سجلت أسهم كبرى شركات التكنولوجيا الأميركية أكبر خسارة منذ فقاعة التكنولوجيا عام 2000، لتفقد تميزها في ظل التحول بتفضيلات المستثمرين بسبب رفع أسعار الفائدة.
تسبب ركود السوق في 2022 في تباطؤ وتيرة شراء أسهم عمالقة التكنولوجيا سريعة النمو مثل "ميتا بلاتفورمز" و"آبل" و"أمازون" و"نتفليكس" و"ألفابيت" الشركة المالكة لـ"غوغل"، ومن بين الشركات الخمس لم تكن سوى "آبل" التي انخفضت 12% فقط منذ بداية العام، بأقل من تراجع مؤشر "ناسداك" الذي انخفض بنسبة 29%.
غياب البدائل
على مدار سنوات، كان مديرو المحافظ على استعداد للتغاضي عن التراجع الطارئ في نتائج أعمال عمالقة التكنولوجيا الفصلية، مما قلص البدائل في فترة اتسمت عمومًا بتباطؤ التوسع الاقتصادي، لكن حالة الصبر تلاشت هذا العام، وهو ما ظهر في التراجع الحاد لسهم "ميتا" كرد فعل للمستثمرين بعد تراجع الأرباح الأسبوع الماضي.
قالت روبال بهانسالي، كبيرة مسؤولي الاستثمار ومديرة محفظة استراتيجيات الأسهم العالمية في شركة"أريل إنفستمنتس": "تزايدت المضاربة في القطاع ". ومع ارتفاع أسعار الفائدة "يعود الناس إلى رشدهم ويدركون أننا بحاجة لأن نكون أكثر حذرًا".
انخفضت القيمة السوقية لمؤشر "ناسداك المركب" هذا العام بنحو 8 تريليون دولار، مقارنة بنحو 5 تريليون دولار على مدى ثلاث سنوات في الفترة بين 2000-2002، بما يعادل نحو 8.6 تريليون دولار اليوم. وقادت أسهم شركات التكنولوجيا تراجع السوق في 2022، على عكس الفترة 2007-2009 التي كانت أسوأ فترة بيع لأسهم القطاعين المالي والإسكاني.
سيطرة تاريخية
خلال السنوات التي تلت الأزمة المالية، سيطر ارتفاع أسهم التكنولوجيا منفردة على المشهد، مما أدى إلى نحو عقد كامل من العوائد الهائلة التي جذبت مزيد من المشترين. وخلال فترة الكساد بسبب الجائحة والطفرة التي شهدتها الأسهم عامي 2020 و2021، بدت الشركات محصنة ضد الأزمة الاقتصادية رغم التمتع بكامل الفوائد من إنهاء الإغلاقات.
تغير كل ذلك هذا العام مع إصرار الاحتياطي الفيدرالي وقف التضخم. تركت أسعار الفائدة المرتفعة المديرين التنفيذيين والمستثمرين بقطاع التكنولوجيا في بيئة سوق مختلفة تمامًا، حيث تفضل الاستثمارات التي تولد عوائد فورية لحاملها.
تصدرت شركات مثل "آبل" و"أمازون" و"ميتا" و"مايكروسوفت" و"تسلا" قائمة الأكثر تراجعًا من بين الشركات المدرجة في مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بمتوسط انخفاض 19% تقريبًا حتى الخميس الماضي، وفقاً لمؤشرات "ستاندرد آند بورز داو جونز"، بينما ارتفعت أسهم شركات الطاقة، ويتداول سهم "ميتا" عند أدنى مستويات منذ 2016.
مستقبل باهت
تتوقع شركات وول ستريت مزيد من الأضرار مستقبلاً، حيث انخفضت تقديرات المحللين لأرباح الربع الرابع لشركات قطاع الاتصالات المدرجة بمؤشر "ستاندرد آند بورد 500" حيث الشركات الأم لـ "غوغل" و"فيسبوك"، أكثر من أي مجموعة قابضة منذ نهاية يونيو، وفقًا لـ"فاكتسيت". وتتابع أسهم الشركات المدرجة بالقطاع تسجيل أسوأ أداء سنوي لها منذ أكثر من عقدين.
كانت "ميتا" مطلع العام بين أكبر 10 شركات مدرجة في مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" من حيث القيمة السوقية واليوم ليست ضمن أعلى 20 شركة، مع تجاوزها من شركات مثل "شيفرون" و"بنك أوف أمريكا".
قال رون سابا، كبير مديري الأصول الاستثمارية في "هوريزون انفستمنتس": "كم تدفع مقابل أسهم النمو التي لم تعد تنمو كما كانت من قبل؟".
وأضاف سابا إن شركته تركّز على ما أسهم القيّمة، التي يراها المستثمرون تتداول بأقل من بأقل من قيمتها، وأسهم الشركات الأكثر حساسية للأداء الاقتصادي مثل شركات التصنيع.
