بعد مرور خمس سنوات حتى مايو 2024، أعلن الرئيس بايدن زيادة في التعريفات الجمركية على مجموعة متنوعة من الواردات الصينية، بما في ذلك تعريفة بنسبة 100% من شأنها أن تزيد بشكل كبير من أسعار السيارات الكهربائية صينية الصنع.
بالنسبة لدولة ملتزمة بالحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، فإن الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لمنع المركبات الكهربائية منخفضة التكلفة قد تبدو ذات نتائج عكسية. بسعر يبلغ حوالي 12 ألف دولار أميركي، يمكن للسيارة الكهربائية (Seagull) التي تنتجها شركة صناعة السيارات الصينية "ي واي دي" أن توسع مبيعات السيارات الكهربائية بسرعة إذا وصلت إلى هذا السعر في الولايات المتحدة، حيث تكلف أرخص السيارات الكهربائية الجديدة ما يقرب من ثلاثة أضعاف تكلفة السيارة الكهربائية الصينية الجديدة، وفق ما نقل موقع TheConversation.
ومع ذلك، يرى خبراء في سلاسل التوريد العالمية، أن تعريفات بايدن يمكن أن تنجح في منح صناعة السيارات الكهربائية الأميركية مجالاً للنمو. بدون التعريفات الجمركية، فإن مبيعات السيارات الأميركية معرضة للخطر من قبل الشركات الصينية، التي تعتبر تكاليف إنتاجها رخيصة بكثير بسبب أساليب التصنيع، ومعايير البيئة والسلامة الأكثر مرونة، والعمالة الرخيصة، والدعم الحكومي الأكثر سخاء للسيارات الكهربائية.
بينما لدى الولايات المتحدة تاريخ طويل من التعريفات الجمركية التي فشلت في تحقيق أهدافها الاقتصادية.
كان المقصود من قانون تعريفة سموت-هاولي لعام 1930 حماية الوظائف الأميركية من خلال رفع الرسوم الجمركية على السلع المستوردة. لكنها جاءت بنتائج عكسية من خلال دفع الدول الأخرى إلى رفع تعريفاتها الجمركية، ما أدى إلى انخفاض التجارة الدولية وتعميق أزمة الكساد الأعظم.
كما أدت التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس جورج دبليو بوش على الصلب في عام 2002 إلى ارتفاع أسعار الصلب، الأمر الذي ألحق الضرر بالصناعات التي تستخدم الصلب وكلف التصنيع الأميركي ما يقدر بنحو 200 ألف وظيفة. وتم رفع التعريفات بعد أن حكمت منظمة التجارة العالمية ضدها.
منعت التعريفات الجمركية التي فرضتها إدارة أوباما على الألواح الشمسية الصينية الصنع في عام 2012 الواردات المباشرة، لكنها فشلت في تعزيز صناعة الألواح الشمسية المحلية. واليوم، تعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على الواردات من الشركات العاملة في جنوب شرق آسيا - في المقام الأول كمبوديا وماليزيا وتايلاند وفيتنام. وترتبط العديد من هذه الشركات بالصين.
ومع ذلك، قد تشكل تعريفات بايدن على المركبات الكهربائية سابقة تاريخية وتنجح حيث فشلت تعريفة الطاقة الشمسية، لعدة أسباب رئيسية:
عندما فرض أوباما تعريفات جمركية على الألواح الشمسية في عام 2012، كان ما يقرب من نصف المنشآت الأميركية تستخدم بالفعل الألواح المصنعة في الصين. في المقابل، فإن السيارات الكهربائية الصينية الصنع، بما في ذلك الطرازات التي تبيعها شركتا فولفو وبولستار في الولايات المتحدة، لا تحظى إلا بحصة ضئيلة في السوق الأميركية.
ونظراً لأن السوق الأميركية لا تعتمد على السيارات الكهربائية الصينية الصنع، فيمكن تنفيذ التعريفات دون انقطاع كبير أو زيادات في الأسعار، ما يمنح الصناعة المحلية الوقت للنمو والمنافسة بشكل أكثر فعالية.
ومن خلال فرض الرسوم الجمركية في وقت مبكر، تأمل إدارة بايدن في منع السوق الأميركية من التشبع بالمركبات الكهربائية الصينية منخفضة السعر، ما قد يؤدي إلى تقويض الشركات المصنعة المحلية وخنق الابتكار.
