أين تتجه سوق السندات الخضراء في منطقة الشرق الأوسط؟

إذا كان عام 2022 مليئًا بالأزمات، فقد يكون عام 2023 عامًا من التقدم المتسارع نحو حل بعض التحديات الأكثر إزعاجًا على كوكب الأرض، ألهمت أزمات المناخ والطاقة والصحة والغذاء -التي تفاقمت بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وتزايد عدم اليقين الاقتصادي– حكومات الدول وقادة الأعمال في منطقة الشرق الأوسط لاتخاذ إجراءات أكثر جرأة وتعزيز التزاماتهم تجاه المجتمع.

يتم حشد الشراكات الدولية لمساعدة الدول النامية والدول منخفضة الدخل على تحقيق انتقال عادل للطاقة وبناء أنظمة غذائية أكثر مرونة عن طريق الأدوات المالية الفعالة، وعلى رأسها، السندات الخضراء التي تدعم التحول نحو الاقتصاد النظيف في المنطقة ومواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية المعقدة.

كشف تقرير شركة بوسطن كونسلتينغ Boston Consulting، ارتفاع معدل إصدار السندات الخضراء من جانب حكومات الشرق الأوسط في عام 2020 إلى97% من إجمالي السندات المطروحة، مقارنة مع 13% قبل 4 سنوات.

وأشار التقرير إلى أن السندات الخضراء نمت بنسبة 38% في الفترة بين 2016-2020.

نمو متسارع

شهد إصدار صكوك الاستدانة الخضراء والمستدامة نموًا متسارعًا في منطقة الشرق الأوسط، رغم النقص النسبي في تنظيم الأدوات المالية الخضراء، بحسب تقرير شركة بوسطن كونسلتينغ (BCG).

وأشار تقرير شركة الاستشارات الأميركية، إلى أن إجمالي إصدار الديون المرتبطة بالاستدامة في المنطقة شهد ارتفاعًا بأكثر من 4 مرات خلال عام 2021 مقارنة بعام 2020.

قفز طلب المستثمرين على التمويل المرتبط بالحوكمة البيئية، وازداد الاهتمام في منطقة الخليج والشرق الأوسط على نطاق أوسع، لكن لا تزال هناك مخاوف بشأن تخصيص أموال لمنطقة لا تزال تعتمد بشدة على عائدات الهيدروكربون.

نماذج متقدمة

تمكن صندوق الاستثمارات العامة السعودي، في أكتوبر/تشرين الثاني، من تجميع 3 مليارات دولار من طرح أول سنداته الخضراء الدولية، ضمن برنامجه لإصدار أدوات الدين.

وخلال الشهر ذاته جمع بنك أبوظبي الأول، أكبر بنك في الإمارات، 700 مليون دولار من طرح سندات خضراء لأجل 5 سنوات بسعر 125 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأميركية.

وأصبحت مصر، أول مُصدر في المنطقة للسندات الخضراء السيادية عام 2020، كما تستكشف العديد من الحكومات الأخرى والكيانات طرح المزيد من الديون الخضراء.

انضم العديد من منظمي الخدمات المالية في منطقة الشرق الأوسط بالفعل إلى شبكة تخضير النظام المالي (NGFS) -وهي اتحاد للبنوك المركزية والمشرفين لتنسيق الجهود وتبادل أفضل الممارسات بين المنظمين- بما في ذلك هيئة تنظيم الخدمات المالية في أبو ظبي، وهيئة دبي للخدمات المالية، وهيئة الرقابة المالية في مصر، والبنوك المركزية في مصر والأردن ولبنان والمغرب، وتونس.

اللوائح التنظيمية

سلّط التقرير الذي حمل عنوان "التمويل الأخضر لشرق أوسط خالٍ من الانبعاثات" الضوء على أن "اللوائح التنظيمية في معظم دول الشرق الأوسط ليست قوية بما يكفي لإجبار البنوك على اتخاذ إجراءات فورية بشأن دعم قضايا المناخ".

أوضحت كونسلتينغ في تقريرها، أن البنوك الأكبر في البلدان المصدرة للوقود الأحفوري "عادةً ما تكون أكثر احتكاكًا وتعرضًا لصناعة النفط والغاز والقطاعات الاقتصادية الأخرى ذات الانبعاثات العالية، مثل النقل والبناء والبنية التحتية والشحن".

وذكر التقرير أن هناك حاجة إلى رأس مال صبور وعالي المخاطر للاستثمار في القطاعات التي تعتمد في مساراتها لإزالة الكربون على التقنيات التي ما تزال في المراحل الأولى من التطوير، مثل الحديد والصلب والنقل البري الثقيل والشحن.

قالت المديرة المفوّضة والشريكة في بوسطن كونسلتينغ، شيلي ترينش، إن القطاع المصرفي في الشرق الأوسط يتمتع بفرصة الاستفادة بشكل كبير من تمويل مسار تحول صناعة النفط والغاز وغيرها من القطاعات ذات الأهمية الاستراتيجية إلى اعتماد تقنيات أنظف وأكثر استدامة.

وأضافت ترينش، التي شاركت في كتابة التقرير: "يمكن للجهات التنظيمية وواضعي السياسات مواجهة هذا التحدي من خلال تحديد أسعار الكربون التي تمثل بشكل مناسب تكلفة الغازات الدفيئة، وخلق حوافز مالية وحوافز أخرى لدعم جهود إزالة الكربون".

وقدّم تقرير بوسطن كونسلتينغ عدة توصيات لبنوك وصناديق التنمية في المنطقة لدعم الاستثمارات الخضراء، بما في ذلك توفير التمويل للمشاريع الخضراء غير القابلة للتمويل من جانب البنوك مع عائدات معدلة أقل مخاطر أو مخاطر استثمارية أعلى، وتعزيز استثمارات رأس المال الخاص في المشاريع الخضراء، من خلال تحسين عوائدها المعدلة حسب المخاطر باستخدام الأدوات المختلفة لتخفيف المخاطر.

كما طالب التقرير بتسخير الخبرات لتقديم الدعم والمشورة لواضعي السياسات والهيئات التنظيمية فيما يتعلق بالإصلاحات اللازمة لتوسيع نطاق تمويل مشاريع التصدي للتغير المناخي.