وأعرب سابا عن تفاؤله على نحو خاص بقطاعات الصناعات والمرافق وأسهم الطاقة، وشركاتها التي ساعدت في ارتفاع مؤشر "داو جونز" الصناعي بنسبة 5.7% في المتوسط خلال الأسبوع الماضي، متجاوزًا مؤشر "ستاندرد آند بورز 500".
تآكل القوة الشرائية
إلى جانب ارتفاع التقييمات ورفع أسعار الفائدة، كان المسؤولون التنفيذيون بشركات التكنولوجيا يحاولون التعامل مع ارتفاع الدولار الأميركي، والمستهلكون الذين فقدوا الكثير من قوتهم الشرائية بسبب التضخم واحتمال تباطؤ الاقتصاد. وقد أعلنت شركة "إنتل" الأسبوع الماضي عن خطط لتخفيض التكاليف بمقدار 3 مليارات دولار العام المقبل.
بينما قالت بهانسالي من شركة "أرييل" للاستثمارات إن العديد من شركات قطاع التكنولوجيا تابعت رد فعل المستثمرين وتجاوزت حد الإنفاق في السنوات الأخيرة وتعتقد بهانسالي أنه يتعين عليها الآن تعديل أوضاعها حيث أن الوقت غير مناسب للاستثمار في أسهم مثل "ميتا" وألفابيت" لأنها تتوقع تضررها بسبب انخفاض إيرادات الإعلانات.
تحدث مارك زوكربيرغ عن سماعة رأس جديدة للواقع الافتراضي خلال حدث في نيويورك هذا الشهر. (الصورة: مايكل ناجل/بلومبرغ نيوز)
قال المحللون إن أسعار أسهم بعض كبرى شركات التكنولوجيا ما تزال باهظة الثمن رغم التراجع الحاد هذا العام. حيث يتم تداول أسهم أمازون بمضاعف ربحية 65 مرة وفقاً للأرباح المتوقعة على مدى الاثني عشر شهرًا القادمة، وفقًا لـ"فاكتسيت"، في الوقت الذي تداول فيه مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بمضاعف ربحية 16 مرة وفقاً للأرباح المتوقعة.
تفضل بهانسالي في الوقت الحالي الشركات التي تقدم دفعات ثابتة للمستثمرين أرباح عن طريق توزيعات الأرباح، وكذلك الشركات التي تتمتع بإيرادات متكررة من خلال خدمات الاشتراك. كما تهتم بشركات الاتصالات، حيث لن يتوقف المستهلكين على الأرجح عن دفع فواتير هواتفهم المحمولة خلال الركود.
آبل استثناء
يواجه إنفاق بعض الشركات قدراً متزايداً من التدقيق. فبعد توقع "ميتا" إنفاق رأسمالي يزيد عن 30 مليار دولار في استثمارات الذكاء الاصطناعي بالمقام الأول، قام المحللون في مؤتمر التعليق على الأرباح بالضغط على المديرين التنفيذيين لتوضيح كيفية دفع تلك النفقات وكيف ستؤتي ثمارها.
أعرب الرئيس التنفيذي لـ "ميتا بلاتفورزمز"، مارك زوكربيرغ عن ثقته في أن مبادراته ستفيد المساهمين الذين أظهروا الصبر. وفي اليوم التالي انخفضت أسهم "ميتا" 25%.
لم تكن كل الأرباح والنتائج الفصلية كارثية بكل تأكيد. حيث أعلنت "آبل" عن أرباح قياسية في الربع الثالث وارتفعت أسهمها 7.6%.
البعض متماسك
ما تزال بعض الأسهم الأخرى متماسكة، حيث يقول ديفيد جيفريس، مدير محفظة في "لافر تينغلر إنفيستمنت" إن شركته لم تقلص حجم محفظتها في "مايكروسوفت" رغم إعلانها تسجيل أضعف نمو بالإيرادات منذ أكثر من 5 سنوات، ويرى جيفريس فرصًا كثيرة لكنها لا تحظى بالتقدير الكافي في قطاعات تدر الإيرادات تعتمد على الاشتراكات مثل "لينكدإن" و"مايكروسوفت تيمز" وقطاع الألعاب.
قال جيفريس: "البيع في هذه المرحلة يعني التخلي عن الأسهم".
لكن الكثير من المستثمرين لا يظهرون نفس العزيمة، حيث انخفضت أسهم "سناب" 28% في يوم واحد هذا الشهر، بعد تسجيلها أضعف أداء للمبيعات منذ طرحها للاكتتاب العام، مما أدى إلى انخفاض السهم 79% منذ بداية 2022.
قرر المسؤولون التنفيذيون مطلع العالم إيقاف كاميرا السيلفي الطائرة المعروفة باسم "بيكسي" بعد أشهر فقط من الكشف عنها. وبسؤال الرئيس التنفيذي، إيفان شبيغل عن القرار خلال مؤتمر "تيك لايف"، الذي نظمته صحيفة وول ستريت جورنال الأسبوع الماضي، أجاب بأنه "منتج رائع وبهامش ربح منخفض في عالم تبلغ فيه أسعار الفائدة 5%".