خاص
خاص

الصناديق السيادية العربية.. أداة تتوسع في خطط تنويع الاقتصاد

في خضمّ التغيرات الجيوسياسية والصراعات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، تبرز استراتيجية جديدة لتعزيز وتنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على البترول بنحوٍ رئيس، وتُعدّ صناديق الثروة السيادية العربية أداةً فعَّالة لتحقيق هذا الهدف، إذ تُقدر قيمتها الإجمالية بتريليونات الدولارات.

وكشف تقرير حديث صادر عن معهد صناديق الثروة السيادية (SWFI) عن أكبر الصناديق للثروة السيادية في المنطقة العربية، التي تقارب لأول مرة تريليوني دولار.

وجاء في المرتبة الأولى عربيًّا صندوق "هيئة الاستثمار الكويتية" بأصول تتجاوز 737 مليار دولار، يليه في المركز الثاني صندوق "هيئة جهاز أبوظبي للاستثمار" بقيمة 697 مليار دولار، وتلاهما صندوق "الاستثمارات العامة السعودي" الذي احتلّ المركز الثالث عربيًّا بقيمة 580 مليار دولار.

ويرى خبراء الاقتصاد أن "الدول العربية، تسير على الطريق الصحيح من خلال سعيها لتنويع إيراداتها بعيدًا عن الاعتماد الكلي على النفط". 

ورأوا أن "الاستثمار في الصناديق السيادية وتعزيزها بالاستثمارات في جميع المجالات، سواء الاقتصادية أو السياحية أو غيرها، هو السبيل الأمثل لتعزيز قدرة هذه الدول ونموها الاقتصادي خلال السنوات المقبلة".

قفزة نوعية في الاستثمارات

وقال الخبير الاقتصادي، الدكتور أحمد سعيد، إن "الصناديق السيادية التي أنشأتها دول الخليج العربي تهدف إلى استثمار فائض إيرادات النفط".

وأوضح، في تصريحات لـ"إرم بزنس"، أن "هذه الصناديق تستثمر الأموال في الداخل والخارج باسم الدولة، ما يسمح بتحقيق عوائد مالية طويلة الأجل تضمن استقرارًا اقتصاديًّا مستقبليًّا".

وأشار إلى أهمية استثمارات الصناديق السيادية في تحقيق عائدات مالية ضخمة للدول العربية، مؤكدًا أن "هذه الاستثمارات تُمكّن الدول من الحصول على عائدات تصل إلى 10% تقريبًا سنويًّا من رأس مال الصندوق".

ووفق سعيد، فإن ذلك يعني أن كل دولة تمتلك صندوقًا سياديًّا بقيمة تريليون دولار تحصل على 100 مليار دولار من عائدات الاستثمارات، خاصة أن ثلاث دول عربية تقترب صناديقها الاستثمارية من تريليون دولار.

وحققت صناديق الثروة السيادية في الشرق الأوسط أداءً استثنائيًّا خلال السنوات الأخيرة، إذ نجحت في تعزيز ثرواتها بنحو كبير، مدعومةً بارتفاع أسعار النفط والغاز.

وأشار الخبير إلى أن "صناديق المنطقة استحوذت على 26 صفقة استثمارية ضخمة من أصل 60 صفقة على مستوى العالم خلال عام 2022، بقيمة إجمالية تصل إلى مليار دولار".

وأسهمت هذه الصفقات في زيادة استثمارات صناديق الثروة السيادية في الشرق الأوسط من 20 مليار دولار في عام 2021 إلى 50 مليار دولار في عام 2023.

وتُعدّ إمارة أبوظبي من أكبر المستفيدين من هذه الزيادة، إذ تمتلك ثلاثة من أكبر الصناديق الاستثمارية في العالم بأصول تتجاوز تريليون ونصف تريليون دولار.

الحل الأمثل لتعزيز اقتصاد الدول العربية

أما المستشار الاقتصادي، الدكتور فؤاد بوقري، فيرى أن "صناديق الثروة السيادية أداة فعّالة لتعزيز أصول الدول العربية وتنويع مصادر دخلها"، مشيرًا إلى قدرة هذه الصناديق على علاج الخلل الاقتصادي الناتج عن زيادة معدلات البطالة في بعض الدول العربية من خلال توفير فرص عمل وتشغيل العمالة الوطنية.

