وتأثرت المنطقة العربية -وهي محط أنظار العالم، لما تتميز به من الثروات المتنوعة، إذ تُنتج 35% من صادرات النفط العالمية، و15% من صادرات الغاز الطبيعي- بالصراعات الدائرة، بحرمانها من الاستفادة من وفرة الطاقة، في ظل انخفاض الإنتاج والركود العالمي.
ووفقًا لمؤشرات حديثة صادرة عن صندوق النقد الدولي، تسببت الصراعات في منطقة الشرق الأوسط في اقتطاع نحو تريليون دولار من الناتج العالمي وزيادة مُعدلات التضخم، مما قد يؤدي إلى إضعاف اقتصادات الدول العربية، حال إطالة أمد الصراعات.
وأشار خُبراء الاقتصاد إلى أن "الوضع في لبنان وسوريا والعراق واليمن أشبه بالكارثة"، وشددوا على ضرورة تنفيذ السياسات الاحترازية والهيكلة الإصلاحية في هذا التوقيت لتعزيز هوامش الأمان وضمان الاستدامة المالية في هذه الدول ذات المخاطر العالية، بالإضافة إلى ضرورة اتخاذ خطوات لمنع تزايد معدلات التضخم، وحماية المؤسسات الاقتصادية، ودعم المؤسسات الدولية لاحتواء التداعيات.
وترى أستاذة الاقتصاد المصرية وخبيرة أسواق الطاقة، الدكتور وفاء علي، أن "ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من صراعات لها تأثير سلبي على اقتصاد الكثير من الدول العربية والأوروبية"، إلا أنها تعتبر الوضع الاقتصادي في مصر مختلفًا عن دول الجوار، لأنها انتهجت خلال السنوات الماضية سياسة اقتصادية مرنة تتماشى مع الظروف العالمية الطارئة، ونجحت من خلالها في الحفاظ على ديمومة اقتصادها.
وقالت الدكتورة وفاء علي، في تصريحات لـ"إرم الاقتصادية"، إن "التوترات الجيوسياسية في المنطقة لها تأثير كبير للغاية على الملفات الاقتصادية في جميع دول العالم ليس فقط في الدول العربية، خاصةً أن العالم يعيش الآن مرحلة تُسمى بـ«فض التشابكات»، وعلى رأسها ملفا الطاقة والغذاء".
وأوضحت أن "العالم يعيش الآن عصر خفض التصنيفات الائتمانية التي تؤثر على القواعد الحاكمة لاقتصادات الدول"، وأضافت أنه "حال استمرار هذه التوترات الجيوسياسية التي عصفت بالدول العربية، فمن المتوقع أن يشهد العام الحالي حالة من التضخم المرتفع، يترافق في بعض الدول مع تباطؤ شديد في النمو".
وأشارت أستاذة الاقتصاد إلى أن "الحرب في أوكرانيا وغزة، لهما تداعيات سلبية على مصر، فهما السبب الرئيس في رفع معدلات التضخم وما رافقهما من خفض لسعر العملة المحلية «الجنيه»، ليبلغ التضخم الأساس 35.9% خلال نوفمبر الماضي، فكل هذه التداعيات جعلت الحكومة تستمر في خطواتها الإصلاحية، للخروج من الأزمة الحالية، والتعافي من ارتدادات الحروب عليها".
وأوضحت أن "تعطيل الإمدادات في البحر الأحمر نتيجة هجمات الحوثيين، أدى إلى تعطيل الاقتصادات الأوروبية والعربية بأرقام كبيرة، خاصةً أن التجارة العالمية تأثرت بهذه الأحداث التي تسببت في تحمُّل الدول تكاليف إضافية، جرّاء تأخر تسليم الشحنات التي تحمل سلاسل الإمداد ومستخدمات الصناعة".
ومن جانبه، قال المحلل الاقتصادي الأردني، الدكتور عامر الشوبكي، إن "الاقتصاد الأردني تأثر بالصراع في منطقة الشرق الأوسط وباضطرابات البحر الأحمر، وقد تسببا في ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير، ونتج عنهما ارتفاع جنوني لأسعار السلع الغذائية".
وأشار المحلل الاقتصادي، في تصريحات لـ"إرم اقتصادية"، إلى أن "قطاع السياحة يُعد الأكثر تأثُّرًا بالصراعات الدائرة في منطقة الشرق الأوسط، إذ فقد الأردن نحو 50% من عوائد النشاط السياحي"، وتوقع زيادة هذه النسبة خلال الفترة المقبلة، مع احتمالات توسع الحرب في المنطقة، واستمرار الهجمات البريطانية والأمريكية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
وأوضح الشوبكي أن "أسعار الطاقة شهدت الأسبوع الماضي حالة من الارتفاع بنسبة 3 إلى 4% بما يعادل 3 دولارات لبرميل النفط، بالإضافة إلى أن أسعار الغاز المسيل شهدت زيادة تتراوح ما بين 6 إلى 7%"، مشيرًا إلى تأثُّر حركة الاستيراد نتيجة ارتفاع تكاليف شحن الحاويات بزيادة تُقدر بـ1500 دولار، بسبب استمرار الاضطرابات في البحر الأحمر وإجبار سفن الشحن على تغيير خط مسارها، بإتجاه رأس الرجاء الصالح.
وعلى المستوى العراقي، فإن العراق يُعد من أكثر دول المنطقة تأثرًا بالصراعات الراهنة، نتيجة اعتماد اقتصاده على النفط الذي شهدت أسعاره مسارات عكسية خلال العام الماضي، بسبب صعوبة تصديره في ظل الهجمات المتكررة على البلاد تارة، والاضطرابات في البحر الأحمر تارة أخرى، وفق المحلل الاقتصادي جليل اللامي.
وأضاف المحلل الاقتصادي، في تصريحاته لـ"إرم الاقتصادية"، أن "الحكومة العراقية تعمل حاليًّا على النهوض بالاقتصاد في ظل التطورات السياسية والاجتماعية الراهنة، وتحاول عدم الاعتماد على المعونات الخارجية، والعمل على جذب الاستثمارات الأجنبية، لتحقيق النمو الاقتصادي، حتى يستطيع تحمل الصدمات الاقتصادية، ويكون بمقدور المنتجات المحلية العراقية على المنافسة في الأسواق".
وشدد الخبير الاقتصادي على ضرورة اتخاذ الدول العربية التي تأثرت بصراعات الشرق الأوسط إجراءات ضرورية، منها استخدام سياسات نقدية مرنة بعيدًا عن التدخلات الحكومية، بالإضافة إلى العمل لتنويع مصادر الطاقة المتجددة، وجذب فرص الاستثمارات الأجنبية.
وفي السياق ذاته، يعمل صندوق النقد الدولي على التخفيف من تداعيات الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، من خلال المشاركة في البرامج الإصلاحية التي تنفذها الدول العربية، أبرزها مصر والأردن والمغرب، لتعزيز سلامة سياساتها الاقتصادية.
ونجح خبراء البنك الدولي مع الحكومة المصرية في المضي قدمًا نحو مراجعات البرامج، بالإضافة إلى أنهم نجحوا في الاتفاق مع الأردن لإتاحة ملاذ دائم ضد الاضطرابات، واتفقوا على اعتماد خط الائتمان المرن مع المغرب، الذي نجح في مواجهة الصدمات المعاكسة.