في وقت تشهد فيه سوق السلع الفاخرة العالمية تباطؤاً ملحوظاً، تبرز منطقة الخليج، وخصوصاً دبي، مركزاً استثنائياً للنمو، مدفوعة بطلب قوي من المقيمين الأثرياء والسياح الدوليين الذين يواصلون إنعاش مبيعات بعضٍ من أعرق دور الأزياء العالمية.
خلال الأشهر الماضية، عزّزت دبي مكانتها مركزاً عالمياً للموضة، مستضيفة فعاليات رفيعة المستوى جذبت مشاهير ومصممين عالميين. وفي يونيو، قدّمت دار الأزياء الإيطالية «زينيا» (Zegna) أول عرض أزياء لها خارج إيطاليا في «دبي أوبرا»، لعرض تشكيلتها لصيف 2026، وفقاً لموقع AGBI.
في وقت سابق من الموسم ذاته، نظّمت رئيسة تحرير مجلة «فوغ» (Vogue)، آنا وينتور، فعالية حصرية في «برج العرب» بدبي، بعد شراكة بين المصممة فيكتوريا بيكهام ومنصة «أُناس» (Ounass) الإقليمية لإطلاق مجموعة محدودة في أبريل.
يعكس هذا الزخم نمواً مدفوعاً بأساسيات اقتصادية في السوق الإقليمية، فرغم تباطؤ الطلب العالمي، خصوصاً في الصين وأوروبا والولايات المتحدة، يواصل الشرق الأوسط تقديم حالة استثنائية من التوازن، إذ لا تزال المبيعات القوية مستمرة؛ من حقائب «بيركين» (Birkin) في دبي إلى إنفاق المتسوقين الخليجيين على السلع الفاخرة في باريس.
خلال هذا الأسبوع، أعلنت كل من «برادا» (Prada) و«هيرميس» (Hermès) و«زينيا» تحقيق نمو مزدوج الرقم في مبيعاتها في المنطقة. وارتفعت إيرادات «برادا» في الشرق الأوسط 26% خلال النصف الأول من العام، لتصل إلى 137 مليون يورو (156 مليون دولار)، متجاوزة بأكثر من الضعف معدلات النمو في الأميركيتين التي بلغت 12%، وفي آسيا والمحيط الهادئ 10%.
قال المدير المالي للشركة، أندريا بونيني، خلال مكالمة نتائج الشركة: «قدّمت منطقة الشرق الأوسط الأداء الأبرز في هذا الفصل، مع توازن ملحوظ عبر الربعين».
بدورها، سجلت «هيرميس» نمواً بنسبة 17% في مبيعاتها الإقليمية خلال الفترة ذاتها، وهو الأعلى بين جميع المناطق الجغرافية.
وأرجعت «زينيا» جانباً من أدائها القوي إلى الفعالية الحصرية التي نظّمتها في «دبي أوبرا»، والتي استمرت خمسة أيام، استضافت خلالها أكثر من 200 من كبار عملائها ضمن تجربة «فيلا زينيا». وقال الرئيس التنفيذي جيلدو زينيا إن «أصداء فعالياتنا في دبي كانت واسعة النطاق وترددت على المستوى العالمي».
بحسب بيانات شركة «بين آند كومباني» (Bain & Company) العالمية للاستشارات، لا يزال السياح يشكلون ما بين 50 إلى 60% من مبيعات السلع الفاخرة في الشرق الأوسط.
تشهد قاعدة العملاء المحليين من أصحاب الثروات نمواً متسارعاً. فقد استقطبت الإمارات 6,700 مليونير جديد في عام 2024، ومن المتوقع أن تسجل صافي تدفّق يبلغ 9,800 مليونير إضافي هذا العام، وهو الأعلى على مستوى العالم، وفقاً لتقديرات شركة «هينلي آند بارتنرز» (Henley & Partners). وبات عدد أصحاب الثروات في دبي يتجاوز 81,000 مليونير، أي أكثر من ضعف ما كان عليه قبل عقد من الزمن.
