يشهد سوق الغاز الطبيعي المسال تحولاً جذرياً تقوده شركات النفط والطاقة الحكومية الخليجية، حيث تضخ مليارات الدولارات في مشاريع عالمية جديدة، في خطوة تعزز حضورها الدولي، وتزاحم بها اللاعبين التقليديين في القطاع.
وذكرت وكالة «بلومبرغ» أن «مستثمرين جدداً من عمالقة النفط في الخليج، وعلى رأسها من دول الشرق الأوسط، يقتحمون سوق الغاز الطبيعي المسال، بمليارات الدولارات للاستثمار في مشاريع جديدة، في ظل تضاؤل دور الشركات العالمية الكبرى».
ويأتي هذا التوسع في وقت يشهد فيه الغاز الطبيعي المسال نمواً مطرداً، بصفته وقوداً انتقالياً يدعم مصادر الطاقة المتجددة، إلا أن تأخّر بعض المشاريع، وتجاوز ميزانياتها، أوجدا فرصة أمام الشركات الخليجية للاستثمار بكثافة، مدعومة بإمكانات مالية ضخمة، ودعم حكومي قوي.
وتقدّمت شركة بترول أبوظبي الوطنية «أدنوك» الإماراتية بعرض ضخم قيمته 19 مليار دولار للاستحواذ على شركة «سانتوس» الأسترالية، ما يعكس نيتها الجادة للهيمنة على حصص أكبر في السوق، وفق التقرير.
كما عززت شركة «أرامكو» السعودية حضورها ضمن كبار مورّدي الغاز عالمياً، من خلال صفقة لتوفير الغاز إلى مصر، في حين تواصل شركة «قطر للطاقة» استثماراتها الطموحة، من ضمنها مشروع تصديري في ولاية تكساس الأميركية.
وتسعى دول الخليج من خلال هذه الاستثمارات إلى تنويع اقتصاداتها، وتقوية نفوذها في مجالات: الطاقة، والتمويل، والجغرافيا السياسية.
وقال أوجان كوز، المدير التنفيذي في شركة «أكسنتشر»، إن «الهوامش الربحية من استثمارات الغاز الطبيعي المسال والتجارة فيه تُعد من الأعلى على الإطلاق بين مختلف أنواع الوقود الأحفوري».
كما تنخرط دول، مثل: البحرين، والكويت، وعُمان، في توسيع أنشطتها في المجال، إما لتحسين أمن الطاقة محلياً أو للاستفادة من أرباح التصدير في ظل تقلبات الأسعار العالمية.
التحول لا يقتصر على الخليج وحده، فشركات جنوب شرق آسيا، مثل شركة «بتروناس» الماليزية، بدأت توسع أنشطتها خارج حدودها، مع تراجع إنتاج الغاز محلياً.
وفي المقابل، تواجه الشركات الأميركية، وشركات النفط الكبرى، صعوبات متزايدة في إتمام مشاريعها العملاقة، نتيجة تعقيدات مرتبطة بالأهداف المناخية والعقود طويلة الأجل، إضافة إلى تحديات تمويلية وتشغيلية.
وفي ظل هذه المعطيات، باتت الشركات الخليجية، مثل: «أدنوك» و«أرامكو» و«قطر للطاقة»، أكثر قدرة على تمويل المشاريع وضمان التسويق لها، خاصةً مع امتلاكها وحدات تداول نشطة، وأسواقاً جاهزة.
ورغم الزخم الحالي، تظل هناك تحديات مستقبلية، إذ تشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن الطلب العالمي على الغاز قد يبلغ ذروته بحلول عام 2030، ما يثير مخاوف من تخمة في المعروض.
كما أن التوترات الجيوسياسية، وآخرها في منطقة الشرق الأوسط، تسلط الضوء على هشاشة سلاسل الإمداد العالمية.
لكن في الوقت الراهن، تستعد سوق الغاز الطبيعي المسال لدخول مرحلة جديدة من التنافسية، تقودها الشركات الخليجية الطامحة لتثبيت موقعها كلاعب رئيس في مشهد الطاقة العالمي.