مع قدوم الشتاء.. أوروبا أمام أزمة طاقة أم المخزونات تكفي؟

مع قدوم الشتاء.. أوروبا أمام أزمة طاقة أم المخزونات تكفي؟

بينما بدأت درجات الحرارة في الانخفاض بدول الاتحاد الأوروبي إيذانا ببدء فصل الشتاء، يخشى الأوروبيون من تكرار أزمة الطاقة التي شهدها التكتل في الموسم الماضي، بعدما انخفضت واردات الغاز الروسي، ما فاقم من فاتورة الكهرباء، وأجبر السلطات على اتخاذ إجراءات استثنائية لتخفيض الاستهلاك، والبحث عن بدائل لإمدادات الغاز.

وواجهت دول أوروبية عدة في موسم الشتاء الماضي أزمة غير مسبوقة في إمدادات الطاقة، بعدما فقدت في عام 2022 ما يزيد على 80% من إمدادات الغاز الروسي المخصصة لأغراض التدفئة وتشغيل الصناعة وتوليد الكهرباء، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الجملة للكهرباء والغاز بنحو 15 ضعفًا مقارنة بأسعار أوائل عام 2021، ما أثّر بحدة على الأوضاع المعيشية لمعظم الأسر وكلف الشركات والحكومات ميزانيات إضافية.

وبلغت أسعار الغاز ذروتها في شهر أغسطس 2022 عند 294 يورو/ميغاوات في الساعة، ثم تراجعت إلى متوسط 44 يورو/ميغاوات في الساعة في الفترة بين يناير ويونيو الماضيين، بعدما نجحت السلطات في تأمين بعض الإمدادات.

وبلغت أسعار الكهرباء ذروتها عند 474 يورو/ميغاوات في الساعة، ثم تراجعت إلى متوسط 107 يوروهات/ميغاوات في الساعة خلال الفترة ذاتها.

بناء الاحتياطيات

وخلال الأشهر الماضية، استطاعت الدول الأوروبية تأمين إمدادات كافية من الغاز الطبيعي في خزاناتها؛ استعداداً لموسم الشتاء، من موردين آخرين، مما زاد بقدر كبير من حجم واردات الغاز، خاصة من الولايات المتحدة.

وشكّل الغاز الروسي في الربع الأول من العام الجاري 15% من واردات الاتّحاد الأوروبي، وهي حصة تقلّصت إلى النصف مقارنة بالإمدادات قبل عام واحد، بسبب زيادة المشتريات الأوروبية من الغاز المسال الأميركي، ومن جنوب البحر المتوسط، من قطر ومصر والجزائر.

ومنح التوسع في واردات الغاز المسال، أوروبا القدرة على استبدال 140 مليار متر مكعب من الغاز الروسي، أو ما يقارب 40% من إجمالي الواردات، لكن ذلك زاد من الطلب على محطات التخزين، لدرجة دفعت ألمانيا لبناء ثلاثة محطات في يناير الماضي لتستوعب حجم الواردات.

تنويع الإمدادات

ويقول الدكتور ممدوح سلامة، خبير الطاقة، إن دول الاتحاد الأوروبي اعتمدت في يونيو 2022 إطاراً تشريعياً يلزمها بأن تكون منشآت تخزين الغاز ممتلئة بنسبة 90% على الأقلّ بحلول الأول من نوفمبر من كلّ عام، وذلك بعدما خفض الاتحاد وارداته من الغاز الروسي.

وأضاف سلامة في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية" أن هذا الالتزام منح بعض الثقة للحكومات الأوروبية بشأن قدرتها على مواجهة نقص الغاز الروسي، مرجعاً هذه الثقة إلى سلسلة من التدابير التي مكنت الاتحاد الأوروبي من تنويع إمدادات الغاز؛ لتعزيز المرونة في قطاع الطاقة.

وأكد أن الإجراءات الأوروبية لتنويع إمدادات الغاز مكنتها من زيادة مخزونات الغاز الطبيعي بنسبة 99%، حيث بدأ تجار الغاز الطبيعي الأوروبيون في سحب الوقود من المخزونات لديهم، والتي سجلت مستويات قياسية، في وقت تشهد فيه المنطقة انخفاضا في درجات الحرارة مع حلول فصل الشتاء.

إلى ذلك، ذكر تقرير نشرته وكالة بلومبرغ أن وتيرة السحب من الاحتياطيات قد تتسارع في أجزاء من القارة الأوروبية، خاصة المناطق التي تشهد تراجعات ملحوظة في درجات الحرارة وتحديدا في الجزء الشمالي من القارة.

