تشهد الصين في الوقت الحالي فورة في إنتاج السيارات الكهربائية، جعلتها تتصدر العالم من حيث عدد الطرازات، حجم المبيعات، وسرعة التوسع. لكن هذا النجاح المذهل يخفي وراءه تحديات ضخمة تهدد مستقبل مئات الشركات العاملة في القطاع.
مع أكثر من 100 شركة تصنع سيارات كهربائية داخل السوق الصيني، بدأت ملامح «الانفجار الداخلي» تظهر بوضوح. فمستوى المنافسة الشرسة، وفائض العرض، أشعلا حرب أسعار ضارية قد تؤدي إلى «حمام دم صناعي»، بحسب وصف عدد من الخبراء.
لا يمكن الحديث عن المشهد الصيني دون التوقف عند شركة BYD، التي أصبحت رسمياً أكبر مصنع للسيارات الكهربائية في العالم. فقد قادت الشركة على مدى السنوات الأربع الماضية موجة تخفيضات حادة، أدت إلى خفض أسعار بعض الطرازات بأكثر من 30%.
وفي مايو الماضي، أطلقت BYD جولة جديدة من التخفيضات شملت 25 طرازاً، ما دفع العديد من الشركات المنافسة إلى الرد بخطوات مشابهة لتجنب خسارة العملاء، رغم ما تحمله من خسائر على هوامش الربح.
هذه الاستراتيجية، وإن كانت فعالة في زيادة المبيعات، أثارت استياء المصنعين الآخرين، ودقت ناقوس الخطر في أروقة الحكومة الصينية.
دفعت الفوضى السعرية الأخيرة الحكومة إلى التفكير جدياً في فرض قيود تنظيمية لوقف النزيف. وقد أعلنت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات نيتها معالجة ما وصفته بـ«المنافسة الانكماشية»، حفاظاً على نمو القطاع بشكل صحي ومستدام.
في الوقت نفسه، حذّرت رابطة مصنعي السيارات الصينية من أن استمرار هذا المسار سيؤدي إلى انهيار عدد كبير من الشركات، مع توقعات بانهيار تسعة من كل عشرة علامات تجارية بحلول 2030، وفقاً لتحليل أجرته شركة «أليكس بارتنرز».
ورغم التوسع الكبير في عدد الطرازات والمصانع، فإن الطلب لم يواكب هذا النمو. إذ انخفض معدل استغلال الطاقة الإنتاجية في مصانع السيارات الصينية إلى 50 % فقط في عام 2024، وهو أدنى مستوى خلال عقد، مما يزيد من الضغوط المالية على الشركات.
في المملكة المتحدة، بدأت بعض العلامات الصينية تفرض وجودها بقوة. شركة BYD على سبيل المثال، تفوقت مؤخراً في المبيعات على علامات أوروبية شهيرة مثل ميني وسيتروين.
كما دخلت علامات مثل أومودا وجيكو السوق البريطاني خلال أقل من عام، وتمكنت من تحقيق أرقام مبيعات تقارب ما تحققه أودي، بفضل السيارات الكهربائية منخفضة السعر، ذات التجهيز الجيد.
لكن الخبراء يحذرون من أن استمرار الشركات الصينية في تصدير الفائض بأسعار منخفضة قد يؤدي إلى اضطراب في سوق السيارات الأوروبي، ويضغط على أسعار السيارات المستعملة أيضاً.
رغم إعلان بعض الجهات التنظيمية في الصين أن «حرب الأسعار قد انتهت»، إلا أن معظم المؤشرات تُشير إلى استمرارها بأشكال مختلفة، مثل تقديم عروض تمويل بدون فوائد أو دعم التأمين.
ومع دعم الحكومات المحلية لبعض الشركات المتعثرة حفاظاً على الوظائف وسلاسل الإمداد، فإن وتيرة اندماج السوق الصيني قد تكون أبطأ من المتوقع.
في النهاية، قد يكون المستقبل القريب حاسماً لسوق السيارات الكهربائية الصينية: إما تصحيح مؤلم يقود إلى الاستقرار، أو انفجار يُعيد رسم الخريطة الصناعية للقطاع من جديد.