تزخر جزر الكاريبي الخلابة مواقع سياحية نادرة ، حيث الشواطئ الرملية الناعمة والمياه زرقاء الصافية التي تلامس الأفق .لكن وراء هذا الجمال الطبيعي، هناك قصة أخرى لم تظهر للعيان، قصة اقتصاد قائم على مفهوم جديد: الاستثمار مقابل الجنسية.
يُقدّر حجم قطاع الاستثمار للحصول على الجنسية بحوالي 3 مليارات دولار سنوياً على مستوى العالم، وهو رقم مذهل يعكس الأهمية المتزايدة لهذا النوع من البرامج في تعزيز الاقتصادات، خاصة في المناطق الصغيرة مثل الكاريبي.
ومن المتوقع أن يستمر هذا القطاع في النمو بوتيرة سريعة تصل إلى 23% سنوياً، مما قد يدفع بالقيمة الإجمالية للسوق إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2025 إذا استمرت هذه المعدلات في الارتفاع، وفقاً لتقديرات (Investment Migration Insider).
تبنت الدول النامية في منطقة الكاريبي استراتيجيات مبتكرة لتعزيز اقتصادها، ففي بيئة تعتمد بشكل كبير على السياحة كمصدر رئيسي للدخل، أصبحت برامج الجنسية عن طريق الاستثمار أداة حيوية لتحفيز النمو الاقتصادي وتحقيق التغيير الاجتماعي والاقتصادي.
اعتمدت الدول الصغيرة مثل أنتيغوا وبربودا، دومينيكا، غرينادا، سانت كيتس ونيفيس، وسانت لوسيا، بشكل كبير على هذه البرامج كوسيلة لتحويل مكانتها الاقتصادية إلى الأفضل.
على سبيل المثال، في دومينيكا، كان برنامج الجنسية قائماً منذ التسعينيات، لكن بعد إعصار «ماريا» الذي ألحق دماراً كبيراً في البلاد، ازدادت أهمية البرنامج بشكل لافت، إذ تمكنت الحكومة من استخدام العائدات لإعادة بناء البنية التحتية وإصلاح الأضرار المدمرة التي لحقت بالدولة.
وصفت فرانسين بارون، وزيرة خارجية دومينيكا السابقة، الأموال التي تأتي من برامج التجنيس بأنها «المنقذ للبلاد»، بينما أكد إيرينغ ماكنتاير، وزير مالية دومينيكا، أن برامج الجنسية تعتبر شكلاً من أشكال التمويل الذاتي الذي يساعد البلاد على مواجهة تحديات تغير المناخ، بحسب ما نقلت صحيفة واشنطن بوست الأميركية.
ورغم أن هذه الدول رفعت الحد الأدنى للاستثمار إلى 200 ألف دولار للحصول على الجنسية مؤخراً، فإنها لا تزال تقدم واحدة من أقل البرامج تكلفة على مستوى العالم، مما يعزز من جاذبيتها للمستثمرين الأجانب. وقد أصبحت إيرادات هذه البرامج تشكل جزءاً مهماً من اقتصادات هذه الدول، حيث تمثل نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي و50% من الأموال النقدية المتاحة للحكومة.
تُوجه هذه العائدات لدعم مشاريع حكومية ومحلية مختلفة، بدءاً من تطوير البنية التحتية، مروراً بتنشيط القطاع العقاري، وصولاً إلى تمويل المشاريع التجارية، مما يساهم في تحسين حياة المواطنين المحليين.
بحسب روان السعدي، مدير التسويق في شركة ريسبكت المتخصصة ببرامج الجنسية، فإن هذه البرامج لا تقتصر فقط على توفير أموال للدول، بل تساهم أيضاً في تطوير كافة القطاعات الاقتصادية بطرق متعددة.
فيما يتعلق بتجديد جوازات السفر، فإن الشائعات التي تدور حول عدم تجديد جوازات بعض حاملي الجنسيات هي مجرد معلومات غير دقيقة. وفقاً لروان السعدي، فإن البرامج المعتمدة مثل برامج الكاريبي تُضمن حقوق الحاصلين على الجنسية بشكل قانوني، حيث يمكن تجديد جواز السفر بسهولة عبر السفارات أو المكاتب المعتمدة، بل وحتى يمكن نقل الجنسية للأطفال حديثي الولادة.
أما على صعيد القوانين الدولية، تختلف برامج الجنسية في الكاريبي عن بعض الدول الأوروبية التي قد تسحب الجواز إذا لم يثبت حامله ولاءه للبلد. فهذه الدول الكاريبية تدرك طبيعة المستثمر الذي يسعى للحصول على الجنسية لتسهيل السفر أو لتحسين جودة حياته، دون إلزامه بفترات إقامة أو شرط الولاء، مما يمنح شعوراً كبيراً بالحرية والاستقرار للمستثمرين.
وبالإضافة إلى مزايا حرية السفر بدون تأشيرة، يستفيد حاملو الجنسيات الكاريبية من منح دراسية وخصومات في دول الكومنولث، فضلاً عن الحماية السياسية في أوقات الأزمات عبر سفارات أو قنصليات الدول الكاريبية أو المملكة المتحدة.
ويتمتع هؤلاء المواطنون الجدد بكامل الحقوق باستثناء حق الترشح لرئاسة الوزراء أو التصويت في الانتخابات، مما يجعلهم جزءاً من نسيج المجتمع بشكل غير كامل ولكنه قوي ومؤثر.