نقص المعروض

من جانبه يقول الدكتور سامح نعمان أستاذ هندسة البترول، إنه رغم استعداد الدول الأوروبية لموسم الشتاء الجاري بملء خزانات الوقود، إلا أن سوق الطاقة الأوروبي ما زال تعاني نقصاً في المعروض، وأصبحت أكثر تأثراً بالظروف المناخية، وبالتقلبات في إمدادات الغاز.

وأضاف نعمان في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، أن الأزمة الراهنة في الشرق الأوسط، لها آثار واسعة النطاق على سوق الطاقة العالمي وليس على أوروبا فقط، خصوصاً أن الأسواق ما زالت ضعيفة بسبب تداعيات الحرب الأوكرانية، مشيراً إلى أن أي حوادث طارئة قد تطال البنية التحتية للطاقة قد تؤثر بحدة على أسواقها المتوترة، الأمر الذي يهدد مجددا بارتفاع فاتورة الطاقة والكهرباء في أوروبا.

وأوضح نعمان أن الاتحاد الأوروبي يعتزم تمديد الإجراءات الطارئة المرتبطة بأزمة الطاقة التي وضعها العام الماضي، وذلك بعد التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة، والمخاوف بشأن أمن البنية التحتية للغاز، متوقعا أن تكون الأشهر المقبلة صعبة للاتحاد الأوروبي، بما يدفعه إلى تمديد إجراءات مواجهة أزمة الطاقة.

أزمة ممتدة

وكان التكتل الأوروبي قد وافق العام الماضي، في إطار الجهود الرامية إلى الحد من تقلبات الأسعار وتجنب رد فعل عنيف من المواطنين، على اتخاذ مجموعة من الإجراءات، بما في ذلك وضع سقف مؤقت لأسعار الغاز، والشراء المشترك للنفط، والسماح بالتحوّل السريع إلى مصادر الطاقة المتجددة.

وأكد نعمان أن أوروبا استعدت بصورة أفضل لمواجهة فصل الشتاء، لكنها ما زالت معرضة لصدمات الطاقة، موضحا أنه في ظل وجود اختلال بين العرض والطلب على الغاز في أوروبا، فإن أزمة الطاقة ستستمر لأعوام، طالما أنها تعتمد على إمدادات الغاز من الخارج للأنشطة الاقتصادية وتشغيل محطات الكهرباء، بل ستتواصل الأزمة حتى يتم التوسع في مصادر الطاقة الأخرى.

وتحذر ألمانيا بالفعل من استمرار مخاطر نقص الغاز حتى أوائل عام 2027، إذا لم يتم إضافة المزيد من البنية التحتية للغاز، حيث ترى الحكومة الألمانية أن توازن السوق في العام المقبل سيعتمد على كمية الوقود التي سيجرى تخزينها بعد موسم الشتاء الجاري.

وأدت أزمة الغاز في أوروبا، إلى زيادة وتيرة الاستثمارات في الطاقة المتجددة، حيث أصبحت جزءًا أساسيًا من استراتيجية الاتحاد الأوروبي، خاصة أن التحول إلى مصادر طاقة أنظف وأكثر استدامة لا يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري فحسب، بل يساهم أيضاً في مكافحة تغير المناخ.

وزاد الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة بشكل ملحوظ في جميع أنحاء أوروبا. بالإضافة إلى ذلك، تم بذل جهود جماعية لتقليل الطلب على الطاقة من خلال تدابير كفاءة الطاقة وبرامج التوعية.

تحديات كبيرة

من جانبه، رأى الرئيس التنفيذي لشركة TotalEnergies، باتريك بويانيه، أن أوروبا نجحت في تجاوز جزء كبير من أزمة الغاز التي تعرضت لها العام الماضي، لكن ما زالت أمامها تحديات كبيرة بسبب نقص الإمدادات.

وأشار بويانيه، في تصريحات إعلامية، إلى أن التحديات مرهونة بظروف الطقس، فكلما كان أكثر دفئًا قل السحب من المخزون، بينما إذا انخفضت درجات الحرارة إلى دون الصفر لفترات طويلة فهذا يعني وجود تهديد في الإمدادات، ما يرفع من أسعار الطاقة مجددا مثلما حدث في العام الماضي، مشيرًا إلى أن أزمة الطاقة سوف تنتهي بحلول 2026، في ظل العمل على زيادة إمدادات الطاقة، والتوسع في مصادر الطاقة المتجددة.

وفي إطار عملية تعزيز الإمدادات، وقعت شركة توتال إنرجي قبل أشهر اتفاقية مع قطر لتوريد 3.5 ملايين طن متري من الغاز الطبيعي المسال إلى محطة فوس كافاو في جنوب فرنسا لمدة 27 عامًا، على أن تبدأ عمليات التسليم بحلول 2026، كما وقعت شل اتفاقية مماثلة.

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com