وتستحوذ أفريقيا على نحو 33% من إجمالي الثروات المعدنية في العالم، و80% من المعادن الصناعية، وهو الأمر الذي تتنافس الدول الصناعية الكبرى للسيطرة عليه، خاصة مع التوجه العالمي المتزايد نحو مصادر الطاقة النظيفة، والتي تعتمد العديد من تقنياتها ومعداتها على هذه المعادن.
وتستحوذ الصين بالفعل على جزء معتبر من صناعة التعدين في دول أفريقية عدة عبر شركاتها العملاقة مثل شركة "زيغين"، وهي من كبريات مجموعات التعدين العملاقة في العالم، ولها أعمال ضخمة في مجال إنتاج النحاس والليثيوم والمعادن الأخرى، وتتركز أعمالها في أفريقيا.
هذا الحضور الصيني القوي في أفريقيا لم يأت من فراغ أو صدفة، حيث أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ، قبل سنوات عن تخصيص نحو تريليون دولار أميركي للاستثمار في مشروعات البنية التحتية بالدول النامية وخاصة الأفريقية، وذلك ضمن مبادرة "الحزام والطريق".
هذا النهج وضع بكين في دائرة الاتهامات من قبل الدول الغربية وعلى رأسهم الولايات المتحدة، بدعوى أنها تغرق البلدان الأفريقية في ديون ضخمة سعيا منها للسيطرة على المعادن والموارد الطبيعية التي تمتلكها، وهو ما تنفيه بكين بشدة.
في المقابل، وضعت الولايات المتحدة خطة استراتيجية لتجابه بها النفوذ والسيطرة الصينية على معادن القارة السمراء، وأعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عن مشروع رئيسٍ تحت مسمى "ممر لوبيتو" تسعى من خلاله واشنطن لاستقطاب الدول الأفريقية بعيدا عن مشروع "الحزام والطريق" الصيني، حيث خصصت واشنطن ٦٠٠ مليار دولار للاستثمار في البنية التحتية للدول النامية على مدى ٥ سنوات، معظمها للدول الأفريقية.
ويرتكز مشروع "ممر لوبيتو" الأميركي على إعادة تشغيل خط سكة حديد عمره قرن من الزمان، يربط المناجم الأفريقية الرئيسة بأحد موانئ المحيط الأطلسي، وهو مشروع تجابه به الولايات المتحدة خط سكك حديدية أنشأته الصين يربط بين منطقة حزام النحاس وميناء دار السلام في تنزانيا، كما أنها أعادت بناء خط سكة حديد في أنغولا بقيمة ملياري دولار.
في الوقت الذي يتجه فيه العالم نحو زيادة الاعتماد على السيارات الكهربائية والطاقة النظيفة، تتجه المنافسة للاستحواذ على ثروات زامبيا والكونغو الديمقراطية من المعادن شديدة الأهمية لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية ومكونات الطاقة المتجددة.
وتسعى الصين للسيطرة على مناجم "الليثيوم"، وهو المعدن الذي تعتمد عليه صناعة البطاريات في العالم، حيث تتركز هذه المناجم في زيمبابوي التي تضم أكبر احتياطي لليثيوم في أفريقيا، والخامس عالميا. ويتوقع الخبراء أن يصل إنتاج أفريقيا من الليثيوم إلى ٤٩٧ ألف طن متري بحلول عام 2030.
ويتمتع الليثيوم بإمكانات كهروكيميائية عالية تجعله هاما لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية، ومن المتوقع زيادة الطلب العالمي عليه ٥ أضعاف بحلول عام 2030 بالتزامن مع الطلب المتزايد على السيارات الكهربائية.
تقول محللة الأسواق الأميركية أليشيا دياز، خبيرة أسواق المعادن، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، إن تنافس الدول الصناعية الكبرى للسيطرة على موارد القارة الأفريقية من الليثيوم سيشهد احتداما كبيرا السنوات المقبلة، وذلك بسبب الإقبال المتزايد من دول العالم على الصناعات النظيفة والسيارات الكهربائية، لذا يتوقع تضاعف الطلب على الليثيوم بمقدار 40 ضعفا خلال العقدين المقبلين.
وأوضحت دياز أنه في ظل التغيرات الجيوسياسية في العالم، خاصة الحرب الروسية الأوكرانية والحرب الإسرائيلية على غزة، فإن ذلك خلق حاجة أساسية لدى الدول الكبرى في تنويع سلاسل الإمداد، خاصة المعادن المتصلة بالصناعات المستقبلية الهامة مثل صناعة البطاريات.
وأشارت أليشيا دياز إلى أن البلدان الأفريقية تقوم بتصدير المعادن بشكلها الخام دون تحقيق قيمة مضافة عبر تصنيعها، ورغم أن 31 بلدا أفريقيا يمتلك موارد معدنية ضخمة إلا أنها تحقق عوائد ضعيفة بسبب افتقاد القدرة على تصنيع هذه المعادن.
ولفتت إلى أن بلدان أفريقيا ليس لديها حاليا بنية تحتية قوية تؤهلها لتصبح رائدة في مجال صناعة السيارات الكهربائية، رغم توافر الليثيوم بقدر كبير في أراضيها، إلا أنه يمكنها الاستفادة من التنافس الشرس بين الولايات المتحدة والصين على هذا المعدن؛ لتحقيق أكبر عوائد ممكنة.