خاص
خاصتأثر المحاصيل بالتغير المناخي

معضلة تغيّر المناخ.. توفير الغذاء يواجه الطاقة النظيفة

أثار التزام العديد من الدول بالتحول من الوقود الأحفوري التقليدي إلى الطاقة الجديدة والمتجددة، تخوفات عديدة في ظل ارتفاع التكلفة الاقتصادية لهذا التحول، ما قد يؤثر على تفاقم أزمة الديون العالمية.

ومن النادر أن تلتف كل دول العالم حول قضية معينة، ولكن هذا ما حدث مع قضية التغيرات المناخية وزيادة الانبعاثات الكربونية، وجرى الاتفاق عبر قمم المناخ المتتالية على ضرورة الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2050.

ويعكس اتفاق باريس 2015 اتفاق 193 دولة على ضرورة تحقيق أهداف محددة وملزمة للدول المشاركة، وهي إعلان استراتيجيات واضحة لكل دولة على المدى المتوسط، لخدمة الوصول إلى هدف صفر انبعاثات كربونية في عام 2050، وإلزام الدول الغنية بمنح تمويلات سنوية بقيمة 100 مليار دولار للدول النامية حتى عام 2030 للتحول إلى الطاقة النظيفة والمتجددة.

ولكن يبدو أن الظروف الاقتصادية قد تعيق تحقيق أهداف اتفاقية باريس، مع أن عام 2023 يتجه ليصبح أكثر الأعوام حرارة منذ بدء السجلات، ورغم اعتراف المزيد من الدول بخطورة التهديد الذي يتعرض له الكوكب بسبب التغيرات المناخية، وفقا لخبراء تحدثت معهم "إرم الاقتصادية".

ارتفاع الديون

وبحسب بعض التقارير الدولية، فإن الاعتماد المفرط على الإنفاق لتحقيق هدف "صافي انبعاثات صفر" قد يرفع الديون العامة بنسبة تصل إلى 50% من الناتج المحلي، وهذا يضع الديون في مسار غير مستدام، لكن ومع ذلك، فإن عدم اتخاذ إجراءات مناخية سيترك العالم عرضة لعواقب سلبية.

وفيما تعترف الدول بخطورة التهديد وتحدد أهدافاً مناخية للحد من الاحتباس الحراري، فإن السياسات الحالية قد تكون غير كافية لتحقيق أهداف اتفاقية باريس، حيث يتطلب التصدي لتغير المناخ تحولاً اقتصادياً جذرياً، الأمر الذي يمكن أن يفرض تكاليف وأعباء بشكل غير متوازن على الأفراد والشركات والدول.

وعلى الرغم من الجهود الدولية لمساندة الدول الفقيرة، فإن التكاليف الاقتصادية للتحول نحو الطاقة النظيفة قد تكون مرتفعة وتشكل تحدياً كبيراً، فالسياسات التي تعتمد بشكل كبير على الإنفاق مثل زيادة الاستثمار العام ودعم الطاقة المتجددة، قد تكون مقبولة، لكنها تتسبب بتكاليف مالية كبيرة تجعل الديون العامة غير مستدامة.

بناء الاقتصاديات أهم

في هذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي، وائل النحاس، إن التنمية المستدامة لا تتحقق إلا بالتنمية الاقتصادية أولا، ومعظم دول العالم تعاني من سوء الأحوال الاقتصادية بعد جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.

وتساءل النحاس، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية": "هل من الممكن أن تصرف أموالا لشراء ألواح طاقة شمسية لمنزلك وأنت لا تستطيع شراء الأكل والشرب وعليك ديون متراكمة؟".

وأشار الخبير الاقتصادي، إلى أن الأولوية الحالية هي إعادة بناء اقتصاديات الدول سواء بوقود أحفوري أو غيره، وفيما بعد ينظر العالم إلى البيئة.

إغراق العالم بالديون

بدوره، قال الدكتور ماهر عزيز، عضو مجلس الطاقة العالمي، إن الدول إذا أرادت الالتزام بالتحول نحو الطاقة المتجددة وتحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ، فإنها ستغرق في الديون ولن تستطيع تحقيق التحول المطلوب.

وأضاف عزيز، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، أن التحول للاعتماد على الطاقة النظيفة يحتاج عشرات المليارات من الدولارات سنويا، وفي ظل الظروف الاقتصادية الحالية وارتفاع أسعار معدلات الفائدة عالميا، فإن تكلفة التمويل قد تصل إلى قدر لا يتحمله العديد من الدول.

وضرب عزيز مثالا بمصر التي وضعت استراتيجية تهدف إلى الاعتماد على الطاقة المتجددة بنسبة 42% بحلول عام 2035، قائلا: "تحقيق هذا الهدف يحتاج إلى استثمارات بـ 5 مليارات دولارات سنويا، فهل تتحمل مصر تكلفة التمويل؟".

وتعاني مصر من ارتفاع حجم الدين الخارجي الذي وصل إلى 165 مليار دولار في الربع الأول من 2023، مقارنة بـ163 مليار دولار في الربع الأخير من العام الماضي.

وأوضح عضو مجلس الطاقة العالمي، أن مصر إذا استطاعت الوصول إلى الاعتماد على الطاقة المتجددة بنسبة 20% فقط مقارنة بـ42% المستهدفة بحلول عام 2035 فإنها ستكون حققت إنجازا كبيرا، وهذا الوضع ينطبق على كل الدول.

تكاليف عالية

وأشار عزيز إلى أن ارتفاع تكلفة التحول إلى الطاقة المتجددة لا يتمثل في ارتفاع أسعار التكنولوجيا المستخدمة أو ما يسمى بـ "الخلايا الفوتوفولتية" فقط، فعلى الرغم من الانخفاض الدراماتيكي في أسعار المكونات والتكنولوجيا المستخدمة للتحول إلى الطاقة المتجددة إلا أن هناك تكاليف أخرى جعلت المسألة أكثر صعوبة.

ولفت إلى أن تلك التكاليف تتمثل في تضاعف أسعار خدمات النقل واللوجستيات، وارتفاع تكاليف العمالة، وخدمة التمويل، مشيرا إلى أن تلك التكاليف ستكون حائط سد أمام تحقيق أهداف اتفاقية باريس.

وقال عضو مجلس الطاقة العالمي إنه حتى الدول المتقدمة لم تلتزم بالتمويلات التي كانت من المفترض أن تدفعها للدول النامية للمساعدة على التحول الطاقي والاستغناء عن الوقود الأحفوري، مضيفا أن "الدول المتقدمة لم تدفع سوى بضعة ملايين من الدولارات مقارنة بـ100 مليار دولار كانت من المفروض أن تدفع للدول النامية".

وأشار عزيز إلى أن هذه التمويلات كانت ستساعد الدول النامية على التحول الأخضر إلى حد ما، ولكن ما فعله الغرب يدل على أن قضية المناخ لا تحظى بنفس الأهمية التي يتحدثون عنها؛ لأن كل الدول الغربية توسعت مرة أخرى في استخدام الوقود الأحفوري في الفترة الأخيرة نتيجة أزمة الإمدادات التي نتجت عن الحرب الروسية الأوكرانية.

وأوضح خبير الطاقة أن دول العالم ستعزف عن هدف تقليل الانبعاثات الكربونية إلى حد كبير في ظل تلك الظروف الاقتصادية، وإلا ستغرق في ديون قد لا تستطيع سدادها وتخسر الكثير من سيادتها مقابل هذه الديون.

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com