خاص
خاص

الاحتباس الحراري.. ركود الاقتصاد يبدد تعهدات المناخ

تسارعت خطوات العالم الحثيثة لمنع حدوث خلل بيئي يهدد الحياة على كوكب الأرض نتيجة تغير المناخ والاحتباس الحراري، حتى أن كل دول العالم تقريبا وقعت على اتفاق باريس للمناخ في عام 2015، وهو الاتفاق الذي يدعو إلى الحد من ارتفاع درجات حرارة الأرض، وصولا إلى ما يسمى "الحياد الكربوني".

لكن هذه الجهود منيت بتعثر مفاجئ إثر تباطؤ النمو العالمي بسبب الأزمات المتتالية التي شهدتها السنوات الأخيرة، بدءا من وباء كورونا الذي أصاب العالم بشلل كامل لأشهر طويلة، ثم لم يكد العالم يتعافى نسيبا، حتى اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية مخلفة موجة تضخم عالمية بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، واضطراب سلاسل الإمداد العالمية، وأخيرا جاءت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لتثير البلبلة في أسواق الطاقة.

ويقول إرون آردرين، الخبير الاقتصادي، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، إن الاقتصاد العالمي في وضع حرج، وما زال المسار بعيدا عن الوضع الجيد للقضاء على الفقر ومواجهة تغير المناخ، موضحا أن ارتفاع أسعار الفائدة العالمية أثر على القوة الشرائية العالمية، وبالتالي أثر سلبا على الأسواق والشركات الكبرى التي لم تستطع الوفاء بالتزاماتها البيئية التي كانت قد تعهدت بها من قبل.

وأضاف أن ارتفاع الأسعار الجنوني الذي أعقب الحرب الروسية الأوكرانية أدى لموجة ركود تضخمي أصابت الأسواق بشلل جزئي، حيث نمت التجارة بأقل من ثلث وتيرتها في السنوات التي سبقت الحرب.

وأوضح آردرين أن ما يحدث حاليا هو اختبار حقيقي للإرادة العالمية لمواجهة التغيرات المناخية، لأن المسؤولية الآن تقع على عاتق الدول الكبرى التي تستطيع تحمل التباطؤ الاقتصادي وفي نفس الوقت الالتزام بالإنفاق اللازم على تخفيف الانبعاثات الكربونية، بينما لن تتمكن الشركات في الوقت الراهن من الوفاء بالتعهدات التي قطعتها على نفسها لخفض الانبعاثات الضارة بالبيئة، حتى تعافي الاقتصاد العالمي وعودته إلى معدلات نموه الطبيعية، ومن ثم انتعاش أعمال هذه الشركات واستعادة قدرتها على الوفاء بالالتزامات البيئية.

تباطؤ التكيف المناخي

وذكر تقرير أصدرته الأمم المتحدة أن التقدم في مجال التكيف المناخي يشهد تباطؤا على جميع الجبهات، في وقت ينبغي أن يتسارع لمواكبة آثار ومخاطر التغيرات المناخية المتزايدة.

ولفت التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن احتياجات تمويل التكيف مع تغير المناخ في البلدان النامية تزيد بما يتراوح بين 10 و18 مرة عن تدفقات التمويل العام الدولي، أي أعلى بنسبة 50% من النطاق التقديري السابق.

وأظهرت تنبؤات اقتصادية نشرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تباطؤا ملحوظا في نمو الاقتصاد العالمي للعام المقبل 2024 والعام الذي يليه، مرجعة ذلك إلى الحرب الروسية الأوكرانية، والصراعات الجيوسياسية المتكررة، والحروب التجارية بين الصين والدول الغربية.

وتوقع التقرير نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 2.6% خلال العام الجاري 2023، متراجعا عن معدل نمو العام الماضي بنسبة 0.6%، غير أن معدل التباطؤ لعام 2023 يقترب من النصف، إذا ما قورن بالفرق بين معدل النمو الحقيقي لعام 2022، وهو 3.2%، والنمو المتنبَّأ به أواخر عام 2021، وهو 4.3%، لكنه ما زال موجبا لمعظم دول العالم، باستثناء روسيا.

انسحاب الحكومات

أدى تباطؤ النمو العالمي إلى انسحاب بعض الحكومات من خطط دعم الطاقة المتجددة والمنتجات منخفضة الكربون، وسط مخاوف بشأن التكلفة وأمن الطاقة وارتفاع نسب التضخم، فيما أثر هذا التباطؤ أيضا على جهود الشركات العالمية لتحقيق أهداف المناخ.

ولفت استطلاع أجرته شركة "إكستنشر" لبحوث الأسواق، إلى أن نحو 40% من شركات الصناعات الثقيلة في العالم أعلنت أنها غير قادرة على زيادة استثماراتها في إزالة الانبعاثات الكربونية بسبب تباطؤ الاقتصاد العالمي، الذي أثر بدوره على نتائج أعمال الشركات.

وكانت أكثر من 135 دولة أكدت التزامها بوضع سياسات هادفة للتحول إلى "صفر انبعاثات" للغازات المسببة لارتفاع درجة حرارة الأرض بحلول عام 2050، خاصة ثاني أكسيد الكربون، وذلك في إطار تطبيق سياسات "الحياد الكربوني" تماشيا مع ما تم التوقيع عليه في اتفاق باريس الذي يهدف لتقليل الانبعاثات الكربونية العالمية.

كل هذه الجهود والنوايا اصطدمت بتباطؤ النمو العالمي، والذي أدى إلى إخلال هذه الدول والشركات الكبيرة بالتزاماتها تجاه المناخ.

أوروبا أكثر التزاما

على مستوى الشركات، سجلت دول الاتحاد الأوروبي التزاما أفضل من باقي دول العالم بطريق الوصول إلى الحياد الكربوني، حيث أشارت دراسة أممية إلى أن حوالي 61% من الشركات العالمية التي في أوروبا التزمت بتعهداتها لتحقيق أهداف "صفر انبعاثات"، فيما التزمت 28% من شركات الولايات المتحدة، مقابل التزام بمعدل 30% على مستوى شركات العالم.

وفي بحث صدر مؤخرا عن الأمم المتحدة، تبين أن 18% فقط من الشركات تسير على الطريق الصحيح لتحقيق هدف "صفر انبعاثات" بحلول منتصف القرن الحالي، أما باقي الشركات الكبرى التي تعهدت بالعمل على هذا الهدف فقد وجدت نفسها عاجزة عن تحقيقه بسبب تباطؤ النمو العالمي، لكن 37% منها تعهد بالوصول إلى هذا الهدف، ارتفاعاً من 34% خلال العام الماضي.

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com