ليتوانيا تخطط لتعزيز شراكاتها مع الخليج في التكنولوجيا والسياحة
في ظل المتغيرات الجيوسياسية المتسارعة وتنامي التحديات الأمنية على حدود أوروبا الشرقية، يشهد الاتحاد الأوروبي تحولًا كبيراً في أولوياته الاقتصادية، يتجسد في ارتفاع غير مسبوق في الإنفاق الدفاعي؛ ما يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل النموذج الاقتصادي الأوروبي، ومدى قدرة دوله على المواءمة بين تعزيز القدرات الدفاعية ومواصلة مسارات الابتكار والتحول الأخضر.
التقت «إرم بزنس» وزير الاقتصاد الليتواني لوكاس سافيكاس لبحث رؤية بلاده في التعامل مع هذه التحوّلات وتداعياتها على الاقتصاد الأوروبي.
تناول سافيكاس في حديثه مع «إرم بزنس» تأثير تصاعد الإنفاق الدفاعي الأوروبي على النموذج الاقتصادي، مسلطاً الضوء على الدور الريادي لليتوانيا في بناء منظومة صناعات دفاعية إقليمية متكاملة.
وقال: «الأمر مهمّ لليتوانيا ولمنطقتنا كذلك، فإنّ ما يحدث في هذه اللحظة بالذات غير مسبوق، إذ نشهد عملية صنع قرار واضحة تماماً بشأن ما يجري في جوارنا. ومن المهمّ جداً القول إنّ ليتوانيا، جنباً إلى جنب مع دول الجوار الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل بولندا، وسائر دول البلطيق، قد اتّخذت بالفعل قراراتٍ غير مسبوقة بإنفاق مبالغ كبيرة يُتوقَّع أن تتجاوز 5% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع؛ ما يشكل نواة اقتصاد حرب أوروبي، ويفتح الباب لفرص صناعية كبرى، وقد تبع ذلك أيضاً قرارات مماثلة من جانب حلف شمال الأطلسي».
وتابع: «يُظهر ذلك بوضوح حدوث تحوّل كبير من حيث الفرص الناشئة، إذ يُسهم من ناحية في إنشاء منظومة صناعات دفاعية جديدة على أساس إقليمي. ومن الواضح جداً أنّ الدروس المستقاة من جوارنا، ولا سيّما من أوكرانيا، تُبيّن مدى أهمية وجود سلاسل توريد قصيرة».
وواصل حديثه: «مثل هذا الإنفاق سيُشكّل محفزًا خلال السنوات المقبلة لإنشاء منظومة صناعات دفاعية جديدة، وسيُشكّل أيضًا قطاع نمو اقتصادي جديد. أنشأنا مبادرة جديدة تُسمّى «فيتيس»، جمعت في سنة واحدة فقط أكثر من بضع مئات ملايين اليورو لدعم الشركات الناشئة وتطوير المنتجات الدفاعية المبتكرة».
تحدث سافيكاس لـ «إرم بزنس» عن التوترات مع روسيا وبيلاروسيا، ودور ليتوانيا الاستباقي في التحذير منها، وكيف نجح اقتصادها في تنويع مصادره، قائلاً: «كنّا من أوائل من نبّهوا إلى المخاطر القادمة من روسيا وبيلاروس، واليوم يعترف شركاؤنا بدقة تقييمنا. تواصلنا الصريح مع قطاع الأعمال، والتعاون الوثيق، مكّننا من تنويع اعتمادنا على تلك الأسواق. رغم موقعنا الجغرافي الحساس، نجحنا في إيجاد أسواق جديدة، وهذا التكيّف جزء من الحمض النووي لمجتمع الأعمال في ليتوانيا».
أبرز سافيكاس في حديثه مع «إرم بزنس» كيف انتقلت ليتوانيا من الاعتماد الكامل على الخارج في مجال الطاقة إلى إحدى أسرع الدول تحولًا نحو الطاقة المتجددة.
قال: «الطاقة المتجددة محور استراتيجي واضح لنا. بعد الاستقلال، سعينا لضمان أمن الطاقة، وأنشأنا محطة الغاز المسال «الاستقلال». فصلنا أنفسنا بالكامل عن شبكة الكهرباء الروسية، ونتّصل الآن بشبكة الكهرباء الأوروبية. حوالي 70% من طاقتنا تأتي من مصادر متجددة، ونستهدف 100% بحلول عام 2028. ليتوانيا لم تعد دولة تابعة طاقوياً، بل مرشّحة لتكون مصدّراً للطاقة المتجددة في المنطقة».
شرح الوزير كيف تستفيد ليتوانيا من سياسات الاتحاد الأوروبي، لكنها تحافظ في الوقت نفسه على ديناميكيتها الخاصة في التنافس والابتكار، قائلاً: «استفدنا كثيراً من الأسواق المفتوحة للاتحاد الأوروبي، ولكننا أيضاً بنينا بيئة تنظيمية موثوقة وسريعة. من مصلحة ليتوانيا أن يكون الاتحاد تنافسيًا ومتماسكًا. نحن من بين أسرع الاقتصادات نمواً في أوروبا بنسبة 3%، ونؤمن بأهمية الجمع بين التكامل الأوروبي والمرونة المحلية في آنٍ واحد».
أبدى سافيكاس في حديثه مع «إرم بزنس» حماسه لتوسيع العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج، مشيراً إلى خطط واقعية للزيارة والاستثمار، قائلاً: «أنا على يقين من وجود فرص اقتصادية عديدة للتعاون مع المنطقة العربية، وسأقوم بزيارة شخصية في النصف الثاني من هذا العام. لدينا مذكرات تفاهم قوية موقعة بالفعل، واهتمام مشترك بقطاعات التكنولوجيا الخضراء، والذكاء الاصطناعي، والطاقة. ومن المجالات الواعدة أيضًا: السياحة، باعتبارها بوابة غير متوقعة لتوسيع التعاون، ونأمل خلال ولايتنا أن نحقق نتائج ملموسة من خلال هذه الجهود».