وقالت الخبيرة الاقتصادية، حنان رمسيس: "الصين من الدول الكبرى التي تعد نسب إقراضها مرتفعة لدول إفريقيا، إذ تتجاوز قيمة القروض التي منحتها إلى 49 دولة إفريقية ومؤسسات إقليمية، 170 مليار دولار في الفترة الممتدة بين عامي 2000 و2022، موضحةً أن "القروض الصينية تؤدي دورًا حيويًّا في تمويل مشاريع البنية التحتية، وتعزيز النمو الاقتصادي في العديد من البلدان الإفريقية".
وأضافت، في تصريحات لـ"إرم الاقتصادية"، أن "الدين العام في إفريقيا سجل ارتفاعًا وصل إلى 1.8 تريليون دولار في نهاية 2022، بزيادة تقدر بنحو 183% مقارنة بعام 2010، وهي نسبة بنحو 300% من معدل نمو الناتج المحلي، إذ إن القروض الصينية يمكن أن تحاصر البلدان الإفريقية من خلال خلق مستويات مرتفعة وغير مستدامة من الديون، ما يؤدي إلى فقدان السيادة".
وتختلف القروض الصينية عن نظيراتها من المؤسسات الغربية (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي…) بخصائص تهدف إلى تحقيق الربح، ما قد يُشكل عبئًا على الاقتصادات الإفريقية الهشة، وفق تقدير الخبيرة.
ومن أهم هذه الخصائص، الشروط الصعبة في اتفاقيات القروض، وحظر إعادة الهيكلة، إذ يمنع هذا الشرط الدول المقترضة من إعادة هيكلة ديونها، ما قد يُصعّب عليها سدادها، حال واجهت صعوبات اقتصادية.
بالإضافة إلى السرية، إذ تفرض الصين قيودًا على نشر معلومات حول شروط القروض، ما يُعيق الشفافية ويُثير تساؤلات عن احتمالية وجود شروط استغلالية، تمنع الدول الإفريقية على اتخاذ قرارات مالية مستقلة وسيادية، ما قد يُؤثر سلبًا على تنميتها الاقتصادية، بحسب الخبيرة.
وتزيد قلة الشفافية في مشاريع البنية التحتية الممولة من الصين من مخاطر الفساد، خاصة في الدول ذات الإدارة الضعيفة، وفق حنان رمسيس، التي أضافت أن "عدم إخضاع معظم هذه المشاريع لمناقصات عامة، يُتيح المجال للفساد من خلال منح العقود لشركات محددة دون شفافية أو مساءلة".
وينصب اهتمام المستثمرين الصينيين بتوسيع خدمة الإقراض في إفريقيا إلى افتقار العديد من الدول الإفريقية لمصادر التمويل، إذ إن سيطرة الاقتصاد غير الرسمي على الاقتصاد الرسمي، مسألة تحد من قدرة الدول على الحصول على قروض من المؤسسات المالية الدولية.
وأضافت الخبيرة أن "الدول الإفريقية تفتقر إلى الضمانات الكافية لتأمين قروض من المؤسسات المالية الدولية، مثل احتياطيات العملات الأجنبية أو الأصول القابلة للتسييل".
ومن جانبه، يقول الخبير الاقتصادي، الدكتور كريم العمدة، إن "فخ الديون لا يقتصر على الصين، خاصة إذا كانت الدولة المقترضة لا تملك شفافية أو قدرة على إدارة مواردها، بالتالي فإن الاقتراض سواء من الصين أو غيرها من الدول أو المؤسسات الدولية الأخرى، بمثابة أزمة حقيقية تواجه أي دولة، خاصة في إفريقيا".
وعن أهم معوقات التنمية في إفريقيا، يرى العمدة، في تصريحات لـ"إرم الاقتصادية"، أن "هناك العديد من التحديات السياسية، كالنزاعات والحروب والتعدد الإثني، بالإضافة إلى التدخل الكبير من الولايات المتحدة وأوروبا في شؤون دول القارة، ما يجعل النخب الحاكمة غير قادرة على إدارة موارد الدولة، وغير قادرة على تجاوز مراحل معينة من التنمية، رغم تحقيق دول عدة طفرات تنموية كبرى".
وتُعد الصين القوة الاقتصادية المهيمنة على العلاقات التجارية مع القارة الإفريقية، حيث تُشكّل أكبر شريك تجاري لها، ويتجلى ذلك من خلال حجم التبادل التجاري الضخم، إذ تُحقق التجارة بين الصين وإفريقيا أرقامًا قياسية، ما يُعزز من اقتصادات الطرفين، وفق العمدة.
بالإضافة إلى توجّه العديد من الدول الإفريقية نحو إقامة شراكات اقتصادية مع بكين،فهذه الدول تسعى للاستفادة من الخبرات والتكنولوجيا الصينية لتحقيق التنمية الاقتصادية.
وتشارك عدد من الدول الإفريقية في مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، وتُعد هذه المبادرة مشروعًا ضخمًا يهدف إلى تحسين البنية التحتية في الدول النامية، بما في ذلك الدول الإفريقية، وفق الخبير الاقتصادي.
وفي المقابل، تضخ الصين استثمارات ضخمة في الدول الإفريقية لتمويل مشاريع البنية التحتية، وتُسهم هذه المشاريع في تحسين البنية التحتية في الدول الإفريقية، ما يُعزز من فرص الاستثمار والتجارة.
وفي الوقت ذاته، يُحذر الخبير الاقتصادي، الدكتور طه عبد الرحمن، من خطورة حصر أزمة الديون في إفريقيا بالصين فقط، مشيرًا إلى وجود ديون كبيرة اقترضتها الدول الإفريقية من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والعديد من الدول الكبرى".
وشدد، في تصريحات لـ"إرم الاقتصادية"، على "وجوب النظر إلى أزمة الديون من منظار واسع وإجمالي، دون التركيز على الصين فقط"، وأشار إلى أن بعض الدول الأخرى تحاول الترويج لمصطلح "فخ الديون" بهدف زعزعة العلاقات بين دول القارة السوداء والصين.
وتُعاني الدول الإفريقية من نقص في التمويل اللازم لتحقيق التنمية الاقتصادية، ما يُشكل تحديًا كبيرًا، ويُمكن للقروض أن تُسهم في سد فجوة التمويل، لكن لشروطها تحديًا آخر، وفي هذا السياق، يُعد النموذج الصيني أفضل من غيره، في ضوء الشروط الميسرة لمشاريع البنية التحتية، وفق تقدير الخبير.
وأوضح أن "الصين ضخت أموالًا ضخمة في العديد من الدول الإفريقية التي كانت على أعتاب أزمات عميقة لتُعيد إحياء اقتصاداتها"، مشيرًا إلى أن "الأمور مرتبطة بالمصالح المتبادلة، خاصة أن السوق الإفريقية تُعد سوقًا كبيرة، يمكنها احتواء المنتجات الصينية، بالإضافة إلى إمكانية اعتماد بكين على المواد الخام في إفريقيا".