وأكدت الرئيسة التنفيذية لشركة «موريس غلوبال كونسلتينغ» (Morris Global Consulting)، ماري موريس، التي تقدّم استشارات لتجار التجزئة في المنطقة: «لم تعد السوق تعتمد فقط على السياحة، بل أصبحت مصدر دخل مستدام على مدار العام».
كما أضافت في تصريحات لـ(AGBI): «رغم التعقيد الجيوسياسي في المنطقة، لا تزال الفخامة صامدة بشكل لافت، فبالنسبة للمتسوقين من أصحاب الثروات العالية، فإن الحصول على قطع حصرية وخدمة متميزة يطغيان على أي هواجس سياسية».
من جانبها، تقدّر «شلهوب غروب» (Chalhoub Group)، التي تنشط في مجال التجزئة في الشرق الأوسط، أن قطاع السلع الفاخرة في الخليج، الذي تبلغ قيمته 12.8 مليار دولار، قد نما بنسبة 6% في عام 2024، مقارنة بانخفاض عالمي بلغ 2%.
أوضحت موريس: «القطاع كان ذكياً وسريع الاستجابة، من العروض الخاصة لكبار الشخصيات إلى مجموعات «ديور» (Dior) المحدودة التي تنفد خلال ساعات». وتابعت: «باتت هناك عناية أكبر في تصميم المجموعات الخاصة، بدلاً من الاكتفاء بلمسات رمزية تخيب التوقعات».
في ظل التحديات التي تواجهها العلامات العالمية نتيجة ارتفاع التكاليف في أوروبا، وزيادة أسعار الفائدة، وتأثير سياسات التجارة الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب، تكثف العديد من هذه العلامات استثماراتها في الخليج. فقد خصّصت «هيرميس» جزءاً من إنفاقها الرأسمالي البالغ 316 مليون يورو لتجديد متجرها في «دبي مول»، بينما تستعد «زينيا» لافتتاح صالة «سالوتو» (Salotto) الخاصة هناك، لتضاف إلى صالات مماثلة في بكين وسنغافورة.
أضافت موريس: «أصبح العملاء في الخليج ركيزة أساسية في استراتيجية نمو العلامات العالمية، سواء داخل المنطقة أو في أوروبا، حيث لا يزال المتسوقون من الشرق الأوسط يشترون، في وقت تتراجع فيه المبيعات في أسواق أخرى».
ويبقى البيع بالسعر الكامل، مع تقديم حد أدنى من الخصومات، من السمات البارزة للسوق الخليجية. كما تعكس الرغبة المستمرة في التجديد والحصرية قدرة العلامات التجارية على الحفاظ على هوامش ربح أعلى هنا مقارنة بالأسواق الأكثر حساسية للأسعار، بحسب تصريحات موريس.
تُصنَّف دبي بين أغلى المدن عالمياً من حيث أسعار السلع الفاخرة، بما في ذلك الساعات وبدلات الرجال وحقائب وأحذية النساء. وأوضحت موريس: «تحققت من سعر حقيبة برادا في باريس أخيراً، فكانت تباع بـ16,000 يورو، فيما وصل سعرها في دبي إلى 21,000 يورو. وحتى من دون احتساب استرداد الضريبة، كان الفارق كبيراً».
ورغم هذا الفارق السعري، لا يظهر أن شهية المتسوقين الخليجيين قد خفّت، إذ لا يقتصر النشاط الشرائي على «دبي مول» فقط، بل عاد المتسوقون من الإمارات ومناطق إقليمية أخرى للتسوق في متاجر الأزياء الرئيسة بأوروبا. ووفقاً للرئيس التنفيذي لمجلس إدارة «هيرميس»، أكسل دوما، عاد العملاء العرب إلى باريس في يوليو بعد تراجع طفيف في يونيو ناجم عن التوترات الإقليمية.
وأضاف: «أدت الأحداث في الشرق الأوسط إلى انخفاض أعداد السياح القادمين من المنطقة خلال يونيو، لكنهم عادوا بعد فترة من التوتر».