في قاعة محكمة هادئة في أبوظبي، شهد القضاء الإماراتي واحدة من أكبر تسويات الطلاق المدني في تاريخه، وفي المنطقة بأسرها. زوجان أجنبيان، عقدا قرانهما سابقاً في المملكة المتحدة، اختارا إنهاء علاقتهما الزوجية بعيداً عن المحاكم الغربية، وسلكا طريقاً قانونياً جديداً في الشرق الأوسط، بقيمة تسوية تجاوزت 100 مليون درهم (نحو 27 مليون دولار).
اللافت أن القضية لم تُسجل فقط كأكبر تسوية طلاق مدني في أبوظبي، بل كمؤشر فعلي على تحوّل نوعي تشهده إمارة أبوظبي في التعامل مع قضايا الأحوال الشخصية للأجانب، بعد أن أقرّت قانون الزواج المدني، الأول من نوعه في المنطقة، والذي يوفر مظلة قانونية علمانية تواكب المعايير الغربية في بيئة قانونية عربية.
لم تقتصر التسهيلات على الإطار القانوني فقط، بل امتدت لتشمل اللغة والإجراءات، فالزوجان تمكّنا من تسجيل الدعوى والبت فيها باللغة الإنجليزية إلى جانب العربية، داخل محكمة الأسرة المدنية التابعة لدائرة القضاء في أبوظبي، والتي تضم فريقاً قانونياً متخصصاً من المحامين المحليين والدوليين، بينهم خبراء بريطانيون في قوانين الأحوال الشخصية.
هذا الدمج بين اللغتين والنُظم القانونية المختلفة، يعكس توجهاً استراتيجياً لتسهيل نفاذ العدالة للأجانب المقيمين في الإمارة، خاصة في ما يتعلق بمسائل حساسة كحقوق ما بعد الطلاق، وتقسيم الأصول، والنفقة، والوصاية.
القضية قُيّدت كـ(طلاق مدني بلا ضرر)، أي من دون توجيه اتهامات أو ادعاءات من أي طرف، وبهذه الصيغة، توصل الزوجان إلى تسوية مالية ضخمة تشمل الحقوق الناتجة عن الطلاق، بالتعاون مع أحد مكاتب المحاماة البريطانية المتخصصة، في خطوة عكست مرونة القانون الإماراتي الجديد واستعداده لمعالجة الحالات المعقدة وفقاً للمعايير الدولية.
مع هذا النوع من القضايا، تبدو أبوظبي في طريقها لترسيخ مكانتها كمركز قانوني إقليمي ودولي للأحوال الشخصية للأجانب، لا سيما مع تزايد عدد المقيمين من جنسيات مختلفة في الدولة، النموذج الذي تقدمه محاكم الأسرة المدنية في الإمارة، بلغة القانون الدولي، وبإجراءات تتماشى مع الأنظمة الغربية، بات خياراً واقعياً ومُفضّلاً للكثير من الوافدين الباحثين عن حلول قانونية تحترم خصوصياتهم الثقافية والتعاقدية.
في الوقت الذي كانت فيه المنطقة تعتمد لسنوات طويلة على التشريعات التقليدية للفصل في قضايا الطلاق، تقدم أبوظبي اليوم نموذجاً جديداً: مدنياً، ومتقدّماً، ومصمماً ليمنح كل طرف حقه.