تركيا توسّع استثماراتها في النحاس وسط ارتفاع الطلب عالمياً

تعمل تركيا على تعزيز إنتاج النحاس، سواء في أنشطة الاستخراج أو المعالجة، في مسعى لتلبية الطلب المتزايد محلياً ودولياً، والاستفادة من ارتفاع الأسعار على المستوى العالمي.

وسجّل سعر النحاس يوم الاثنين 9,778.50 دولار للطن في بورصة لندن للمعادن، مع تسابق التجّار على شراء المخزونات قبيل الموعد المتوقع لفرض رسوم جمركية أميركية جديدة على واردات المعادن في الأول من أغسطس.

رغم هذا الزخم، لا تزال صناعة النحاس على مستوى العالم تواجه تحديات في زيادة إمدادات المناجم، في ظل الارتفاع الحاد في تكاليف تطوير المشاريع الجديدة، وفقاً لما أوردته صحيفة فايننشال تايمز ونقله موقع (AGBI).

في منطقة الشرق الأوسط، أدى تعافي أسعار النحاس بعد انخفاضها في أبريل إلى رفع تكلفة العطاءات الإنشائية بنسبة تتراوح بين 3 و5%، إذ يُقدّر المحللون أن النحاس وحده يسهم بنسبة تتراوح بين 0.5 و2% من هذه الزيادة، تبعاً لطبيعة كل مشروع.

خطط توسعية

في تركيا، أعلنت شركة إتي باكير (Eti Bakir) المملوكة للدولة، في نهاية يونيو، عن خطط لتوسيع عملياتها في منجم النحاس بمحافظة سيرت الشرقية بحلول عام 2027، باستثمار قدره 200 مليون دولار.

فيما قال مدير العمليات في الشركة، أولجاي كوتيلوغلو، إن احتياطات منجم سيرت تُقدّر بنحو 30 مليون طن، مضيفاً أن المنجم يزوّد بالفعل مصنع الصهر التابع للشركة في محافظة سامسون المطلة على البحر الأسود بأكثر من مليون طن من الخام سنوياً، ما يُنتج 80 ألف طن من النحاس المكرر.

رغم أن احتياطات تركيا تبقى أقل بكثير من تلك الموجودة في تشيلي، التي تمتلك أكبر احتياطي للنحاس في العالم والمقدّر بـ190 مليون طن، إلا أن حجم الاحتياطات التركية يُعدّ مهماً على الصعيد الإقليمي.

على الرغم من التوسع في عمليات التعدين المحلية، تظل تركيا من كبار مستوردي النحاس الخام والخردة والنحاس شبه المكرر، حيث بلغت قيمة وارداتها من النحاس نحو 6 مليارات دولار العام الماضي.

لكن جزءاً كبيراً من هذه الكميات يُعاد تصنيعه محلياً ثم يُصدَّر مجدداً. ووفقاً لقاعدة بيانات الأمم المتحدة لإحصاءات تجارة السلع (UN Comtrade)، بلغت قيمة صادرات تركيا من النحاس المعالج والمكرر أكثر من 2.9 مليار دولار في عام 2024، دون احتساب مكوّنات النحاس المُستخدمة في المنتجات التقنية والإلكترونية.

ويرى إيلكر كاراسلان، مؤسس شركة إيلكار ميتال (İlkar Metal) المتخصصة في النحاس الأصفر، أن تسارع وتيرة الرقمنة يعزز الطلب على النحاس، مشيراً إلى أن التحول الرقمي المتنامي في تركيا سيُبقي الطلب مرتفعاً ويدفعه إلى مزيد من النمو.

أضاف: «التقنيات المتقدمة، والمركبات الكهربائية، وتوسّع الصناعات الدفاعية في البلاد، جميعها ترفع الطلب على النحاس. ولا يوجد حتى الآن بديل لهذا المعدن، ولهذا نلاحظ ازدياد الاستثمارات في قطاع التعدين في تركيا».

من بين هذه الاستثمارات، مشروع جارٍ تطويره في محافظة بالي قصر شمال غربي البلاد، حيث تعمل شركة إيه سي جي ميتالز (ACG Metals) المدرجة في لندن على تحويل إنتاجها من الذهب إلى النحاس في منجم غيديكتيبي (Gediktepe)، وتهدف إلى استخراج ما يصل إلى 300 ألف طن من الخام سنوياً.

في مايو الماضي، أدرجت الشركة سنداً مضموناً بقيمة 200 مليون دولار في بورصة نورديك إيه بي إم (Nordic ABM) لتمويل توسعها في الإنتاج. وصرّح الرئيس التنفيذي أرتيم فولينيتس بأن هذه الخطوة تأتي ضمن استراتيجية تهدف إلى جعل الشركة «من أبرز منتجي النحاس في العالم».

الاقتصاد الأخضر

ويُعد التحول نحو الاقتصاد الأخضر في تركيا من أبرز العوامل المحفزة لاستهلاك النحاس. ووفق دراسة أعدتها غرفة صناعة إسطنبول، يُتوقع أن يرتفع الطلب المحلي على النحاس المستخدم في الألواح الشمسية، والتوربينات الهوائية، والمركبات الكهربائية إلى 6,700 طن في عام 2025، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف استهلاك عام 2022، على أن يتجاوز 20,000 طن بحلول عام 2030.

  كما يُعتبر الإنفاق الدفاعي عاملاً إضافياً مهماً، بحسب كاراسلان. ففي قمة الناتو التي عُقدت في لاهاي الشهر الماضي، التزمت تركيا ودول الحلف برفع ميزانياتها الدفاعية إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي. ويُعد النحاس عنصراً أساسياً في صناعة الذخائر والإلكترونيات وتقنيات الاتصالات.

ويواكب ذلك ارتفاع في صادرات تركيا الدفاعية، التي بلغت 7.45 مليار دولار في الأشهر الاثني عشر المنتهية في يونيو، بزيادة نسبتها 23% على أساس سنوي، وفقاً لـهيئة الصناعات الدفاعية التركية.

ومع تزايد الطلب داخل الناتو على التكنولوجيا العسكرية المتقدمة، يُتوقع أن تشهد الصناعات الدفاعية التركية زيادة كبيرة في استهلاك النحاس خلال السنوات المقبلة.