logo
اقتصاد

%75 من الوساطة المالية خارج البنوك.. هل اقتصاد أميركا في خطر؟

%75 من الوساطة المالية خارج البنوك.. هل اقتصاد أميركا في خطر؟
العلم الأميركي على واجهة بورصة نيويورك (NYSE) بعد ظهر يوم الخميس 22 مارس 2018المصدر: أ ف ب
تاريخ النشر:9 يونيو 2025, 04:06 ص

في ظل حالة من عدم اليقين الاقتصادي المتصاعد وتغير السياسات الحكومية، يُحذر خبراء المال من تنامي المخاطر التي تهدد استقرار النظام المالي الأميركي، خصوصاً تلك الناجمة عن المؤسسات المالية غير المصرفية (NBFIs).

ووفقاً لتقرير نشرته «مؤسسة بروكينغز»، سلط خطاب رئيس ألقاه دونالد كون، النائب السابق لرئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، خلال المؤتمر السنوي السادس لـ«معهد التقلب والمخاطر» التابع لكلية ستيرن لإدارة الأعمال في «جامعة نيويورك» (NYU Stern)، الضوء على التهديدات النظامية المتزايدة التي تمثلها هذه المؤسسات، وعلى عدم كفاية الاستجابة التنظيمية الراهنة.

أخبار ذات صلة

رسوم ترامب تهدد قطاع الطيران الأميركي.. مليارات الدولارات في خطر

رسوم ترامب تهدد قطاع الطيران الأميركي.. مليارات الدولارات في خطر

تقلب السياسات وعدم اليقين النظامي

استهل كون كلمته بتأكيد المستوى الاستثنائي من عدم اليقين الذي يحيط بالبيئة المالية اليوم، مشيراً إلى التحولات المفاجئة في السياسات التجارية، والتحديات التي تواجه استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، إضافة إلى غياب الانضباط المالي.

وقد تسببت هذه العوامل في تقلبات غير مسبوقة، تمثلت مؤخراً في تراجع قيمة الدولار، وارتفاع العوائد طويلة الأجل على سندات الخزينة، وانخفاضات في أسواق الأسهم.

وحذر كون من أن هذا الاضطراب يحدث في وقت تُقوض فيه قدرة النظام التنظيمي على الصمود بفعل اتجاهات تقليص الرقابة؛ ما يحد من قدرة الحكومة على التصدي للمخاطر المالية الناشئة. وقال: «نحن في بيئة عالية المخاطر ومنخفضة الصمود»، مشيراً إلى أن الردود على الأزمات المستقبلية قد تعيقها التوترات الجيوسياسية وتراجع التعاون الدولي.

رقابة مجزأة للمؤسسات غير المصرفية

رغم أن حصة أصول المؤسسات غير المصرفية من إجمالي أصول النظام المالي الأميركي بقيت شبه مستقرة منذ عام 2000، فإن كون لفت إلى أن هذه المؤسسات باتت تمثل نحو 75% من الوساطة المالية، وهي نسبة ضخمة تعكس مدى اتساع دورها.

وتشمل هذه المؤسسات شركات التأمين وصناديق الاستثمار المفتوحة ومزودي الائتمان الخاص ومقدمي خدمات الرهن العقاري، وغالباً ما تتسم بالغموض وضعف التنظيم وتعرضها لمخاطر السيولة.

وأعرب كون عن قلقه من تنامي الترابط بين البنوك والمؤسسات غير المصرفية، حيث زاد اعتماد البنوك على إقراض هذه الكيانات، مثل شركات الوساطة؛ ما يزيد تعرض النظام المصرفي للمخاطر الكامنة في القطاع غير المصرفي. وأضاف: «النظام المالي ليس متنوعاً بالقدر الذي يبدو عليه».

مخاطر شركات التأمين

أوضح كون أن شركات التأمين تعد عنصراً أساسياً في تمويل الشركات، لكنها تتجه إلى تحمّل مخاطر أكبر من خلال الاستثمار في أدوات مثل الأسهم الخاصة والائتمان الخاص، والتي تفتقر إلى السيولة وتتميز بصعوبة التقييم. كما أصبحت تعتمد بشكل متزايد على مصادر تمويل غير تقليدية، في وقت يأتي جزء كبير من رأسمالها من مستثمرين يسعون إلى عوائد مرتفعة في فترات قصيرة.

وأشار إلى أن «الرابطة الوطنية لمفوضي التأمين» (NAIC) أوصت بإجراء اختبارات ضغط على السيولة وزيادة الشفافية، إلا أن تنفيذ هذه التوصيات لا يزال جزئياً. كما تواجه محاولات تعزيز الرقابة الفيدرالية عبر «مكتب التأمين الفيدرالي» معارضة من قبل الجهات التنظيمية على مستوى الولايات، التي تطالب بإلغاء هذا المكتب.

أخبار ذات صلة

ترامب يتوعد إيلون ماسك «بعواقب وخيمة» إذا مول مرشحين ديمقراطيين

ترامب يتوعد إيلون ماسك «بعواقب وخيمة» إذا مول مرشحين ديمقراطيين

تقلبات صناديق الاستثمار المفتوحة

أوضح كون أن صناديق الاستثمار المفتوحة تعاني اختلالاً هيكلياً في السيولة، إذ تتيح للمستثمرين سحب أموالهم يومياً، رغم أن أصولها غالباً ما تكون في أدوات منخفضة السيولة، مثل: السندات مرتفعة المخاطر أو القروض الخاصة. وأشار إلى أن هذا التفاوت يمنح ميزة للمستثمرين الذين يسحبون أولاً في أوقات التوتر؛ ما يؤدي إلى موجات بيع قسرية.

