logo
اقتصاد

الليبيون في طوابير سحب الأموال مجدداً.. والحل مرهون بالاستقرار السياسي

شحنات نقدية وسياسات جديدة.. هل تنجح ليبيا في إنهاء أزمة السيولة؟

انتشار ثقافة الدفع الإلكتروني يحد من تفاقم مشكلة البحث عن «الكاش»

الليبيون في طوابير سحب الأموال مجدداً.. والحل مرهون بالاستقرار السياسي
صراف يعد النقود في أحد البنوك بمدينة مصراتة الساحلية غربي ليبيا في 25 أغسطس 2024المصدر: (أ ف ب)
تاريخ النشر:31 يوليو 2025, 03:06 ص

تعود أزمة السيولة النقدية في ليبيا إلى الواجهة من جديد، رغم الإجراءات المستمرة التي ينفذها مصرف ليبيا المركزي، من بينها إرسال شحنات مالية إلى المدن وتعديل نسب الاحتياطي الإلزامي.

وبينما يشهد المواطنون طوابير أمام آلات السحب، يرى خبراء أن الحلول تبقى مرهونة بإنهاء الانقسام السياسي وإعادة الثقة بالنظام المصرفي.

ويعتقد خبراء مال واقتصاد في ليبيا، تحدثوا لـ«إرم بزنس»، أن تلك الأزمة بدأت تخف حدتها مع إجراءات المصرف المركزي، مرجحين قدرته على احتواء تلك الأزمة شريطة عدة أمور، بينها إنهاء الأزمة السياسية في البلاد للوصول إلى حلول نهائية بشأنها.

وتحدثت وسائل إعلام ليبية، على مدار الأيام الماضية، عن دفع مصرف ليبيا المركزي بشحنات مالية لعدة مدن لدعم خزائن فروعها لتعزيز السيولة النقدية في بلد يشكل فيه موظفو القطاع الحكومي حصة الأسد من السكان العاملين في ليبيا (2.3 مليون من أصل 2.6 مليون).

ووفق المصادر ذاتها، فإن مصرف ليبيا المركزي «أرسل شحنة مالية إلى مدينة سبها بقيمة 100 مليون دينار، وكذلك شحنة أخرى إلى بنغازي ضمن خطة شاملة تهدف إلى تعزيز توفر السيولة النقدية في مختلف المدن الليبية، وتخفيف أزمة النقد التي تعاني منها بعض المناطق».

أخبار ذات صلة

«مصرف ليبيا المركزي» يمنح تراخيص مزاولة نهائية لـ52 شركة صرافة

«مصرف ليبيا المركزي» يمنح تراخيص مزاولة نهائية لـ52 شركة صرافة

أسباب عودة الأزمة

عضو لجنة السياسة النقدية في المصرف المركزي، أستاذ الاقتصاد في جامعة بنغازي، أيوب الفارسي، قال لـ«إرم بزنس» إن «مشكلة السيولة قديمة حديثة وخفت حدتها في السنوات الأخيرة، بسبب انتشار وزيادة الدفع الإلكتروني، ما قلل الطلب على السيولة النقدية، وهو أمر شهد قفزة كبيرة خصوصاً مع الإدارة الجديدة للمصرف المركزي، إذ أصبح هناك اعتماد كبير جداً من المواطنين على وسائل الدفع الإلكتروني»، مؤكداً قدرة المصرف الليبي على مواجهة تلك الأزمة.

وفي أبريل الماضي، تسلم مصرف ليبيا المركزي شحنة جديدة من العملات النقدية ضمن 15 مليار دينار سيتم توريدها لتوفير السيولة للمصارف في جميع المدن، بعد أن عمم على المصارف التجارية قراراً بشأن تعديل نسبة السيولة المطلوب الاحتفاظ بها، ليجب على كل مصرف أن يحتفظ بأصول سائلة لا تقل عن 35% من مجموع خصومه الإيداعية، وفق ما أوردته وكالة الأنباء الليبية.

