بعد تأخير لنحو 4 عقود من الزمن بين خطط تراوح مكانها وروتين الدراسات والأزمات السياسية والعسكرية، يترقب سكان العاصمة العراقية البالغ عددهم نحو 10 ملايين، وصول المترو لمحطة التنفيذ والانطلاق في ظل ازدحام يصطدم بنحو 50 عقدة مرورية تواجهها 3.5 إلى 4 ملايين مركبة.
خبراء عراقيون تحدثوا، لـ «إرم بزنس»، يعتقدون أن مترو بغداد أمامه فرص أكبر ليدخل محطة التنفيذ والانطلاق بخلاف العقود السابقة التي عرقلتها الحروب والأزمات والروتين الحكومي، متوقعين أن يحقق ذلك المترو تنمية عمرانية مع امتداده لمناطق على أطراف العاصمة، فضلاً عن ترشيد استخدام الوقود وتعظيم فرص تصدير المشتقات النفطية، وحل الازدحام المروري، وتيسير الانتقال إلى المناطق الحيوية، ولا سيما المطارات؛ مما يزيد إيرادات الدولة، ويوفر أعباء مالية على المواطنين.
مستشار رئيس الوزراء لشؤون النقل ناصر الأسدي، كشف في 27 يوليو الماضي، أن «مشروع مترو بغداد سيكون الأكبر في المنطقة، وسيحل من أزمة النقل بشكل كبير»، لافتا إلى أنه «سيغطي 85% من مناطق العاصمة خاصة جميع المناطق الدينية، والجامعات و7 وزارات ضمن هذه الخطوط، وملاعب كرة القدم والأسواق العامة وأسواق الجملة والأماكن السياحية والترفيه».
ووفق الأسدي «المشروع بخلاف أنه سيمر خلال 7 خطوط متقاطعة في ما بينها، سيكون هناك أيضاً عبور للأنهار في 3 مناطق لهذه المسارات ليصل عبر 64 محطة و4 مواقف للسيارات سعة كل موقف 10 آلاف سيارة».
ووفق تقدير الأسدي، الذي نقلته وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع) وقتها، فإن «العمل بالمشروع (سيكون) في شهر أغسطس القادم والسقف الزمني للمشروع هو 4 سنوات».
لكن خرج رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، في تصريحات بمناسبة مرور عامين على تشكيل الحكومة، في أواخر أكتوبر الماضي، وقال: «أعلنا عن مشروع مترو بغداد، ونتابع التفاوض مع الجهات القطاعية والشركة الاستشارية»، وفق ما نقلته «واع»، دون توضيح لسبب عدم العمل في أغسطس الماضي.
وعاد الأسدي، في 6 نوفمبر الجاري، معلنا بحسب «واع»، أنه «تم الانتهاء من تصميم مسارات مترو بغداد، ويقوم الاستشاري الحكومي حالياً بوضع المواصفات الخاصة بالخطوط والقطارات والمحطات، ولم يتبقَّ سوى الإجراءات الإدارية للبدء بالمشروع».
وكشف الأسدي أن «مسافة أطول خط في مترو العراق 37 كيلومتراً، بينما يصل أقصر خط إلى 9 كيلومترات، وسيغطي أغلب مناطق بغداد، مع قابلية المشروع للتوسع، وستكون كلفة تنفيذه بحدود 18 مليار دولار»، وفق المصدر ذاته.
وأكد الأسدي، في تصريحات لـ «واع»، في 13 نوفمبر الجاري أن «العمل مستمر بمشروع مترو بغداد، ويجري وفق الخطط الزمنية دون أي تأخير»، لافتاً إلى أنه «تم وضع مواصفات للمسارات والمحطات والقطارات الخاصة بمشروع مترو بغداد من خلال المستثمر الماليزي للمشروع والمواصفات وضعت تحت الإشراف العراقي».
وتتضمن المواصفات «نوع المحطات والعربات وأشكالها وطرق التشغيل والخدمات التي ستقدم وصيانة المحطات، وجميع تلك المواصفات ستعطى إلى المستثمر، وعلى أساسها يتم البدء بأعمال التصميم للمشروع»، مؤكدا أن «العمل يجري وفق الخطط الزمنية الموضوعة دون أي تأخير».
عقود من التأخيرات كانت مرتبطة بذلك المشروع الذي من المقرر أن تصل قدرته الاستيعابية إلى 3 ملايين راكب يومياً، وطُرح لأول مرة في عهد نظام الرئيس الأسبق صدام حسين، وكان من المفترض أن يكون جاهزاً للاختبار بحلول عام 1986، إلا أن الحرب العراقية-الإيرانية (1980ـ 1988) حالت دون ذلك، وفق معلومات نقلتها صحيفة «السومرية» المحلية.
وعاد المشروع للظهور في 2006، مع إحالته من وزارة النقل العراقية إلى شركة ألمانية لينفذ خلال 4 سنوات، وبعد عامين وفي 2008، أعادت العاصمة بغداد، عبر بيان الحديث عن خطط لإنشاء مترو، وأنه تم تخصيص مبلغ من أجل دراسة جدوى للمشروع ضمن موازنة العام المقبل، وفي 2010، أعلنت التعاقد مع شركة فرنسية من أجل إعداد المتطلبات الخاصة بالمشروع، بحسب المصدر ذاته.
