واستفاد القطاع المصرفي الروسي من سياسات الدولة، التي دعمت قروض الرهن العقاري والصناعي، كما استفادت من قروض الشركات، التي كانت تشتري الأصول الغربية بسعر مخفض، بعد فرض الغرب العقوبات على موسكو.
فبعد أن سجلت البنوك الروسية انخفاضا بنسبة 90% بأرباحها العام 2022، عادت وسجّلت نتائج قياسية عام 2023، وارباحاً تبلغ قيمتها حوالي 3300 مليار روبل، أو ما يقرب من 35 مليار يورو، وفقاً لتقرير حديث صدر عن البنك المركزي الروسي.
وهذا تأكيد جديد على مرونة الاقتصاد الروسي في مواجهة العقوبات الأميركية والأوروبية، التي كان الهدف منها، بعد إطلاق الكرملين "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا في فبراير 2022، عزل موسكو عن النظام المالي الغربي.
وعلى غرار القطاع الصناعي، أعاد القطاع المصرفي الروسي، بعد أن أصبح مقطوعا عن شبكة المعاملات المالية الدولية "سويفت"، تنظيم نفسه ، وتحوّل إلى روابطه مع البلدان "الصديقة" كالصين والهند على وجه الخصوص، كما ساهم بقوة تغذية النمو في الداخل.
وفي العام الماضي، تم تقدير الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي الروسي بنحو 3.5%، ومن الممكن ان يتجاوز هذا العام 2.5%، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
فالبنوك الروسية تستفيد حالياً من مصدرين كي تنمو: القروض العقارية المدعومة من الحكومة، والقروض للشركات التي تحتاج إلى الاستثمار لزيادة الإنتاج الوطني، في مواجهة حظر الاستيراد من الغرب.
ويتم تنسيق هذين الاتجاهين وتغذيتهما إلى حد كبير، بفضل السياسات العامة الرامية إلى إنعاش الاقتصاد الذي، على الرغم من مرونته، يظل يعاني من مّعوقاته الهيكلية القديمة. وبالرغم من تضخم هذا الاقتصاد في مواجهة الجهود الحربية، فهو لا يزال يعتمد على المحروقات والدولة.
وتفسر بالدرجة الأولى القروض العقارية، بالإضافة إلى برنامج تعافٍ عام وسخي، أرباح البنوك عام 2023. وتمثل القروض المدعومة من الدولة، أكثر من نصف القروض العقارية الجديدة. وفي حين أن سعر الفائدة في البنك المركزي هو 16%، فإن أسعار الفائدة العامة في سوق الرهن العقاري، تبلغ حوالي 14%، لكن العروض المدعومة تبلغ 8% - وحتى 6% للعائلات الشابة.
أما عن النمو الذي تجاوز 20% في القروض التجارية في العام الماضي، فهو يأتي من مشاريع الاستثمار الصناعي الجديدة، التي تنفذها الشركات التي تحتاج إلى تحديث معداتها، لتحل محل الواردات الغربية المحظورة الآن، ولتمويل عملية إعادة تجهيزها.
والنمو يأتي أيضاً من سياسة الحكومة المشرفة على الأصول، التي تبيعها الشركات الغربية للروس . فهذه المبيعات، المرخصة من قبل لجنة مراقبة تابعة لوزارة المالية، يتم تنفيذها بالتأكيد، بخصم لا يقل عن 50% من القيمة. ولكن لا يزال يتعين على المشترين العثور على الأموال اللازمة لتمويلها، ومن هنا زيادة القروض المصرفية. أو نحو 500 مليار روبل قروضاً (أكثر من 5 مليارات يورو)، بحسب تقرير البنك المركزي لعام 2023.
فالقطاع المصرفي الروسي، الذي يتمتع بصحة جيدة، بفضل عملية إعادة الهيكلة التي نفذتها على نحو فعال لمدة عشر سنوات، رئيسة البنك المركزي المتكتمة والشهيرة إلفيرا نابيولينا، بدأ الآن في جمع الأموال من جديد.
كما أنها هي التي أطلقت منذ بداية الصراع في أوكرانيا، إجراءات طارئة في مواجهة الأزمة المالية وسقوط الروبل بعد العقوبات الغربية الأولى على موسكو، لإنقاذ العملة من الانهيار وروسيا من الانهيار الصناعي.
واليوم يبدو التضخم تحت السيطرة، ولكنه يبلغ نحو 8%، أي ضعف الهدف الأولي الذي حدده الكرملين. واستقرت العملة الوطنية، ولكن قيمتها انخفضت بشدة عند مستوى 100 روبل لليورو.