وبالتالي، فإن هيمنة روسيا على سوق النفط الأوروبي تعد أمراً حيوياً للاقتصاد الروسي، وتعود أسباب هيمنة روسيا على سوق النفط الأوروبي إلى عدة عوامل، أهمها أن نظام الحكم في روسيا كان يدعم ويوجه الاقتصاد نحو هذا القطاع بشكل كبير، مما يسهل عليها التأثير على سوق النفط الأوروبي.
وكانت العلاقات السياسية والاقتصادية بين روسيا والدول الأوروبية ذات مغزى في هذا الصدد، حيث فتحت الدول الأوروبية مجال استيراد كميات كبيرة من النفط والغاز الروسي، وأصبحت روسيا شريكاً مهماً للاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة.
وجاء ذلك تحت سياسة ابتدعها المستشار الألماني الأسبق ويلي براندت والمسماة "أوست بوليتيك"، والتي تفترض أن روسيا ستفضل السلام مع أوروبا بسبب اعتمادها الاقتصادي الكبير عليها، وهذا أتاح لروسيا القدرة على التحكم في الأسعار وتحقيق أرباح كبيرة من بيع النفط والغاز للأسواق الأوروبية، بالإضافة إلى ذلك، فإن روسيا تستفيد من وجود شركات نفطية كبرى مثل "غازبروم" و"روسنفت" التي تمتلك مصافي وشبكات للتوزيع في الدول الأوروبية، مما يتيح لها تحقيق المزيد من السيطرة على سوق النفط الأوروبي.
وقبل هيمنة روسيا على سوق النفط الأوروبية كانت الدول العربية وإيران منتجَين رئيسيين للنفط في العالم، وكانت أوروبا سوقاً هاماً لهم قبل أن يخسروها لصالح روسيا في عقد الثمانينات، إضافة إلى الميزة الجغرافية لروسيا على المنتجين العرب وإيران.
أولاً- تزايد إنتاج روسيا: زاد إنتاج روسيا للنفط في السنوات الأخيرة، وأصبحت روسيا أكبر مصدر للنفط لأوروبا، وترجع هذه الزيادة في الإنتاج إلى ارتفاع الطلب العالمي على النفط وإنتاج روسيا الضخم، بالإضافة إلى سيطرة روسيا على شركات النفط الكبرى التي تعمل في أوروبا.
ثانياً- ارتفاع تكاليف إنتاج النفط: يتطلب إنتاج النفط في الدول العربية وإيران تكاليف إنتاج عالية، بسبب تكاليف الشحن وافتقار المنطقة إلى الاستقرار الأمني والسياسي الذي تحتاجه لمد أنابيب تصدير إلى القارة الأوروبية، وهذا يؤدي إلى ارتفاع تكاليف إنتاج النفط ويجعل النفط الروسي أكثر تنافسية في سوق النفط الأوروبية.
أولاً- الموقع الجغرافي: تقع الدول العربية النفطية وإيران في منطقة جغرافية تمتد من الشرق الأوسط إلى جنوب آسيا، وهي تعتبر منطقة حيوية للتجارة والاقتصاد، وبالتالي، فلديها موقع استراتيجي مهم لتوفير النفط للسوق الآسيوي.
ثانياً- الطلب الكبير على النفط: تتميز دول آسيا بنمو اقتصادي كبير وزيادة في الطلب على النفط ومشتقاته، وهذا يعزز دور الدول العربية النفطية وإيران في تلبية الطلب الكبير على النفط في هذه المنطقة.
ومن بعد الحظر الأوروبي على واردات النفط الروسية تمكنت روسيا وبنجاح باهر من اختراق السوق الآسيوي وفي فترة تقل عن سنة افتتحت لها سوقاً جديداً في الهند، ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم، وارتفعت بسرعة لتصبح أكبر مورد للنفط إلى الهند متجاوزة جميع المصدرين من الشرق الأوسط بما فيهم العراق والكويت وإيران، وفي يناير وفبراير من هذه السنة كذلك تجاوزت روسيا، المملكة العربية السعودية لتصبح المُصدر الأول للنفط إلى الصين، أكبر مستهلك للنفط في العالم.
ورغم أن المنتجين العرب بدأوا بزيادة تصدير النفط والديزل إلى أوروبا إلا أن التطورات الأخيرة في العلاقات السعودية الصينية ما زالت تراهن على أن الصين هي أهم مصدر للطلب في المستقبل وليس أوروبا.
ومن الواضح أن أرامكو ترى ذلك جلياً، فأوروبا ليست عميلاً موثوقاً على المدى المتوسط الى الطويل، فقد تعود أوروبا إلى النفط الروسي بسرعة من بعد انتهاء الحرب والعقوبات بسبب سهولة نقله ووجود البنية التحتية من أنابيب الضخ والمصافي وخبرة شركات النفط الروسي العملاقة بالسوق، وأوروبا كذلك تصدر قوانين متشددة لاستعمال الطاقة البديلة تهدف إلى تقليل اعتمادها على النفط، مثال على ذلك منع بيع سيارات الديزل والبنزين في العقد المقبل.
وقامت شركة أرامكو بتوقيع العديد من صفقات النفط مع شركات الطاقة الصينية، والتي تضمن سوقاً لـ 690 ألف برميل من النفط الخام يومياً، كما حصلت على 10% من شركة رونغتشنغ للبتروكيماويات المحدودة، والتي ستشمل ضمان شحن 480 ألف برميل خام يومياً إلى تشجيانغ كورب للبتروكيماويات لمدة 20 سنة قادمة.
وقد تكون الولايات المتحدة حليفاً سياسياً للسعودية، ولكن العلاقة مع الصين باعتبارها المستورد الأول للخام السعودي تجعل منها اقتصادياً أكثر أهمية للمملكة.
وبناءً على هذه القراءات نتوقع أن يزداد التنافس على السوق الصيني بين السعودية وإلى جانبها المنتجون العرب، وروسيا التي ما من شك أظهرت قدرة غير متوقعه على الوصول إلى أسواق آسيا.