العملة الأميركية لا تزا قرب أدنى مستوى في ثلاث سنوات
توقعات بانخفاض الدولار 5% في النصف الثاني من 2025
عادت قصة خفض قيمة الدولار إلى الواجهة من جديد، تزامناً وتذبذب سعر صرف الدولار ضمن أسبوع مضطرب شهد تحول ارتياح المستثمرين بعد هدنة الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين إلى حالة من الحذر أثارتها الضبابية بشأن شكل الاتفاقات التجارية المختلفة.
في حين بدا أن سوق الصرف بدأت تعود إلى الهدوء؛ إذ استقر الوون الكوري الجنوبي بعد تحركات حادة، بعد أن شهدت العملة الكورية الجنوبية تقلبات عنيفة وسط توقعات بتدخل متعمد لرفع قيمة العملة أمام الدولار.
في الشهر الماضي، ومع موجة الهبوط الحاد، والتي بلغت مستويات قياسية هي الأعلى منذ عقود، للعملة الأميركية مقابل العديد من العملات الآسيوية، طرأت على الطاولة فكرة خفض قيمة الدولار عمداً أمام عملات الدول التي تسجل فائضا تجاريا مع الولايات المتحدة.
في غضون ذلك أصدرت السلطات النقدية في كل من اليابان وهونغ كونغ وتايوان وكوريا الجنوبية نفياً رسمياً لوجود ضغوط أميركية بشأن التأثير في سعر الصرف، مع الإشارة إلى أن تلك الدول كافة تتفاوض حالياً مع الولايات المتحدة بشأن خفض التعريفات الجمركية.
وفقاً للأنباء، يقيّم المستثمرون توقعات تفيد أن مسؤولين من كوريا الجنوبية والولايات المتحدة اجتمعوا الأسبوع الماضي لمناقشة سعر صرف الدولار مقابل الوون، مع زيادة التكهنات بشأن سعي واشنطن إلى خفض قيمة عملتها لتقليل العجز التجاري.
رغم ذلك، أكدت تقارير أميركية أن واشنطن لا تتفاوض على إضعاف الدولار في إطار محادثات الرسوم الجمركية التي ساهمت في تهدئة أسواق العملات.
ورغم ذلك، من المرجح أن تُبقي المخاوف من احتمال سعي الإدارة الأمريكية لإضعاف الدولار المستثمرين في حالة من الحذر.
انخفضت العملة الأميركية مقابل معظم عملات الأسواق الناشئة، رغم أنها عوضت بعض الخسائر التي شهدتها في الآونة الأخيرة مقابل اليورو والجنيه الإسترليني والين والفرنك السويسري، والتي كانت مدفوعة بالمخاوف بشأن السياسات الاقتصادية للرئيس الأميركي دونالد ترامب.
قال ترامب هذا الأسبوع، إن بوسعه تصور نفسه وهو يتعامل مباشرة مع نظيره الصيني شي جين بينغ بشأن التفاصيل النهائية لاتفاق تجاري.
وفي وقت سابق من هذا الشهر أشار إلى أن لديه صفقات محتملة مع الهند واليابان وكوريا الجنوبية.
في الشهر الماضي، أكد وزير المالية الياباني كاتسونوبو كاتو، إن اليابان لا تتلاعب بسوق العملات لإضعاف الين، ردا على اتهامات من الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن اليابان تخفض قيمة عملتها عمداً لمساعدة المصدرين.
أضاف في بيان: «إن اليابان لا تتلاعب بسوق العملات لإضعاف الين عمداً، كما يتضح من حقيقة أن أحدث إجراءاتنا كان التدخل بشراء الين». في إشارة إلى تعليقات ترامب التي انتقد فيها اليابان لمنح صادراتها ميزة تجارية من خلال إضعاف الين.
في حين تصدرت تايوان ارتفاع العملات الناشئة مقابل الدولار، في الشهر الماضي، حيث ارتفعت عملتها 5%، مسجلةً أكبر ارتفاع يومي لها منذ أكثر من ثلاثة عقود.
ونفى البنك المركزي التايواني حينها وجود أي ضغوط من البيت الأبيض لرفع قيمة بعض العملات الآسيوية في إطار صفقة تجارية، ومع ذلك فإن الأسواق تتأهب لأي تحول قد يطرأ.
