لندن تبرر التراجع بالتوجه إلى مشاريع محلية أقل مخاطرة
خبراء: المشروع ما زال ورقياً وفرص إحيائه مستقبلاً قائمة
شهد مشروع الرباط ولندن بشأن أطول كابل كهربائي بحري بالعالم، تراجعاً من الحكومة البريطانية بعد 4 سنوات في المضي فيه لأسباب بينها اتجاه الحكومة إلى مشاريع محلية لتحقيق فوائد اقتصادية أفضل وأقل مخاطرة.
ذلك المشروع التي كان يخطط إنجازه بقيمة 25 مليار جنيه إسترليني «نحو 34.39 مليار دولار»، ويدخل حيز التنفيذ قبل 2030، لم يتلق ضربة النهاية بعد، بحسب خبراء اقتصاد مغاربة تحدثوا لـ«إرم بزنس»، خاصة وأنه كان في مرحلة الخطط والدراسات ولم يدخل حيز التنفيذ، مع احتمال ترجيح لندن الاستثمار المحلي خشية تداعيات الأزمات الإقليمية والدولية.
وأشار الخبراء إلى أن شراكات واسعة للمغرب في مجال الطاقة، قد تتيح إمكانية حدوث تفاهمات لإحياء المشروع لاحقا مع بريطانيا، أو توسع نطاق شراكاته مع أطراف أوروية أخرى.
وأعلنت الحكومة البريطانية أنها لن تمضي قُدماً في المشروع الهادف إلى استخدام الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح من الصحراء الكبرى في تزويد الكهرباء لـ7 ملايين منزل في بريطانيا، مرجعة ذلك إلى أنها ترى أن «المشاريع المحلية يمكن أن تحقق فوائد اقتصادية أفضل»، وفق ما نقلته «رويترز» الخميس.
وقال وزير الطاقة البريطاني مايكل شانكس، إن المشروع لا يتوافق استراتيجياً بشكل واضح مع مهمة الحكومة في بناء مصادر محلية للكهرباء في بريطانيا.
بدورها، أرجعت وزارة أمن الطاقة البريطانية، في بيان، تراجع المملكة المتحدة عن دعم مشروع الربط الكهربائي مع المغرب في المرحلة المقبلة، إلى «تعقيداته ومخاطره المرتفعة».
وعقب القرار البريطاني الذي لم تعلق عليه الرباط بعد، قال رئيس مجلس إدارة الشركة المؤسسة للمشروع ديف لويس، إن الشركة تشعر بخيبة أمل كبيرة، مبيناً أن اللاعبين الرئيسين في قطاع الطاقة أنفقوا أكثر من 100 مليون جنيه إسترليني على تطوير المشروع، وأن طلبات البنوك للمشاركة في مرحلة الإنشاءات تفوق احتياجاته.
وأُعلن عن مشروع الربط الكهربائي بين المغرب والمملكة المتحدة عام 2021 من جانب شركة «إكس لينكس» البريطانية، بهدف استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح من المغرب عبر ما كان سيصبح أطول كابل كهرباء بحري في العالم، لتسخير مصادر الطاقة المتجددة في شمال إفريقيا لدعم خطة الطاقة النظيفة في بريطانيا.
وتضمنت الخطة مد 3800 كيلومتر من كابلات التيار المستمر عالية الجهد في قاع البحر إلى جنوب غرب إنجلترا، لنقل 8% من احتياجات بريطانيا من مشروعات الطاقة المتجددة والبطاريات في منطقة «كلميم واد نون» في المغرب إلى «ساحل ديفون».
وكان الرهان أن يسهم خطّ الربط الضخم في تدفق الكهرباء النظيفة من المغرب إلى شبكة الكهرباء البريطانية في وقت مبكر من عام 2030، عبر نقل إنتاج مزارع الرياح والطاقة الشمسية، التي تمتد عبر منطقة بحجم لندن عبر خط كهرباء بحري.
أولى مراحل المشروع المقررة مطلع عام 2027 تضمنت مدّ 4 خطوط تحت سطح البحر بطول 3800 كيلومتر لربط مزرعة ضخمة للطاقة المتجددة في الصحراء المغربية مع مدينة ديفون، جنوب غرب المملكة المتحدة، لتوليد الكهرباء من طاقتي الشمس والرياح بقدرة 10.5 غيغاواط، ومرافق لبطاريات التخزين بسعة 20 غيغاواط.