وعن أساس مشكلة نقص السيولة، أوضح الفارسي أنها «بدأت مع إغلاقات الموانئ النفطية، فأصبح هناك قطع في الدائرة النقدية، لأن واردات النفط تعطى بشكل اعتمادات وبيع للنقد الأجنبي، تدخل مقابلها العملة المحلية في القطاع المصرفي، ومع إيقاف النفط تُوقف هذه الدائرة، وأصبح هناك خروج للأموال بالعملة المحلية ولا تعود مرة أخرى».

ومنذ عام 2011، تُعاني ليبيا ظاهرة إغلاق حقول النفط على نحو مُتكرر، لأسبابٍ مختلفة، بدءاً من الاحتجاجات العمالية وصولاً إلى الصراعات السياسية، ووفقاً للبنك المركزي الليبي، فقد تسببت هذه الإغلاقات بخسائر تجاوزت قيمتها 100 مليار دولار.

كذلك، فإن «عدم وجود بديل إسلامي لقانون منع الفوائد الربوية»، بحسب الفارسي، «أفقد الناس الحافز لإيداع أموالهم لعدم حصولهم على فوائد، وبالتالي فرغت المصارف من السيولة النقدية وأصبحت هناك مشكلة في إدارة النقد في ليبيا بهذه الطريقة».

ويرى الفارسي أن «أزمة السيولة تعود من حين لآخر بسبب عدم وجود الحافز لإيداع الأموال في القطاع المصرفي، لذلك فعل المصرف المركزي بالأحرى شهادات الإيداع المضاربة رغم أن هامشها ليس أعلى من هامش العملة الأجنبية، التي تسيطر على السوق في ليبيا وبالتالي أصبحت المشكلة تظهر من حين لآخر ولكن أقل حدة».

وأوضح عضو لجنة السياسة النقدية في المصرف المركزي، الدكتور أيوب الفارسي، أن «العملة الحديثة التي ترسل الآن شاحناتها لبنغازي وكل المدن الليبية والجنوب هي الطبعة الجديدة التي ستحل محل فئة العشرين التي تسحب كلياً من السوق، بعد سحب فئة الخمسين، وهناك حاجة لهذا الضخ؛ لأن هناك مستهدفاً لضخ 22 مليار دينار من عملة الـ20 ديناراً».

ونبّه إلى أن تلك الشحنات المالية «بهذه العملة، لتغذية المصارف لإحلالها محل القديمة وبالتالي تحل مشكلتين في إطار حل مشكلة السيولة، وكذلك لاستبدال العملة التي تقرر سحبها من الاقتصاد الليبي».

وكشف مصرف ليبيا المركزي في طرابلس، في بيان، نهاية يونيو الماضي، وجود عملة مطبوعة خارج سلطته وسلطة بنك بنغازي، تُقدّر بأكثر من 3 مليارات دينار ليبي (أكثر من 554 مليون دولار) من فئة 50 ديناراً، موضحاً أن ذلك يُشكّل «استيلاء غير مشروع تسبب بضرر جسيم للاقتصاد الوطني». معلنا سحب تلك الأوراق النقدية.

وقرر المصرف أيضاً سحب فئة 20 ديناراً من الإصدارين «واستبدالها بعملة أكثر أماناً»، موضحاً أن قرار السحب جاء «تخوّفاً من وجود كميات مطبوعة من هذه الفئة (20 ديناراً) خارج مصرف ليبيا المركزي»، وتم تحديد يوم 30 سبتمبر 2025 آخر موعد لتداولها، «للمحافظة على هيكلة العملة وقوتها».

أخبار ذات صلة

ليبيا تطلق خدمة إلكترونية جديدة لتوفير النقد الأجنبي للشركات

ليبيا تطلق خدمة إلكترونية جديدة لتوفير النقد الأجنبي للشركات

أزمة وحلول

يرى رئيس منتدى بنغازي للتطوير الاقتصادي والتنمية، المحلل الاقتصادي خالد بوزعكوك، في حديث لـ«إرم بزنس»، أن أزمة نقص السيولة لها أسباب وحلول.

