وتتسابق العديد من دول العالم لضخ استثمارات مشتركة مع دول الشرق الأوسط، لإقامة مشاريع الهيدروجين الأخضر على أراضيها، مثلما أعلنت اليابان وكوريا الجنوبية، مؤخرا عن أن المؤسسات المالية المدعومة حكوميا، ستساعد شركات البلدين لجمع التمويل اللازم لتدشين مشروعات الهيدروجين الأخضر في مناطق حول العالم من بينها الشرق الأوسط.
وتخطط طوكيو وسول للتعاون مع دول الشرق الأوسط في إقامة مشروعات مشتركة لإنتاج الأمونيا والهيدروجين الأخضر وتطويرها، بحسب ما ذكرته صحيفة "نيكي" اليابانية المختصة في شئون الطاقة، والتي أشارت إلى أن الدولتين تتطلعان حاليا إلى الجيل التالي من الوقود، لضمان التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة.
ولفتت الصحيفة إلى أن هناك خطة مشتركة يستعد كل من رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا ونظيره الكوري الجنوبي إلى إعلانها، تحت عنوان "سلسلة القيمة العالمية لأمونيا الهيدروجين"، وذلك خلال زيارتهما للولايات المتحدة المزمعة في 17 نوفمبر الجاري، لحضور مؤتمر التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك).
وتجتهد معظم حكومات الشرق الأوسط لتوفير البيئة الملائمة والبنية التحتية المطلوبة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وذلك لاستخدام جزء منه في السوق المحلي، وتلبية حاجة الغرب، خاصة السوق الأوروبية وأميركا الشمالية.
ويقول أدريانو ماركيز، خبير أسواق الطاقة العالمية، ومحلل أسواق المال، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، إن الشرق الأوسط لديه الإمكانيات المطلوبة ليصبح ليس فقط منتجا للهيدروجين الأخضر، وإنما مستودعا له في المستقبل، فالاستثمار في صنع وتطوير نظام بيئي مستدام لوقود الهيدروجين الأخضر، من الممكن أن يجعل الشرق الأوسط منتجا رائدا للهيدروجين منخفض الكربون، ومصدرا رئيسًا للإمدادات إلى أوروبا وشمال شرق آسيا.
ولفت ماركيز، إلى أنه في الوقت الراهن ما زال هناك العديد من التحديات التي تعترض المسار، الذي يقود إلى تحقيق تلك الطموحات، ويتعلق الكثير منها بعدم توافر البنية التحتية المطلوبة، فضلا عن البيروقراطية المتمثلة في الاستراتيجيات واللوائح التنظيمية، لافتا إلى أنه ورغم ذلك فإن الشرق الأوسط يَزخَر بإمكانات هائلة في هذا المجال.
وأوضح خبير أسواق الطاقة العالمية أن ارتفاع أعداد مشروعات الهيدروجين الأخضر في المنطقة، لم يكشف بعد عن استراتيجية شاملة، رغم أن العديد من دول الشرق الأوسط قطعت شوطا كبيرا في عملية إعداد هذه الاستراتيجيات، موضحا أنه يتعين على صناع القرار مواجهة التحديات الأساسية لتمكين عملية تطوير اقتصاد الهيدروجين الأخضر في المستقبل.
وشدد على أنه إذا تم وضع استراتيجيات وطنية وتم تنفيذها على النحو المنشود، فإن المنطقة ستشهد طفرة في مشروعات الهيدروجين الأخضر الضخمة، وكذلك انخفاض تكاليف إنتاجه.
وشهد العديد من دول الشرق الأوسط في الفترة الأخيرة اتفاقيات، بشأن عدة مشاريع ضخمة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، فقد وقعت شركة أبوظبي للطاقة مذكرتي تفاهم مع الحكومة المصرية، للتعاون في تطوير محطات لإنتاج الهيدروجين الأخضر بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وأيضا على ساحل البحر الأبيض المتوسط، على أن تدخل المرحلة الأولى من المشروع حيز التنفيذ في 2026.