الخبير بالاقتصاد الدولي واقتصاديات الطاقة في لندن الدكتور نهاد إسماعيل، قال لـ«إرم بزنس» إن استراتيجية المملكة المتحدة الصناعية تتلخص بتطبيق سياسات تقلل استخدام الطاقة الأحفورية والاستثمار في مشاريع طاقة نظيفة متجددة مثل طاقة الرياح والشمس وكذلك الطاقة النووية، ويأتي مشروع استيراد الطاقة المتجددة من الصحراء المغربية في هذا الإطار.
ولفت إلى استثمار الحكومة 14 مليار جنيه إسترليني في دعم محطة الطاقة النووية «سايزويل» (Sizewell) في شرق بريطانيا لإنتاج كهرباء رخيصة في بريطانيا.
كما أشار إلى تحليلات تلمح إلى أخذ بريطانيا بعين الاعتبار عند التخلي عن المشروع الجدل السياسي المتعلق بالصحراء المغربية واحتمال حدوث أعمال تخريبية للكوابل البحرية التي ستنقل الطاقة من المغرب إلى بريطانيا تحت مياه البحر لمسافة 3800 كم، رغم أن العلاقات التجارية القديمة بين البلدين تعود لسنوات طويلة.
أوضح رئيس المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة، الخبير الاقتصادي المغربي رشيد الساري، أن «القرار البريطاني غير ملزم للمغرب، إذ يعد المشروع من ضمن الأجندة الاستثمارية المغربية، وله شراكات واسعة في مجال الطاقة المتجددة وتعاقدات وتوافقات».
ونبه إلى أن هذا المشروع عبارة عن مجموعة من الدراسات والخطوط العريضة، أي أنه كان مشروعاً على الورق من دون ملامح رسمية على أرض الواقع باستثناء تقديرات مالية كبيرة للتنفيذ، وخطط طموحة من الجانب البريطاني للاستفادة من طاقة المغرب.
وأوضح أن المغرب لم يتعرض لخسائر تماماً جراء هذا التراجع، حيث تمتلك الرباط استراتيجيات وشراكات عديدة في هذا المجال، ولها مستقبل واعد لا يتوقف على غلق باب استثماري.
وأضاف أن المشروع قد يرى النور مع جهات أخرى وشراكات أخرى، كما قد تراجع لندن قرارتها مع أي تطور جديد.
ويتصدّر المغرب دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط في مجال النمو بمشروعات الطاقة المتجددة.
وارتفع مزيج الطاقة المتجددة في المغرب إلى 42%، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 52% عام 2030 وسط خطط لتطوير قطاع الهيدروجين الأخضر، ما يدفع طموح المملكة التي تهدف إلى تغطية 4% على الأقلّ من الطلب العالمي، وفق إعلام حكومي.
وتبلغ قدرات مشروعات الطاقة المتجددة في المغرب (قيد الاستغلال) نحو 4.6 غيغاواط، باستثمارات تصل إلى 55 مليار درهم مغربي «5.5 مليار دولار» وفق تصريحات سابقة لوزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ليلى بنعلي.
وذكرت صحيفة «إنرجيا أولتر» الإيطالية، في تقرير سابق، أن العديد من دول أوروبا تسارع إلى الطاقة المتجددة في المغرب القريب منها بصفتها أحد الموارد الرئيسة للقارة العجوز لتأمين احتياجاتها من الطاقة النظيفة.
أكد المحلل الاقتصادي المغربي إدريس العيساوي في تصريح لـ«إرم بزنس»، أن لدى بلاده وفرة كبيرة في طاقتي الشمس والرياح ويعول على تحقيق مستقبل كبير في هذا الصدد.
ودعا إلى انتظار موقف المغرب رسمياً من التراجع البريطاني عن مشروع الطاقة بين البلدين، مؤكداً أن أي شريك للرباط يحمل أهمية استثمارية كبيرة خاصة والمغرب يحافظ على كل شركائه الاقتصاديين.
وسبق أن أعلنت المملكة المتحدة مطلع يونيو الماضي خلال زيارة وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إلى الرباط، عن استثمارات بقيمة 5 مليارات جنيه إسترليني، سيتم ضخها خلال الفترة المقبلة.