خاص
خاص

الاقتصاد العراقي.. الجفاف يفاقم متاعب النمو والتضخم

رغم أن اقتصاد العراق، البالغ حوالي 225 مليار دولار، يعتمد كليا على النفط، إلا أن هناك قطاعا آخر له أهمية كبرى بالنسبة لبلاد الرافدين، وهو قطاع الزراعة والذي يعتبر ثاني أكبر قطاع مساهم في الاقتصاد العراقي ويوظف ما يقرب من 20% من القوى العاملة في البلاد، لكن يعاني من وعكة صعبة.

ويتعرض قطاع الزراعة العراقي لأزمة قوية، حيث ضربت البلاد أزمة جفاف وتصحر مستفحلة جعلت 60% من الفلاحين في العديد من المحافظات العراقية يقلصون المساحات المزروعة وذلك لضآلة كميات المياه المتاحة.

وفي وقت يستورد فيه العراق نحو 50% من احتياجاته الغذائية، تعتمد الدولة في اقتصادها تقريبا على ما نسبته 90% من عوائد النفط، وهو ما يعرضها لخطورة كبيرة في حال حدوث صدمات في سلاسل الإمدادات الغذائية العالمية أو انهيار موازنة الدولة.

ويقول الدكتور محمود سيف الدين، أستاذ المياه والأراضي بجامعة عين شمس، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، إن نهري دجلة والفرات تأثرا بكثرة السدود التي تم بناؤها عليهما وعلى روافدهما في تركيا وسوريا وإيران، الأمر الذي أدى إلى تراجع مستوى نهر الفرات بنسبة تصل إلى 50% منذ سبعينيات القرن الماضي.

وأضاف أن الأتراك قاموا ببناء المزيد من السدود لتلبية احتياجاتهم الزراعية، والتحكم في تدفق المياه، فضلا عن تزايد الاحتياجات، فكلما نما عدد السكان، كلما ارتفع الطلب على المياه للاستخدامات المنزلية ولاستخدامات الري.

ولفت إلى أن ملف المياه يشكل مصدر توتر بين العراق وتركيا حيث يطالب العراق أنقرة بالسماح لمزيد من المياه بالتدفق، إلا أن تركيا لم تستجب لهذه المطالب واتهمت العراقيين العام الماضي بأنهم يقومون بـ"هدر المياه".

الأولوية للشرب

وأوضح أستاذ المياه والأراضي أن العراق يواجه حاليا أزمات حقيقية بسبب موجة الجفاف القاسية وقلة المياه؛ فالبلاد تواجه صعوبات في تأمين المياه للاحتياجات الزراعية الأمر الذي اضطر السلطات إلى خفض المساحات المزروعة بشكل كبير لأن الأولوية لتأمين مياه الشرب لسكان البلاد البالغ عددهم 42 مليون نسمة.

وقال إن انخفاض مناسيب نهري دجلة والفرات يسبب تلوث المياه مما سيزيد من المشاكل الصحية للعراقيين، لكنه لفت في المقابل إلى أن العراق أمامه فرصة جيدة حيث تشير التوقعات إلى أن الشتاء الحالي سيكون ممطرا بشكل جيد.

واعتبر أنه على السلطات العراقية استغلال هذا الأمر لإعادة النظر بالسياسات الزراعية وإدارة الموارد المائية بالشكل الصحيح ووضع حلول عملية لاستغلال مياه الأمطار وإدارتها بشكل جيد من أجل توفير الاحتياجات على مدار العام، لأنه بخلاف ذلك سيكون الوضع خطيرا للغاية.

ووفق بيانات وزارة الزراعة العراقية، فإن البلاد تفقد سنويا حوالي 110 آلاف دونم سنويا (الدونم = 1000 متر مربع)، من الأراضي الزراعية جراء التصحر، كما أن أزمة المياه وتعرض البلاد للجفاف للموسم الرابع على التوالي تسبب في تراجع الرقعة الزراعية بنسبة 50%.

كما تراجعت المساحات المزروعة بالقمح والشعير إلى أقل من 7 ملايين دونم خلال 2022 بعدما كانت 11 مليونا و600 ألف دونم وهي أقل مساحة منزرعة بالمحصولين منذ عقدين من الزمان، كما خسر العراق نحو مليوني دونم من الغطاء النباتي خلال الأعوام العشرة الماضية.

وخلال فصل الصيف الماضي تداول النشطاء على منصات التواصل الاجتماعي صورا لحالة الجفاف التي وصل إليها نهري دجلة والفرات حيث بدا قاع كل منهما واضحا، وكان بمقدور العراقيين في بعض المناطق أن يقطعوا المسافة من ضفة لأخرى سيرا على الأقدام عبر المجرى المائي للنهرين بعد أن كانوا يحتاجون إلى جسور وقوارب للعبور.

خلل هيكلي

ويواجه الاقتصاد العراقي ما يعرف بالخلل الهيكلي، فقد ذكر التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2022، أن العراق، ورغم كونه دولة ذات وفرة كبرى، إلا أن نسبة الفقر فيه مرتفعة، كما تنخفض مساهمة قطاعات الصناعات التحويلية والزراعية في توليد الناتج المحلي الإجمالي.

وتساهم الزراعة والصيد والغابات بنسبة 5% في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، والصناعات التحويلية بمقدار 1.9%، في حين تساهم الصناعات الاستخراجية بنسبة 44.2%، والتشييد بـ 2.3%، والكهرباء والغاز والماء بـ 2.7%، والتجارة بـ 9%، والنقل بـ 9.8%، والتمويل بـ 0.7%، والإسكان بـ 5.5%، والخدمات الحكومية بـ 4.3%، وأخيرا الخدمات الأخرى بـ 3.3%.

ومما يعمق مشكلة الاقتصاد العراقي هو أنه لا يشهد نموا حقيقيا في القطاعات الإنتاجية غير النفطية، وإنما يشهد نموا في عوائد النفط نتيجة تحسن الأسعار خلال العامين الماضيين، وهو ما يجعل اقتصاد البلاد عرضة لمخاطر تقلب أسعار الطاقة الأمر الذي سيؤثر عليه اقتصاده بشكل مباشر.

وقد عانى العراق من مستويات تضخم مرتفعة بسبب التقلبات التي شهدتها أسعار صرف العملات الأجنبية وخفض حجم الإنتاج النفطي مما أثر على زخم النمو العراقي.

وبعد تعافي الإنتاج النفطي للعراق خلال العام الماضي 2022 واستعادة مستواه الذي وصل إليه قبل تفشي فيروس كورونا، من المتوقع أن ينكمش الإنتاج بنسبة 5% خلال العام الجاري 2023 وذلك في ضوء قرار تحالف أوبك بلس بخفض حجم الإنتاج النفطي وتوقف خط أنابيب كركوك - جيهان النفطي عن العمل.

مما يزيد الأمور تأزما للاقتصاد العراقي هو انحسار كمية الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، ومعاناة البلاد من موجة جفاف للعام الرابع على التوالي حيث لفت تقرير أصدره المجلس النرويجي للاجئين، إلى أن 60% من المزارعين اضطروا لزراعة مساحات أقل من الأراضي أو لاستخدام كميات أقل من المياه بسبب أحوال الطقس القاسية، فضلا عن أن 4 من كل 5 أشخاص في المجتمعات الزراعية في نينوى وكركوك، اضطروا إلى خفض إنفاقهم على الغذاء خلال الأشهر الـ12 الماضية.

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com