كتب محللون في شركة «تي. دي سيكيوريتيز» في مذكرة بحثية هذا الأسبوع: «كنا نشير إلى انتعاش تكتيكي للدولار، وهو ما تم الآن، قبل أن يعود إلى الانخفاض من جديد، وبناء على ذلك، سيمثل ارتفاع الدولار في الربع الثاني من العام فرص للبيع».
قال محللو «تي. دي سيكيوريتيز» إنه إلى جانب الانتعاش المتواضع للدولار في الربع الثاني، فإننا نتوقع تحركا نزولياً آخر بـ5% للدولار في النصف الثاني من العام.
وفقا لمحللي «تي. دي سيكيوريتيز» يفكر المستثمرون على مستوى العالم بتنويع استثماراتهم بعيداً عن الأصول الأميركية؛ نظراً لاستمرار الضبابية والتقلبات بالسياسة الأميركية.
انخفض الدولار في الشهر الماضي إلى أدنى مستوى له في ثلاث سنوات مقابل اليورو، وبلغ أدنى مستوى له في سبعة أشهر مقابل الين، ونزل إلى قاع 10 سنوات أمام الفرنك السويسري.
تعرضت العملة الأميركية لخسائر فادحة منذ بداية هذا العام؛ ما أثار التساؤل بشأن احتمال تعمد الإدارة الأميركية، إضعاف وخفض قيمة العملة تزامناً وخفض معدلات الفائدة لتحقيق مكاسب أوسع.
عادة ما تستفيد الدول المصدرة من انخفاض قيمة العملة؛ إذ تكسب ميزة تنافسية تسمح بزيادة الصادرات، وفي حالة الولايات المتحدة قد يمنحها الدولار الضعيف قدرة على تقليص فجوة الميزان التجاري مع الشركاء والمنافسين.
إضافة إلى ذلك، فالولايات المتحدة تعاني مستويات تاريخية من الديون، وحجما قياسيا من السندات، وكلما انخفضت الفائدة تنخفض تكلفة خدمة الديون، وكلما تراجع الدولار تنخفض تكلفة شراء السندات من حاملي العملات الأخرى.
في أكثر من مرة، أعرب ترامب عن اعتقاده بأن الدولار الأميركي قوي أكثر مما ينبغي، بينما يرى مستشاروه أن ضعف الدولار قد يعالج اختلالات العجز التجاري، بل ويعتبر بعضهم أن موقع الدولار كعملة احتياطية عالمية بات يشكل عبئا لا ميزة.
تعكس الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب رؤيته بأن العجز التجاري الأميركي الذي بلغ رقما قياسيا قدره 1.2 تريليون دولار عام 2024 يضر بالعمال الأميركيين، وخصوصاً الوظائف الصناعية.
وفقاً لهذا الطرح، فإن القوة التاريخية للدولار تقوّض القدرة التنافسية الأميركية، وتبعا لذلك، قد تسعى واشنطن لإبرام اتفاقات مع دول أخرى من أجل تصحيح هذه المعادلة.
في ظل السياسات الحمائية التي يتبناها ترامب، ظهرت تكهنات إعلامية تشير إلى احتمال إبرام اتفاق دولي جديد، غير رسمي على خفض قيمة الدولار على غرار اتفاق حدث عام 1985.
في عام 1985، بادر وزير الخزانة الأميركي آنذاك، جيمس بيكر، إلى جمع قادة ماليين من أكبر 5 اقتصادات في العالم «اليابان، ألمانيا الغربية، فرنسا، المملكة المتحدة، والولايات المتحدة» في فندق بلازا بنيويورك، حيث تم التوصل إلى اتفاق تاريخي لخفض قيمة الدولار الأميركي بشكل منسق.
عُرفت هذه المبادرة باسم «اتفاقية بلازا»، وهدفت الاتفاقية إلى تقليص قيمة الدولار من خلال التزامات واضحة: الولايات المتحدة تعهدت بخفض عجزها الفيدرالي، في حين التزمت اليابان وألمانيا بتحفيز الطلب المحلي.
وفقا لتقارير إعلامية أميركية، فإن الاتفاق على خفض الدولار تكرر من جديد في منتجع يملكه ترامب في ولاية فلوريدا يسمى «مار-أ-لاغو»