أدى الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي في لبنان إلى تعطيل الحياة اليومية لفترة طويلة، مما تسبب في تفاقم المشاكل الاقتصادية، والتوترات الجيوسياسية في البلاد. وتعثرت شركة كهرباء لبنان المملوكة للدولة في ظل التحديات المتزايدة، ما أدى إلى الاعتماد على نطاق واسع على مولدات الديزل الخاصة، ومؤخراً، زيادة الاهتمام بحلول الطاقة الشمسية.
وبحسب تقرير أعده "مشروع أبحاث ومعلومات في الشرق الأوسط"، فإن مشاكل الكهرباء في لبنان متجذرة بعمق في سلسلة من الأزمات الاقتصادية، بما في ذلك الانكماش الحاد منذ العام 2019 الذي تفاقم بسبب انفجار مرفأ بيروت، وتأثيرات جائحة كوفيد-19، وارتفاع أسعار الوقود العالمية.
وأدت هذه العوامل إلى إجهاد قدرة شركة كهرباء لبنان على تلبية الطلب، ما دفع العديد من المناطق إلى الاعتماد على وسائل توليد الطاقة غير المستقرة، وتسبب في تداعيات اقتصادية كبيرة.
وفي خضم هذه التحديات، أصبح حل مشكلة الكهرباء أمراً ملحاً، وقد شملت الحلول الممكنة – التي روّج لها بعض خبراء الطاقة في لبنان – إدخال المزيد من تقنيات الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية، إلى الشبكة. حيث أكد خبراء الطاقة الشمسية أنها قد تغير قواعد اللعبة، مع وعود بحلول طاقة لا مركزية، مما يقلل الاعتماد على الشبكات المركزية التابعة للدولة ومولدات الديزل.
ويرى المؤيدون أن الطاقة الشمسية يمكن أن تعمل على تمكين المجتمعات اقتصادياً وبيئياً، مما يوفر طريقاً إلى تحقيق استقلالية الحصول على الطاقة.
لكن على الرغم من إمكانياتها، فإن اعتماد الطاقة الشمسية في لبنان يواجه عقبات كبيرة، إذ تؤدي البنية التحتية المجزأة في البلاد وعدم الاستقرار الاقتصادي إلى تعقيد مشاريع الطاقة الشمسية واسعة النطاق وفق ما ذكره التقرير. كما أن تكاليف التركيب المرتفعة، والحواجز التنظيمية، وتقلبات العملة تمنع اعتمادها على نطاق واسع، مما يحد من تأثير هذه المشاريع في تخفيف النقص الفوري في الطاقة.
بالنسبة للمواطنين اللبنانيين، تدور الحياة اليومية حول إدارة العجز في الطاقة، ولعدة أشهر، بقي إجمالي إمدادات الطاقة اليومية أقل من ثماني ساعات، مع عواقب بعيدة المدى على الشركات والأسر على حد سواء. وبحسب التقرير اضطرت العديد من المطاعم والأسواق إلى تعليق عمليات البيع مؤقتاً لمنع تلف الأطعمة ونشر الأمراض المنقولة بالغذاء.
وفي المنازل، لم يكن من الممكن أن يضمن الإمداد المتقطع بالكهرباء الحفاظ على الطعام بشكل سليم، فكان لا بد من التخلص من كميات كبيرة منه. كما تغيرت الأنماط الغذائية، كما هو الحال في أوقات الحرب، حيث ابتعد الناس عن العناصر القابلة للتلف، مثل منتجات الألبان واللحوم، إلى خيارات غير قابلة للتلف. كما سببت هذه الانقطاعات ضغوطاً مالية كبيرة، من نوفمبر 2021 إلى يناير 2022، أنفقت الأسر، في المتوسط، 44% من رواتبها الشهرية لتغطية تكاليف المولدات.
وتحولت المنازل والشركات إلى إيجاد حلول مؤقتة مثل توفير تقنيات استهلاكية صغيرة مثل مصابيح (LED) بقوة 12 فولط، والتي يتم توصيلها ببطاريات السيارات أو أجهزة الشحن الصغيرة، واعتماد إمدادات الطاقة غير المنقطعة (UPS) التي تهدف إلى توفير الطاقة الاحتياطية في حالات الطوارئ والحماية من زيادة التيار للمعدات الإلكترونية في أثناء انقطاع التيار الكهربائي أو تقلباته. ومع ذلك، يرى التقرير أن هذه التدابير لم تقدم سوى تخفيف جزئي، مما يؤكد النضال المستمر لتأمين كهرباء يمكن الاعتماد عليها.
ومع مرور الأشهر، أصبحت الطاقة المتجددة استثماراً جذاباً على نحو متزايد للعديد من الأسر والشركات. فبحسب بيار الخوري، المدير العام للمركز اللبناني لحفظ الطاقة، زاد إجمالي قدرة توليد الطاقة الشمسية في لبنان ثمانية أضعاف منذ العام 2020.
بالإضافة إلى الجهود المحلية، أطلقت العديد من المنظمات الدولية مشاريع، واستثمرت في البنية التحتية المتجددة، بما في ذلك ريادة الأعمال القطرية لفرص الطاقة المتجددة الموزعة - وهي مبادرة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي سهلت 150 مشروعاً للطاقة المتجددة.
أنشأت "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" صندوقاً للطاقة الشمسية والطاقة المتجددة بقيمة 20 مليون دولار لتحفيز استثمارات القطاع الخاص في تركيب الألواح الشمسية. ويتم تمويل مشاريع أخرى في لبنان من قبل الاتحاد الأوروبي وبرنامج الأمم المتحدة.
وبلغت "طفرة الطاقة الشمسية" ذروتها مع استمرار أزمة الطاقة، لكنها جاءت مصحوبة بتحديات لوجستية ومالية وسط الانكماش الاقتصادي في لبنان وعدم الكفاءة البيروقراطية. فمع اندفاع الشركات الجديدة للدخول إلى السوق، تم تنفيذ العديد من المنشآت بشكل سيئ. علاوة على ذلك، حتى بالنسبة لأنظمة الطاقة الشمسية صغيرة الحجم، تكون تكاليف التركيب في بعض الأحيان باهظة. وبينما تقدم الحكومة اللبنانية قروضاً للطاقة الشمسية بالليرة اللبنانية، فإن الناس يترددون في استخدام العملة غير المستقرة.
وحتى بعد تركيب الألواح الشمسية، لم تتمكن العديد من الأسر والشركات من تحقيق الاستقلال الكامل عن موردي المولدات الخاصة أو الكهرباء المولدة من الحكومة دون الاستثمار أيضاً في التخزين، ونتيجة لذلك، بقيت مولدات الديزل قيد الاستخدام، وفق التقرير.
وبهذا، وبينما تواجه البلاد تعقيدات تحول الطاقة، يبقى تعزيز التنمية الشاملة والمستدامة أمراً بالغ الأهمية. ومن خلال تبني تقنيات الطاقة المتجددة بشكل مسؤول، لا يستطيع لبنان معالجة أزمة الطاقة المباشرة فحسب، بل يمكنه أيضاً تمهيد الطريق لمستقبل أكثر مرونة وإنصافاً بالنسبة للمواطن.