مع تعثر اقتصاد الصين.. هل تتخلى أفريقيا عن التنين؟
مع قروض صينية بلغت نحو 135 مليار دولار أميركي خلال 18 عاما، وشراكات تجارية وتنموية واستثمارات هائلة في مشاريع البنية التحتية، ارتبط معدل نمو اقتصاد دول أفريقيا جنوب الصحراء، بنمو الاقتصاد الصيني، بحيث تتحول متاعب بكين الاقتصادية، إلى أوجاع لاقتصادات هذه الدول الفقيرة.
وأسست الصين علاقات اقتصادية عميقة مع دول أفريقيا جنوب الصحراء في العقدين الماضيين، مما يجعلها أكبر شريك تجاري منفرد في المنطقة، وتشتري الصين خُمس صادرات المنطقة من المعادن والوقود، وفي المقابل، توفر أغلب السلع المصنعة والآلات التي تستوردها البلدان الأفريقية، وفقا للموقع الرسمي لصندوق النقد الدولي.
ارتباط وثيق
ويقول صندوق النقد الدولي إن انخفاض معدل النمو في الصين بمقدار نقطة مئوية واحدة من الممكن أن يؤدي إلى انخفاض متوسط النمو في أفريقيا بنحو 0.25 نقطة مئوية في غضون عام واحد. وأضاف أنه بالنسبة للبلدان المصدرة للنفط، مثل أنجولا ونيجيريا، فقد تصل الخسارة إلى 0.5 نقطة مئوية في المتوسط.
وأوضح الصندوق أن التأثيرات المتتابعة لتباطؤ الاقتصاد الصيني تمتد إلى الإقراض السيادي لدول أفريقيا جنوب الصحراء، والذي انخفض إلى أقل من مليار دولار في العام الماضي، وهو أدنى مستوى منذ ما يقرب من عقدين من الزمن. ويمثل هذا التراجع تحولا بعيدا عن تمويل البنية التحتية الكبيرة، حيث تعاني العديد من البلدان الأفريقية من تصاعد الدين العام.
ووفقا للصندوق، ارتفعت القروض الصينية للمنطقة بسرعة في العقد الأول من القرن الحالي، حيث قفزت حصة بكين من إجمالي الدين العام الخارجي لدول المنطقة من أقل من 2% قبل عام 2005 إلى 17% بحلول عام 2021، (نحو 134 مليار دولار)، ما يجعل الصين أكبر مقرض رسمي ثنائي لدول المنطقة.
تراجع النمو
ويقول الخبير الاقتصادي، الدكتور وليد جاب الله، في حديث لـ"إرم الاقتصادية"، إن "التقديرات تشير إلى تمويلات بنحو 23 مليار دولار أميركي قدمتها البنوك الصينية لمشروعات البنية التحتية في دول أفريقيا جنوب الصحراء في الفترة من 2007 إلى 2020".
وأضاف أن ذلك "يتجاوز ضعفي القروض التي قدمتها بنوك مماثلة في الولايات المتحدة وألمانيا واليابان وفرنسا مجتمعة لتلك الدول، فضلا عن حجم تبادل تجاري هائل بين الصين وأفريقيا بصورة تجعلها الشريك التنموي الرئيس لتلك الدول".
وأردف: "هذه العوامل تجعل معدل نمو الاقتصاد الصيني يؤثر إيجابا وسلبا على تلك الدول، ومن الطبيعي أن يرتبط تراجع الاقتصاد الصيني بتراجع موازٍ لدول منطقة جنوب الصحراء". لكن جاب الله لفت إلى أن "تراجع معدلات النمو في هذه المرحلة ليس قاصرا على الصين وحدها، لكنه يضرب الاقتصاد العالمي بالكامل".
وأوضح الخبير الاقتصادي أن "الرهان الأفريقي على الصين يظل المسار الحتمي في ظل التعسف الشديد في اشتراطات التمويل الغربي، لذا تظل الصين هي الجهة الأكثر مرونة مع الدول الأفريقية في مجال تمويل مشاريع التنمية".
ولفت إلى أن "الإدارة الاقتصادية الصينية تتعامل بواقعية مع التطورات العالمية في هذه المرحلة، وهي مصممة على المضي في مشروعها التنموي رغم التحديات".
متاعب صينية
ويعاني الاقتصادي الصيني من ظروف غير مواتية في الفترة الأخيرة، مع تباطؤ التعافي من تداعيات وباء كورونا، وتفاقم متاعب قطاع العقارات الذي شكل لسنوات قاطرة للنمو في البلاد، هذا بالتزامن مع ضعف الطلب على سلع الصين المصنعة في ظل تباطؤ النمو العالمي.
ومن المتوقع أن تتباطأ معدلات نمو الاقتصادات المتقدمة من 2.6% في عام 2022 إلى 1.5% في عام 2023، و1.4% في عام 2024. وسجلت الصين نموًا بنسبة 4.9% في الربع من يوليو إلى سبتمبر مقارنة بالعام السابق، وفقًا لبيان صادر عن المكتب الوطني الصيني للإحصاء.
ووفقا لصندوق النقد الدولي، تشير التوقعات الأساسية إلى تباطؤ النمو العالمي من 3.5% في عام 2022 إلى 3.0% في عام 2023، و2.9% في عام 2024، وهو أقل بكثير من المتوسط التاريخي (2000-2019) البالغ 3.8%.
خطوات للتكيف
وللخروج من المأزق، أشار صندوق النقد الدولي إلى أن بلدان أفريقيا جنوب الصحراء ستحتاج إلى التكيف مع تباطؤ النمو في الصين من خلال بناء القدرة على الصمود، ويمكن تفعيل هذه القدرة من خلال زيادة التجارة بين البلدان الأفريقية وإعادة بناء الهوامش الوقائية، بما في ذلك إصلاح السياسة الضريبية وتحسين إدارة الإيرادات.
ولفت الصندوق إلى أن الجهود المبذولة لتنويع الاقتصادات الأفريقية أمر حيوي للحفاظ على النمو في المستقبل، فعلى سبيل المثال؛ الطلب القوي على العناصر والمعادن التي تدعم تطوير الطاقة المتجددة يمكن أن يوفر فرصة للبلدان لإقامة علاقات تجارية جديدة، وتطوير المزيد من قدرات المعالجة المحلية.
كما يمكن لبلدان أفريقيا جنوب الصحراء أن تعمل على تحسين قدرتها التنافسية من خلال خلق بيئة أعمال مواتية، والاستثمار في البنية الأساسية، وتعميق الأسواق المالية المحلية، وفق الصندوق.