وتجدد الحديث في 2011، عن توقيع بغداد مذكرة تفاهم مع شركة فرنسية، لإنجاز مشروع مترو العاصمة خلال عامين، بقرض حكومي فرنسي، وبعد 5 أعوام وتحديدا في 2016، ناقشت الحكومة العراقية الأمر ذاته مع الشركة ذاتها، دون أن تترجم الأحاديث لواقع.
وخلال 2013، و2017، و2020، انتقلت بغداد لمحادثات بشأن مشروع آخر هو القطار المعلق بالعاصمة، دون جدوى أيضا، قبل أن تعود الحكومة في عهد مصطفى الكاظمي، عام 2022 وتؤكد ضرورة البدء بمشروع مترو بغداد، وسمت شركتين إحداهما فرنسية والأخرى كورية لتنفيذ المشروع، ولم تر الخطوات النور، وكررت الحكومة الحالية المساعي مع زيادة عدد السكان والشكاوى من الازدحام المروري، وفق الصحيفة العراقية.
الخبير الاقتصادي العراقي ومدير المركز العالمي للدراسات التنموية بالمملكة المتحدة، صادق الركابي، في حديث، لـ «إرم بزنس»، يرجع تأخر تنفيذ مشروع مترو بغداد إلى «عدة عوامل مرتبطة بصعوبات اقتصادية وعدم توافر البيئة المناسبة بينها تراجع أسعار النفط في مرحلة من المراحل، وتداعيات الحروب التي خاضها العراق، وعدم قدرة موازنات البلاد السابقة على تمويل المشاريع الكبيرة بجانب البيروقراطية وتعقيدات إدارية ساهمت في عرقلة جذب المستثمرين والشركات الأجنبية».
ويضاف لعوامل التأخير مرور العاصمة بغداد والعراق بشكل عام، بسنوات من الإرهاب فضلاً عن ثورات واحتجاجات، بجانب عدم توافر قطاع خاص عراقي لديه القدرة المالية والخبرة الكافية لتقديم مثل هذه المشاري، وفق الركابي.
ثلاثية مماثلة يراها الخبير الاقتصادي العراقي، صفوان قصي في حديث، لـ «إرم بزنس»، وراء تأخير مشروع مترو بغداد، قائلاً: «المشروع كانت بدايته في 1986، وكانت فلسفة النظام السابق والحالي كانت تعتمد على تنفيذ هذا المشروع على موازنة الدولة ونتيجة الحروب والحصار (الاقتصادي العالمي) ومكافحة الإرهاب تأخر تنفيذ هذا المشروع».
وحال المضي في تنفيذ مشروع مترو بغداد، فإنه بحسب صادق الركابي، ينتظر أن ترى العاصمة العراقية، «أثراً إيجابياً كبيراً تحديداً في تخفيف الزحام المروري وتوفير أعباء مالية على المواطنين وإيرادات للدولة، وتحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية في المناطق التي سيمر بها مع يخلقه من شبكة نقل متطورة، بجانب خلق فرص عمل جديدة في قطاعات البناء والصيانة؛ مما يخفض من معدلات البطالة، فضلاً عن تحسين جودة الهواء مع تقليل ركوب السيارات، ويقلل من تأخر الموظفين لأسباب مرتبطة بالزحام، ويزيد من قدراتهم على الإنجاز».
كما سيكون ذلك المشروع حال تنفيذه بكفاءة نواة لنجاحات في قطاع النقل بالمستقبل، ويكون ضمانة لاقتصاد مستدام وتنمية مستدامة وتطوير متواصل للبنية التحتية، وفق الركابي، الذي يعتقد أنه «مع توفر دراسات الجدوى وإعداد مسارات الخطوط حالياً سيتحول المترو من «حلم لواقع وحقيقة».
وباعتقاد الخبير الاقتصادي العراقي، صفوان قصي، فإن العائد الاقتصادي جراء بدء تنفيذ المترو، «مجز خاصة والعاصمة بغداد يسكنها فيما لا يقل عن 10 ملايين نسمة، وسيكون هناك فرص استثمارية عديدة على طول خطوطه»، لافتاً إلى أن «المترو انتهى من مرحلة التصميمات وهناك جهود حالية للحصول على مستثمرين وتقييم العروض الاستثمارية وبدء التنفيذ».
ويضيف الخبير الاقتصادي العراقي، صفون قصي، لهذا العائد، فرصاً عديدة منها تنمية عمرانية وتوفير مشتقات نفطية، قائلاً: «حسب المعلومات فمترو بغداد سيستقله نحو 1.5 مليون راكب يومياً، بتكلفة واحد دولار في نحو 20 دقيقة، مع محاولة الحكومة لإنشاء تجمعات سكنية على أطراف بغداد سيسر المترو الوصول إليها؛ مما يحقق تنمية وتوسعاً عمرانياً وإعادة توزيع الكثافة السكانية، ومعه سيشهد سوق العقارات بالعاصمة تراجعاً من حيث الأسعار وزيادة على الأطراف».
كما سيساعد مترو بغداد، وفق قصي، على التوفير في وقود السيارات ومساعدة العراق على أن يكون لاعباً في تصدير المشتقات النفطية خاصة مع استهلاك العراق لنحو 7 ملايين لتر بنزين يومياً، بخلاف حلحلة الاختناقات المرورية اليومية.
ويتوقع حال نجاح تجربة مترو بغداد أن تعمم على باقي المحافظات، مرجحاً أن يكتمل المترو بشكل نهائي في عام 2028، على أن يشهد خلال الأعوام التالية افتتاحات ليست نهائية لمحطات رئيسة به.