وأهم أسباب أزمة السيولة الحالية في البلاد، بحسب الخبير الاقتصادي الليبي، تعود إلى «انعدام ثقة العملاء في المصارف، لأن العلاقة بين المودعين والجهاز المصرفي مبنية أساسًا على الثقة بين الطرفين، فضلاً عن هشاشة الوضع الأمني، وحالة الانقسام السياسي والمؤسسي، بخلاف ضعف الرقابة، كما أن استباحة المال العام في تزايد مستمر؛ فقد وصلت لأكثر من 176حالة تعدٍ، وقدّرت المبالغ المختلسة في بعض الحالات بأكثر  من 300 مليون دينار، كما تشير التقارير الأولية».

وتتمثل الحلول في «تعزيز الثقة بين المودعين والمصارف بحملات إعلانية كبيرة، واحترام كبار العملاء والحفاظ على سرية المعلومات وبيانات العملاء وأرصدتهم ومعاملاتهم المالية، وعدم تداولها خارج الجهاز المصرفي، وتعزيز الدفع الإلكتروني وتوفير البنية التحتية الداعمة لذلك، بجانب توفير شبكة اتصالات جيدة وعدم انقطاع الكهرباء»، معتقداً أن مصرف ليبيا المركزي قادر بإجراءاته مع المصارف على احتواء أزمة السيولة.

«زيرو كاش»

وعن تأثر المستثمرين بأزمة السيولة، قال المستثمر الليبي، حسني بي، في حديث لـ«إرم بزنس» : «نحن لا نعاني منها، إذ إن 90% من مبيعاتنا حوالات مصرفية وصكوك ودفع إلكتروني، وكل ما تبقى من تسويات نقدية لا تتعدى 10%، والإدارة لدينا تبحث بجدية منع التعامل النقدي والوصول إلى زيرو كاش».

ويعد «بي» أن «المواطنين وليس المستثمرين ضحايا لأزمة نقص السيولة التي تأتي نتيجة تمويل نقدي غير تقليدي لعجز الميزانية من خلال قيود افتراضية لأموال غير موجودة بالأساس، بدلاً من طباعة النقود الجديدة لتمويل العجز نقدياً»، مشيراً إلى أن «أزمة السيولة نتيجة خلل في واقع القاعدة النقدية دون غيرها».

والقاعدة النقدية تشير إلى كمية النقد المتداول خارج البنوك، بالإضافة إلى أرصدة البنوك التجارية لدى المصرف المركزي، بما في ذلك الاحتياطي الإلزامي والإضافي، وهي مقياس للسيولة النقدية في الاقتصاد الليبي.

وأوضح أن «القاعدة النقدية تمثل مديونية المصارف المركزية للقطاع المصرفي عامة والجمهور خاصة، ومديونية المركزي للمصارف التجارية يفترض ألا تتعدى الاحتياطي القانوني أو 30% من الأرصدة الإيداعية، إلا أنه في ليبيا تعدت ذلك من خلال احتياطي إضافي ليقارب الـ50% من الخصوم الايداعية»، لافتاً إلى أنه «يفترض أن الاحتياطي القانوني في 31 مارس الماضي كان يجب ألا يتعدى 30.6 مليار دينار ليبي، إلا أنه تجاوز الـ 49 ملياراً».

وأضاف: «ببساطة، كلما ارتفعت الفجوة بين الاحتياطي القانوني والإضافي، انخفضت النقود الكاش بالتداول»، مضيفاً: «للعلم عرض النقود يمثل النقود الواجب تداولها بالاقتصاد، لذلك قيدها أو ارتفاع الاحتياطي الإضافي عما هو مفترض ينتج عنه نقص سيولة بالتداول».

وأشار بي إلى أن «العلاج يكمن في إعادة هيكلة مكونات القاعدة النقدية»، مشدداً على أنه «لا يمكن أن تعود ثقة الشعب بالمصارف التجارية إلا بعد توفر النقود».

وفي 15 يوليو الجاري، دعا مصرف ليبيا المركزي، عبر بيان، شركات الصرافة لاجتماع يوم 3 أغسطس؛ للاتفاق على آلية تغذية حساباتها بالعملة الصعبة.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC