تواصل مجموعة بريكس جهودها بجدية لتنفيذ إستراتيجيتها الرامية إلى تقليص هيمنة الدولار الأميركي على التجارة العالمية عبر تعزيز استخدام العملات الوطنية بين أعضائها. وفي إطار توسعها الأخير ليشمل دولاً جديدة، تستكشف المجموعة الوسائل الكفيلة بتعزيز استخدام عملاتها في المعاملات الدولية.
برزت إيران كمؤيد رئيس لاقتراح ربط العملات الوطنية في المعاملات المالية بين دول مجموعة بريكس. ومن المقرر أن يكون هذا الاقتراح بمثابة نقطة محورية في قمة مجموعة بريكس المقبلة، حيث تدعو بعض الدول إلى نظام دفع يشبه شبكة "سويفت" الغربية، ولكنه مصمم خصيصًا لدول بريكس، بهدف تقليص هيمنة الدولار الأميركي في التمويل العالمي.
وعلّق نائب وزير الخارجية الروسي أندريه رودينكو، قائلاً: "إن الخيارات المختلفة المتعلقة بربط الأسواق المالية لأعضاء بريكس، مثل المدفوعات بالعملات الوطنية والآليات الجديدة للتسويات المالية المتبادلة، قيد الدراسة الآن".
اتفق الوزراء، الذين يمثلون: الإمارات، والبرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا، ومصر، وإثيوبيا، وإيران، على تأسيس إطار تشاوري يرتقي بالحوار العالمي حول منظمة التجارة العالمية والمسائل المرتبطة بها، ويوطّد التعاون في قطاع التجارة الإلكترونية، خاصة ضمن مجالات تضم حماية حقوق المستهلكين، واعتماد آليات رقمية عابرة للحدود لتسوية النزاعات. وركّز البيان على أهمية دمج التكنولوجيا الرقمية في التجارة العالمية، وتعميم الحلول الذكية مثل الشهادات الإلكترونية، ووثائق الشحن الإلكترونية. كما شدّد على الدور الرئيس للاستثمار والتعاون وتبادل المعرفة بين دول بريكس لتنمية قطاع الزراعة، وضرورة تحسين توافر تمويل إنتاج الأغذية والتجارة فيها.
مجموعة بريكس شهدت توسعًا ملحوظًا في نفوذها، خلال السنوات الخمس الماضية، حيث أضافت دولاً جديدة مثل: الإمارات، ومصر، وإيران، وإثيوبيا، مما عزز من قوتها الاقتصادية. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تصل نسبة الناتج المحلي الإجمالي لدول بريكس إلى حوالي 38% من الإجمالي العالمي بحلول عام 2028، متجاوزة مجموعة السبع.
وتسعى هذه الدول، من خلال تطوير أنظمة مالية خاصة بها، مثل "تحالف بريكس" المقترح، إلى إعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي. ويهدف التحالف إلى ربط الأنظمة المالية للدول الأعضاء، مما يتيح إجراء المعاملات باستخدام عملاتها الرقمية. حاليًا، تتم نحو 90% من التجارة بين روسيا والصين بالروبل أو اليوان، كما تتوسع هذه الممارسة، حيث أبرمت الإمارات والهند أيضًا اتفاقيات لتسوية التجارة بعملاتهما المحلية بدلاً من الدولار .
كما وسّع بنك التنمية الجديد (NDB) عضويته ليشمل دولًا، مثل: بنغلاديش، ومصر، وأوروغواي.
رغم هذه التطورات، يظل الدولار الأميركي مهيمناً على التجارة العالمية، حيث يمثل حوالي 90% من إجمالي تداول العملات.
وتعود قوة الدولار إلى عدة عوامل، منها استقرار الاقتصاد الأميركي، وثقة المستثمرين العالمية فيه كمخزن للقيمة، ووسيط للتبادل. كما أن الولايات المتحدة تملك أكبر سوق سندات حكومية، مما يجعل الدولار ملاذاً آمناً خلال الأزمات المالية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من عملات بريكس عرضة لخفض القيمة وعدم الاستقرار الاقتصادي، مما قد يقوض موثوقيتها كمخازن للقيمة. على سبيل المثال، تعاني العملة البرازيلية (الريال)، والروبل الروسي، من تذبذبات كبيرة نتيجة للتغيرات في أسعار السلع الأساسية، والسياسات الاقتصادية غير المستقرة.
تشكل السيولة تحدياً آخر، حيث تفتقر عملات بعض دول بريكس إلى الجاذبية الواسعة النطاق، وسهولة التداول التي يتمتع بها الدولار الأميركي حالياً. فالدولار هو العملة الأساسية التي تستخدم في تسعير العديد من السلع العالمية مثل النفط، مما يعزز من هيمنته. بالإضافة إلى ذلك، البنية التحتية المالية العالمية موجهة نحو الدولار، مما يجعل التحول إلى عملات أخرى عملية مكلفة ومعقدة.
ومع ذلك، تستمر الجهود لتطوير وتعزيز استخدام العملات الوطنية داخل المجموعة، مما يعكس رغبة واضحة في تقليص الهيمنة الأميركية على النظام المالي العالمي. يشير بعض الخبراء إلى أن النجاح في هذه الجهود يتطلب بناء مؤسسات مالية قوية، ودعم استقرار الاقتصاديات المحلية لدول بريكس، بالإضافة إلى تعزيز التعاون والتنسيق بين الدول الأعضاء.