وفي دولة الإمارات، تقوم شركة النفط والغاز الإسبانية "سيبسا"، المملوكة بحصة كبيرة لصندوق الاستثمار الاستراتيجي في أبوظبي "مبادلة"، بإجراء محادثات مع شركة أدنوك لإنتاج الطاقة المملوكة للدولة، من أجل اتفاقية شراكة في إنتاج الهيدروجين الأخضر.
وفي دولة كالمغرب، دخلت الحكومة رسميا عام 2020 في محادثات شراكة مع شركات ألمانية لتنفيذ وتطوير أول مصنع للهيدروجين الأخضر بالقارة الإفريقية، إلا أن المشروع لم ير النور حتى الآن، وما زال في إطار التجهيز لتنفيذ المرحلة الأولى منه.
السعودية من جانبها، أعلنت قبل شهرين عن البدء في بناء أكبر مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم خلال 4 أشهر، وذلك ضمن مخططات رؤية 2030 التي يرعاها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ومن المقرر خلال عام من الآن بدء العمل في إنتاج الهيدروجين الأخضر في مدينة "أوكساغون" بمنطقة نيوم.
وتشير الأرقام الأولية إلى أن "أوكساغون" ستنتج يوميا ما يصل إلى 600 طن متري من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2026، بينما تم الاتفاق مع شركة "إيربودكس" لشراء كامل إنتاج المصنع لمدة 30 عاما مقبلة، حيث ستقوم الشركة بنقل كل الإنتاج إلى أميركا وآسيا وأوروبا، فضلا عن أن المصنع سيلبي الطلب السعودي المحلي، خاصة في قطاع النقل.
الهيدروجين الأخضر هو وقود خفيف وعالي التفاعل، يتم إنتاجه من خلال عملية كيميائية تُعرف باسم التحليل الكهربائي، وتستخدم هذه الطريقة تيارا كهربائيا لفصل الهيدروجين عن الأكسجين في الماء. وإذا تم الحصول على هذه الكهرباء من مصادر متجددة، فإنها تنتج طاقة دون انبعاث ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
وتختلف أسعار الهيدروجين الأخضر من بلد لآخر بحسب مصادر إنتاجه، حيث يبلغ سعر الكيلوغرام منه في دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا من 5 إلى 7 دولارات وفقا لتقرير صدر عن المفوضية الأوروبية، في حين يبلغ سعر الكيلوغرام منه في الولايات المتحدة من 11 إلى 16 دولارا.
ويعد إنتاج الهيدروجين الأخضر من طاقة منخفضة الكربون مرتفع التكلفة في الوقت الراهن، إلا أن تكلفة إنتاجه من الكهرباء المتجددة يمكن أن تنخفض بنسبة تصل إلى 40% بحلول عام 2030، نتيجة لانخفاض تكلفة مصادر الطاقة المتجددة، ما يساهم في زيادة إنتاج الهيدروجين الأخضر.
وذكرت وكالة الطاقة الدولية، في تقرير أصدرته مؤخرا، أن الانتعاش الأخير في أسعار النفط والغاز يحيي مسألة القدرة التنافسية لمنتجات الطاقة الأخرى، وبالطبع سيكون الهيدروجين الأخضر منافسا، اعتمادا على تكاليف الاستثمار الأولية وتكلفة التشغيل والصيانة، وإذا ما كانت هناك حوافز مالية أو اقتصادية.
ويتم إنتاج حوالي 130 مليون طن من الهيدروجين الأخضر سنويا، وفي عام 2020 تم استخدام أكثر من 70% من إنتاج الهيدروجين الأخضر عالميا، والمقدرة قيمته بحوالي 150 مليار دولار، في عملية إنتاج الأمونيا.
ويتم استخدام الهيدروجين الأخضر في عدة استخدامات، منها سيارات الركوب والحافلات وحتى المكوكات الفضائية، ومن المتوقع بحلول عام 2060 أن تصل قيمة سوق الهيدروجين الأخضر إلى 700 مليار دولار.