بعد طلب منصة تداول العملات المشفرة "إف تي إكس FTX" إشهار إفلاسها الأسبوع الماضي، أعلن رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية، غاري غينسلر عن شن حملة على "الجموح الغربي" لأسواق العملات المشفرة.
أفادت "رويترز" عن تبخر نحو 1-2 مليار دولار من أموال العملاء بمنصة "إف تي إكس"، وإذا خسر العملاء الأميركيون أغلب ثرواتهم، سوف تتحمل لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية مسؤولية كبيرة.
يرجع إفلاس "إف تي إكس" إلى الخسائر الكبيرة لانكشافات غير معروفة سابقاً على أصول العملات المشفرة المتقلبة، وإساءة الاستخدام المحتمل لأموال العملاء التي تم إقراضها لشركة "ألاميدا ريسيرش"، التابعة للمنصة.
لم يعد بإمكان العملاء سحب 16 مليار دولار نقدًا وأصولًا مشفرة لدى "إف تي إكس" حيث يواجهون مستقبلاً غامضًا في ظل الإفلاس والذي يعتمد على مدى الخسائر وحدوث احتيال.
لم تكن الأمور تتجه إلى ذلك المسار. حيث يفترض الاحتفاظ بالأصول المشفرة أو "إيداعها" لدى البنوك الخاضعة للجهات التنظيمية ووسطاء التداول وليس لدى بورصات العملات المشفرة غير الخاضعة للجهات التنظيمية، لكن غينسلر ولجنة الأوراق المالية والبورصات قررا منع ذلك، من خلال إقرار احتفاظ جهة إيداع مستقلة بأصول العملاء والتحكم في حركتها لحفظ الأموال ومنع إساءة استخدامها مثل سوء الاستخدام بسبب تضارب المصالح وهي المشكلة التي حدثت مع "إف تي إكس".
تحتفظ البنوك عادة بأصول العملاء من المؤسسات ومقدمي خدمات وساطة التداول للأفراد. ولم يعد كافياً اقتراح وزيرة الخزانة، جانيت يلين رداً على انهيار بورصة "إف تي إكس" فصل الأصول وفرض قيوداً محاسبية مستقلة على أصول البورصات، حيث يتعين على البنوك والسماسرة الاحتفاظ بتلك الأصول في إطار تنظيمي بما يضمن للعملاء استرداد كافة أموالهم وعدم التحول لمجرد دائنين في حالة إفلاس البورصة.
كانت صحيفة وول ستريت جورنال قد أشارت إلى تعرض "إف تي إكس" لقرصنة على أموال عملاء بقيمة 370 مليون دولار بينما تتمكن البنوك ووسطاء التداول حماية الأصول من مخاطر السرقة أو الخسارة بسبب القرصنة بنحو أفضل من بورصات العملات المشفرة، لامتلاكهم نظام تحكم في الأصول وخبرة متزايدة في الأمن السيبراني.
تعرض لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية استثمار الأميركيين في الأصول المشفرة للخطر. وقد حذرنا مع آخرين اللجنة من احتمال العواقب الضارة لسياستها.
طلبت نشرة فريق المحاسبة بلجنة الأوراق المالية والبورصات الصادرة في مارس الماضي من البنوك ووسطاء التداول التابعين لها المحتفظين بأصول العملات المشفرة، إدراج تلك الأصول في ميزانياتهم العمومية، وهو ما لم يُطلب من البنوك وسطاء التداول من قبل وسوف يكون التغيير مكلفًا للغاية للبنوك والوسطاء التابعين لإخضاعهم لشروط أعلى تتعلق برأس المال والسيولة وهو السبب الذي ابتعدت نتيجته تلك المؤسسات المالية بشكل كبير عن حفظ العملات المشفرة.
تعد مشكلة الحفظ كبيرة لأن كافة أكبر أمناء الحفظ وأكثرهم تطوراً حول العالم من البنوك أو وسطاء التداول التابعين لها، حيث تمنع قواعد المحاسبة الجديدة لهيئة الأوراق المالية والبورصات شركات مثل "ستيت ستريت" و"بي إن واي ميلون"، التي تحتفظ بتريليونات الأصول المالية، من الاحتفاظ بالأصول المشفرة.
ما السبب الرئيسي لفرض لجنة الأوراق المالية والبورصات لتلك القاعدة؟ لا تتطلب الأصول المالية الأخرى مثل السندات والأسهم والمشتقات المالية إضافتها للميزانية العمومية للضامن لأنهم لا يمتلكون تلك الأصول، وبالتالي لا يتعرضون لخسائر بسبب تغير قيمة تلك الأصول، بينما لم تطبق هيئة الأوراق المالية والبورصات قواعد خاصة لتنظيم العملات المشفرة حتى الآن.
ترى هيئة الأوراق المالية والبورصات أن الأصول المشفرة تحمل "مخاطر وشكوك فريدة من نوعها" من بينها مخاطر السرقة أو الخسارة والمخاوف المرتبطة والتعامل القانون مع الأصول المشفرة في حالة الإفلاس.
لكن لجنة الأوراق المالية والبورصات مخطئة حيث تملك البنوك ووسطاء التداول قدرات تشغيلية والتزامات تنظيمية وقواعد تخفف من مخاطر الإفلاس، كما يخضع وسطاء التداول، على عكس بورصات العملات المشفرة، لقواعد بشأن كيفية الاحتفاظ بأصول العملات المشفرة في أمان.
إذا أوقفت لجنة الأوراق المالية والبورصة تلك النشرة، يمكن للبنوك ووسطاء التداول التابعة تقديم خدماتها للمستثمرين الأميركيين في الأصول المشفرة وبورصات العملات المشفرة، التي تضع الأصول المشفرة تحت تصرف أكثر الضامنين أمانًا في العالم. وفي الواقع، بدأت البنوك ووسطاء التداول ذلك قبل القاعدة الجديدة للجنة الأوراق المالية والبورصة.
قد تنخفض قيمة الأصول المشفرة، لكن المستثمرين الأميركيين لن يساورهما القلق من فقدان أصولهم بسبب بورصة العملات المشفرة التي أفلست.
يتركز أغلب اهتمام غينسلر بإعادة هيكلة أسواق رأس المال الأميركية بشكل كامل بزيادة التكاليف على المستثمرين، كما ذكرنا بالتفصيل هنا بالصحيفة من قبل ويصب تركيزه على العملات المشفرة ومطالبة البورصات غير المنظمة بالتسجيل طواعية لدى لجنة الأوراق المالية والبورصات، وتقديم إفصاحات عن طروحات العملات المشفرة، وليس حماية أصول العملاء من بورصات العملات المشفرة غير المنظمة.
تفتقر لجنة الأوراق المالية والبورصات سلطة إجبار البورصات غير المسجلة على توفير ضمان مستقل من مؤسسات مالية تخضع للجهات التنظيمية، لكن على غينسلر عدم الوقوف بطريق اعتماد السوق على ذلك الحل، حيث ينبغي على غينسلر إلغاء تلك القاعدة الآن وعلى الكونغرس تفويض الضمان لجهات مستقلة على الأصول المشفرة لوسطاء التداول والبنوك.
لقد فات الأوان لعملاء "إف تي إكس" بالولايات المتحدة، لكن ما يزال بإمكان لجنة الأوراق المالية والبورصات والكونغرس حماية المستثمرين الأميركيين الآخرين في الأصول المشفرة قبل أن تنهار بورصة أخرى.
المصدر: وول ستريت جورنال