كشفت جائحة كوفيد-19 عن نقاط الضعف في سلاسل التوريد العالمية، مثل خطر حدوث اضطرابات في توافر المكونات الحيوية والتأخير في الإنتاج والشحن. ودفعت هذه القضايا العديد من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة، إلى إعادة تقييم اعتمادها على المصنعين الأجانب في السلع الحيوية والتحول نحو إعادة التصنيع إلى الولايات المتحدة، وتعزيز سلاسل التوريد المحلية.
كما أدت الحرب في أوكرانيا إلى زيادة حدة الانفصال بين الاقتصادات التي تقودها الولايات المتحدة عن نظيرتها التي تقودها الصين.
وفي استطلاع أجرته شركة "ماكينزي" مؤخراً، أشار 67% من المديرين التنفيذيين إلى المخاطر الجيوسياسية باعتبارها التهديد الأكبر للنمو العالمي. وفي هذا السياق، تعد المركبات الكهربائية ومكوناتها، وخاصة البطاريات، من المنتجات الرئيسية التي تم تحديدها في مراجعات سلسلة التوريد التي أجراها بايدن باعتبارها ضرورية لمرونة سلسلة التوريد في البلاد.
إن ضمان إمدادات مستقرة وآمنة لهذه المكونات من خلال التصنيع المحلي يمكن أن يخفف من المخاطر المرتبطة باضطرابات سلسلة التوريد العالمية والتوترات الجيوسياسية.
على عكس الألواح الشمسية، فإن المركبات الكهربائية لها آثار مباشرة على الأمن القومي. وتعتبر إدارة بايدن أن السيارات الكهربائية صينية الصنع تشكل تهديداً محتملاً للأمن السيبراني بسبب احتمال وجود برامج مدمجة يمكن استخدامها للمراقبة أو الهجمات الإلكترونية.
ناقشت وزيرة التجارة الأميركية جينا ريموندو مخاطر التجسس التي تنطوي على إمكانية قيام المركبات الكهربائية المصنعة في الخارج بجمع البيانات الحساسة ونقلها خارج الولايات المتحدة. وأثار المسؤولون مخاوف بشأن مرونة سلسلة توريد المركبات الكهربائية التي تعتمد على بلدان أخرى في حالة نشوب صراع جيوسياسي.
وفي حين أن التعريفات الجمركية التي فرضها بايدن على السيارات الكهربائية قد تنجح في إبعاد المنافسة الصينية لفترة من الوقت، فقد يحاول مصنعو السيارات الكهربائية الصينيون التحايل على التعريفات عن طريق نقل الإنتاج إلى دول مثل المكسيك.
ويشبه هذا السيناريو التكتيكات السابقة التي استخدمتها الشركات المصنعة للألواح الشمسية الصينية، والتي نقلت إنتاجها إلى دول آسيوية أخرى لتجنب الرسوم الجمركية الأميركية.
تستكشف شركة صناعة السيارات الصينية "بي واي دي"، الرائدة عالمياً في مبيعات السيارات الكهربائية، إنشاء مصنع في المكسيك لإنتاج شاحنتها الكهربائية الجديدة. ما يقرب من 10% من السيارات المباعة في المكسيك في عام 2023 تم إنتاجها من قبل شركات صناعة السيارات الصينية.
ونظراً للواقع الجيوسياسي المتغير، من المرجح أن تكون تعريفات بايدن بنسبة 100% على السيارات الكهربائية بداية لاستراتيجية أوسع وليست إجراءً منعزلاً. وقد ألمحت الممثلة التجارية الأميركية كاثرين تاي إلى ذلك خلال مؤتمر صحفي عُقد مؤخراً، مشيرة إلى أن معالجة المركبات المصنوعة في المكسيك ستتطلب "مساراً منفصلاً" و"ترقب" الإجراءات المستقبلية.
في الوقت الحالي، نظراً للغياب شبه الكامل للمركبات الكهربائية الصينية الصنع في سوق السيارات الأميركية، فمن غير المرجح أن يكون لتعريفات بايدن على المركبات الكهربائية تأثير ملحوظ على المدى القصير في الولايات المتحدة. ومع ذلك، يمكن أن تؤثر على القرارات في أوروبا.
شهد الاتحاد الأوروبي زيادة واردات السيارات الكهربائية الصينية بأكثر من الضعف خلال فترة سبعة أشهر في عام 2023، ما أدى إلى تقويض السيارات الأوروبية من خلال تقديم أسعار أقل، وباتت الشركات المصنعة تشعر بالقلق.
وقد تشجع خطوة بايدن على اتخاذ إجراءات وقائية مماثلة في أماكن أخرى، ما يعزز التحول العالمي نحو تأمين سلاسل التوريد وتعزيز التصنيع المحلي.