وفي خطوة تعزز من مكانة السعودية كفاعل رئيس في الاقتصاد العالمي، جرى تحويل 4% من رأس مال شركة "أرامكو" السعودية، أكبر شركة نفط في العالم، إلى صندوق الاستثمارات العامة، ليرتفع إجمالي أصوله إلى نحو 940 مليار دولار.

ورأى المستشار الاقتصادي، في تصريحات لـ"إرم بزنس"، أن "هذه الخطوة تأتي في إطار استراتيجية المملكة لتنويع مصادر الدخل وتعزيز استثماراتها في قطاعات استراتيجية مختلفة"، مشيرًا إلى أن "الأيام المقبلة ستشهد اندماج الخطوط السعودية مع صندوق الاستثمارات العامة".

وتوقع الخبير الاقتصادي أن تشهد المنطقة العربية منافسة متزايدة بين الدول لاستقطاب استثمارات صناديق الثروة السيادية، وذلك في إطار سعيها لتنويع مصادر الدخل وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

وأشار بوقري إلى أن "خطوة دولة الإمارات العربية المتحدة في استثمار مليارات الدولارات في مدينة رأس الحكمة المصرية، تُمثل نموذجًا رائدًا لهذه الاستراتيجية الجديدة". 

ورأى أن "هذه الخطوة صفقة رابحة للطرفين، إذ تُتيح للإمارات فرصة الاستفادة من عائدات استثمارية مُستقرة على المدى الطويل، بينما تُسهم في تنمية الاقتصاد المصري وتعزيز قدراته السياحية، خاصة أن مصر من الدول السياحية التي تتميز بالعديد من المقومات الجاذبة للسياحة".

نمو مدعوم باستثمارات الطاقة

ومع التوقعات بزيادة تدفقات الاستثمار على الصناديق السيادية العربية، تزامنًا مع تحول الدول الأوروبية إلى الاستثمار في مجال الطاقة النظيفة، فإن التغيرات الجيوسياسية والتحديات الاقتصادية العالمية تقف عائقًا أمام تحقيق ذلك.

وأشار أستاذ الاقتصاد في جامعة سطيف الجزائرية، الدكتور فارس هباش، إلى أن "الاتفاق البريطاني المغربي للحصول على الكهرباء من الرياح المغربية لتحقيق صفر انبعاثات كربونية كان مثالًا بارزًا على هذا التحول".

وأضاف هباش، في تصريحات لـ"إرم بزنس"، أن "التغيرات الجيوسياسية، مثل الحرب في أوكرانيا، أدّت إلى اضطرابات في أسواق الطاقة العالمية، ما أجبر الدول الأوروبية على إعادة النظر في استراتيجياتها للطاقة".

وشهدت عمليات الاندماج والاستحواذ التي نفذتها صناديق الثروة السيادية في منطقة الشرق الأوسط تراجعًا ملحوظًا في العام الماضي، إذ بلغت قيمة هذه العمليات 95 مليار دولار عام 2023، بإنخفاض 3% عن 98 مليار دولار عام 2022.

ويمثّل هذا التراجع، وفق الدكتور فارس هباش، أدنى مستوى لعمليات الاندماج والاستحواذ لصناديق الثروة السيادية في المنطقة منذ سنوات، خاصةً أنها تُمثل نحو 13% من عمليات الاندماج والاستحواذ العالمية التي تصل إلى 3.3 تريليون دولار. 

وكشفت توقعات مصرفية يابانية عن إمكانية ارتفاع ثروات الصناديق السيادية العربية من 3.8 تريليون دولار إلى 5.6 تريليون دولار بحلول عام 2026، ويرجع هذا النمو المتوقع إلى التركيز المتزايد على الاستثمارات في مجال الطاقة، خاصةً مع ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي خلال الفترة الأخيرة.

وتُعدّ هذه الزيادة دفعة قوية لاقتصادات المنطقة، خاصةً دول الخليج وشمال أفريقيا، إذ تُساعد هذه الأموال في تمويل مشاريع التنمية الاقتصادية وتعزيز قدرة المنطقة على مواجهة التحديات الاقتصادية التي تشهدها الشرق الأوسط، وفق الدكتور فارس هباش.

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com