الكبيرة جراء الحرب المحتملة".

وبالتالي، وفق المحللة اللبنانية، "نحن نتخوف من حرب شاملة على لبنان، والجميع يعيش لحظات رعب جراء ذلك"، لأن الحرب ستكون لها تداعيات كارثية على مستوى البشر والحجر، في ظل تآكل مؤسسات الدولة وانهيار الاقتصاد اللبناني.

هلع للشراء

وفيما يخص حالة الهلع الشرائي، أوضحت الصحفية والمحللة اللبنانية ميساء عبدالخالق، أن بعض المقتدرين من اللبنانيين، بدأوا بالفعل في تخزين بعض السلع خوفًا من الحرب، لكن لا يخفى أن 82% من اللبنانيين تحت وطأة الفقر، ولا يستطيعون تخزين أي شيء.

وأضافت: "هذا هو هول الكارثة والوجع الحقيقي لشعب لبنان، فلو أن بعض العائلات المقتدرة تسعى بمساعدة من أقاربهم المغتربين في الخارج، لتخزين بعض السلع، فإن غالبية الشعب من الأسر المتعثرة يتحصلون على قوت حياتهم يومًا بيوم".

تجار الأزمات

وأشارت إلى أن بعض من وصفتهم بـ "بائعي الضمير" يتاجرون بالبيوت ويرفعون الأسعار، في الأطراف في جبل لبنان وبيروت، لافتة إلى أن الأسعار بلغت أرقامًا فلكية، وأحيانًا ما يصل إيجار شقة صغيرة لألف دولار في الشهر الواحد، مضيفة: "هنا الكارثة، إذ كيف سيتصرف من لا يملك هذا المبلغ؟"

وقالت: "للأسف هناك ابتزاز من بعض تجار الأزمات في هذه الظروف الراهنة، وبطبيعة الحال فإن أسعار الإيجارات لا تتناسب مع الغالبية العظمى من الشعب، ما يضعهم في مرمى خطر محدق".

واستطردت: "هناك ارتفاع جنوني لهذه الإيجارات، وبالتالي لابد من تدخل الجهات المعنية في البلاد، لضبط هذا المسار، وتوفير كافة البدائل للنازحين، بعيدًا عن مكان الاشتباكات في الجنوب قبل وقوع كارثة محققة".

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com