ورغم إدخال إصلاحات على صناديق سوق المال الأولية، مثل زيادة متطلبات السيولة وإلغاء الارتباط بين بوابات السحب ومستوى السيولة، أكد كون أن اقتراحات جوهرية مثل «التسعير المتأرجح» لم تُعتمد؛ ما أبقى على الخطر النظامي قائماً، بل وربما آخذ في التزايد مع توسع الصناديق في الاستثمار في أدوات خاصة.

تحديات تمويل سوق الإسكان

أشار كون إلى تحسن ملحوظ في السياسات الخاصة بمعالجة تعثر المقترضين، ولا سيما تبني مبدأ «تأجيل الأقساط كخيار أول» في القروض المدعومة من الحكومة. ومع ذلك، أوضح أن النظام الأوسع لتمويل الإسكان لا يزال هشاً، إذ لا توجد آلية دائمة لتوفير السيولة لسندات الرهن العقاري، بينما تستمر الجهات غير المصرفية التي تقدم خدمات الرهن العقاري في تمثيل مصدر للضعف بسبب الرقابة المحدودة.

وشدد على أن المخاوف تتزايد في ضوء تحذيرات الاحتياطي الفيدرالي بشأن تضخم أسعار المنازل واعتباره خطراً نظامياً. وحذر من أنه في حال انخفاض الأسعار نتيجة ارتفاع الفوائد، قد تعاود حلقات التغذية الراجعة السلبية الظهور مجدداً، كما حدث في أزمات سابقة.

ممارسات الوسطاء المركزيون

حذر كون أيضاً من المخاطر التي تتهدد البُنى التحتية للأسواق، وعلى رأسها الوسطاء المركزيون، أو ما يُعرف بغرف المقاصة. فرغم أن ممارسات الهامش المؤيدة للدورات الاقتصادية تحمي هؤلاء الوسطاء من الخسائر، فإنها قد تفرض ضغوطاً كبيرة على السيولة خلال فترات التقلب، وتؤدي إلى موجات بيع قسرية تُفاقم اضطراب الأسواق.

ورغم صدور توصيات دولية لتحسين الشفافية وإدارة مخاطر السيولة لدى الوسطاء المركزيين، لم تعتمد الولايات المتحدة أي إصلاحات جوهرية لتقليل دورية متطلبات الهامش، أو لفرض تحمّل أكبر للمخاطر على هذه المؤسسات.

التنسيق التنظيمي والمخاطر السياسية

دعا كون إلى إصلاح هيكلي في عملية الرقابة نفسها، منتقداً اعتماد «مجلس مراقبة الاستقرار المالي» (FSOC) المفرط على التوافق بالإجماع؛ ما يؤدي إلى إضعاف التوصيات.

واقترح أن يُمنح وزير الخزانة صلاحيات أكبر لإصدار تقارير سنوية حول المخاطر النظامية، وأن يُعزز دور «مكتب البحث المالي» في سد الفجوات المعرفية، خاصة في مجالات مثل الائتمان الخاص والعملات المستقرة.

ورغم التقدم الذي أحرزه المجلس في عهد وزيرة الخزانة جانيت يلين، بما في ذلك إعادة تفعيل تصنيف المؤسسات النظامية، فإن كون حذّر من أن تلك المكاسب قابلة للتراجع بفعل التغيرات السياسية. وقال: «للانتخابات عواقب»، في إشارة إلى أن تبدل الإدارات قد يهدد المكاسب التي تحققت في مجال الرقابة والاستقرار.

تهديدات ناشئة

استشرافاً للمستقبل، حدد كون ثلاثة مجالات متنامية للقلق، أولها الإفراط في الاستدانة لدى صناديق التحوط، والتي أسهمت في اضطرابات سابقة بأسواق الخزينة الأميركية. والثاني هو النمو السريع في الائتمان الخاص، وهو قطاع لا يزال غامضاً وغير منظم. أما الثالث، فهو مستقبل العملات الرقمية المستقرة، التي رغم ارتباطها الاسمي بالدولار، إلا أنها تفتقر إلى ضمانات حقيقية تثبت استقرار قيمتها.

وأشار كون إلى أن التشريعات الجارية في الكونغرس لتنظيم هذه العملات لا تزال قيد التفاوض، وقد لا تضمن حصر أصولها في أدوات آمنة وسائلة.

غياب شبكات الأمان

في ختام كلمته، نبه كون إلى أن الاستجابة السريعة من وزارة الخزانة خلال أزمة كوفيد-19 لدعم تدخلات الاحتياطي الفيدرالي قد لا تتكرر في الأزمات القادمة، خصوصاً في ظل وجود قيود قانونية ومؤسسية تعرقل قدرة البنك المركزي على التحرك السريع لدعم المؤسسات غير المصرفية.

ومع دخول الولايات المتحدة مرحلة اقتصادية شديدة التقلب، تبقى هشاشة النظام المالي الأميركي، التي تفاقمت بفعل الفجوات التنظيمية ونقص الشفافية وعدم اليقين السياسي، مصدر قلق بالغ يتطلب تدخلاً عاجلاً.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC