رغم ازدهار سوق العقارات في دبي خلال السنوات الأخيرة، مازالت هناك فرص استثنائية تظهر في بعض المناطق السكنية، حيث تُعرض وحدات للبيع بأسعار تقل عن تكلفة البناء.
هذه الظاهرة، التي تقتصر على مواقع محددة، تعكس تحركات تصحيحية في سوق متنوعة، وتتقاطع مع تغيرات في توجهات المشترين وتفاوت في مستويات العرض والطلب بين الأحياء المختلفة.
بحسب بيانات من مواقع عقارية مثل «بروبرتي فايندر» وتقارير استشارية حديثة، عُرضت شقق في مناطق مثل «واحة دبي للسيليكون» و«ديسكفري غاردنز» و«الورقاء» بأسعار تبدأ من 450 درهماً (122.51 دولار) للقدم المربعة، وهي أرقام تقلّ بشكلٍ واضح عن تكلفة البناء التي تتراوح عادة بين 500 و600 درهم للقدم المربعة للوحدات متوسطة الجودة بحسب تقرير «تيرنر آند تاونسند»، ما يعني أن بعض الوحدات تُباع حالياً بخسارة مقارنة بتكلفتها الإنشائية، دون احتساب ثمن الأرض أو هامش الربح.
تشهد أحياء سكنية معروفة في دبي هذا الاتجاه السعري المتراجع. في «واحة دبي للسيليكون»، سجلت السوق الثانوية عروضاً لبيع شقق بأسعار تراوحت بين 470 و520 درهماً للقدم المربعة، خصوصاً في الأبنية التي تجاوز عمرها 10 سنوات.
يعزو الوسطاء هذا الانخفاض إلى رغبة بعض الملّاك في البيع السريع، وسط تركّز اهتمام المشترين على مشاريع أحدث في مناطق أخرى.
أما منطقة «ديسكفري غاردنز»، فشهدت تداول بعض الوحدات بأسعار تتراوح بين 450 و500 درهم للقدم المربعة، رغم تمتع الحي ببنية تحتية جيدة واتصاله بشبكة المترو.
وفي «الورقاء»، خصوصاً في بعض المباني القديمة، سُجلت أيضاً عروض بيع بأسعار مماثلة تقل عن تكلفة البناء الفعلية، ما يشير ربما إلى وجود ضغط حقيقي على بعض الملاك لتسييل أصولهم.
تُظهر تقارير استشارية، مثل تقرير «تيرنر آند تاونسند» الصادر في عام 2024، أن تكاليف البناء في دبي شهدت ارتفاعاً بنسبة 6% خلال عام واحد، بفعل ارتفاع أسعار المواد الخام وزيادة تكلفة الأيدي العاملة والامتثال للمعايير البيئية.
تشير التقديرات إلى أن بناء وحدة سكنية متوسطة الجودة يُكلِف ما بين 500 و600 درهم للقدم المربعة، بينما ترتفع التكلفة في المشاريع الفاخرة إلى أكثر من 900 درهم للقدم.
في ظل هذه الأرقام، يبدو بيع بعض الوحدات السكنية في السوق الثانوية بسعر 450 أو 480 درهماً للقدم مؤشراً على انخفاض في الطلب على مواقع محددة أصبحت خارج اهتمامات شريحة كبيرة من المشترين والمستثمرين.
رغم أن الظاهرة تبقى محدودة جغرافياً حتى الآن، إلا أن اتساعها قد يكون مؤشراً على تغيرات أعمق في هيكل السوق العقارية في دبي بحسب بول كولنز المسوؤل في شركة «كوفرديل» العقارية، فالمشاريع الجديدة في مناطق مثل «دبي الجنوب» و«مدينة محمد بن راشد» تجذب اليوم شرائح المستثمرين الباحثين عن مجمعات حديثة وخدمات متكاملة، ما يعمّق الفجوة بين المشاريع القديمة والجديدة.
وفي ظل الارتفاع المستمر لتكاليف البناء والتطوير، يتوقع كولنز أن يكون الضغط على الملاك أكبر في المناطق التي تعاني من ضعف في الطلب أو من انخفاض في مستوى الخدمات. ويبدو أن تصاعد التفاوت بين العرض والطلب، وجودة المنتج العقاري، هما ما يحدد حالياً الاتجاه السعري أكثر من أي وقت مضى.