أسعار النحاس في الولايات المتحدة تتداول عند مستويات قياسية
تشهد صناعة النحاس في الولايات المتحدة تحركات متسارعة لإحياء الإنتاج المحلي، حيث تستعد شركة «إيفانهو إلكتريك» (Ivanhoe Electric) لبدء العمل في أول منجم نحاس كبير يُفتتح في البلاد منذ أكثر من عشر سنوات، وذلك على أرض زراعية سابقة في أريزونا.
يأتي هذا التطور في ظل ارتفاع أسعار النحاس، وفي خطوة تعكس اتجاهات أوسع داخل القطاع لتقليل الاعتماد على الواردات، لا سيما من الصين، لتأمين المواد الخام الحيوية وتعزيز القدرات الوطنية، وفق تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال».
يقع مشروع المنجم، الذي يحمل اسم «سانتا كروز» (Santa Cruz)، على مساحة تقارب 6000 فدان بين مدينتي فينيكس وتوسون، ويحرز تقدماً غير معتاد في صناعة تعدين عادة ما تستغرق فيها عمليات الاكتشاف والإنتاج عقوداً من الزمن.
وتهدف الشركة إلى بدء البناء في أوائل العام المقبل وبيع أولى ألواح النحاس النقي قبل نهاية 2028، وهو جدول زمني استثنائي في هذا القطاع.
ويُعزى تسريع المشروع بشكل رئيس إلى وقوعه على أراضٍ خاصة، ما يمكن «إيفانهو إلكتريك» من تجنب عملية إصدار التصاريح الفيدرالية المطولة التي عادة ما تعيق المشاريع التعدينية.
وأكد تايلور ميلفن، الرئيس التنفيذي للشركة، أن الموقع «مهيأ تماماً لمشروع نحاس متقدم»، مستفيداً من توفر البنية التحتية من طرق سريعة، وسكك حديد، وشبكات كهرباء وغاز، بالإضافة إلى موقعه بين الأراضي الزراعية والمناطق الصناعية بعيداً عن الأراضي المحمية.
زاد من أهمية المشروع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 50% على واردات النحاس ابتداءً من الأول من أغسطس، ما دفع أسعار النحاس في الولايات المتحدة لتسجيل مستويات قياسية الأسبوع الماضي.
وبرر ترامب الرسوم بأنها تدابير أمن قومي، مشدداً على أهمية النحاس في تصنيع أشباه الموصلات والطائرات وأنظمة الرادار وغيرها من التقنيات العسكرية، ودعا إلى «إعادة بناء صناعة النحاس الأميركية بقوة».
وتأتي هذه الرسوم في سياق مشابه للسياسة التي اعتمدها ترامب خلال ولايته الأولى، عندما فرض رسوماً جمركية بنسبة 25% على واردات الصلب، وهي الإجراءات التي أبقت عليها إدارة بايدن ورفعتها لاحقًا.
وأسهمت تلك الرسوم في رفع أسعار الصلب المحلية وتشجيع الاستثمارات في قطاع صناعة الصلب داخل الولايات المتحدة. ويرى محللون أن الرسوم على النحاس تسعى إلى تحقيق أهداف مماثلة، من خلال تشجيع الاستثمار في عمليات التكرير والصهر والتعدين المحلية.
وأشار كريس لافيمينا، رئيس أبحاث المعادن والتعدين في وكالة «جيفريز» (Jefferies) إلى أن «الغرض من هذه الرسوم هو تحفيز الاستثمار في عمليات الصهر والتكرير وتحويل حصص السوق بعيداً عن الصين. والخطوة الثانية هي بناء القدرة الإنتاجية للمنجم، وهو أمر يستغرق وقتاً أطول بكثير».
تواجه الولايات المتحدة تحديات مستمرة في مواكبة إنتاج النحاس العالمي. ورغم أن تقريراً صدر عن «ستاندرد اندر بورز غلوبال» (S&P Global) أكد توفر احتياطيات كافية من النحاس لتلبية الطلب المحلي، إلا أن القدرة على التعدين والمعالجة لا تزال غير كافية.
ولا تضم الولايات المتحدة حالياً سوى معملين فقط لصهر النحاس، في وقت تُصدّر فيه المناجم الأميركية نحو 29% من إنتاجها الخام إلى الخارج لمعالجته، وفقاً لبيانات «هيئة المسح الجيولوجي الأميركية» (U.S. Geological Survey). وفي المقابل، تشكّل واردات النحاس المكرّر نحو 45% من إجمالي الإمدادات المحلية.
في الوقت ذاته، يشهد إنتاج المناجم تراجعاً ملحوظاً، حيث افتُتح خلال العقد الماضي مشروع واحد فقط رئيس للنحاس والنيكل في شبه جزيرة ميشيغان العليا. وكان آخر منجم نحاس كبير دخل حيز التشغيل هو مشروع «سافورد» (Safford) لشركة «فريبورت-ماكموران» (Freeport-McMoRan) عام 2007. فيما لا تزال عدة مشاريع مقترحة في أريزونا وميشيغان ومونتانا ومينيسوتا تواجه تحديات قانونية وإدارية معقدة.
يتميّز مشروع «إيفانهو إلكتريك» بقدرته على تجاوز العديد من العقبات التنظيمية والفنية التي تعيق مشاريع تعدين أخرى، إذ يقع على أرض خاصة اشترتها الشركة من مطوّر عقاري، ويحتوي على خام أكسيد النحاس القريب من السطح. ويمكن معالجة هذا الخام ميدانياً باستخدام تقنية «الرشح على الكومة» (Heap Leaching)، ما يُغني عن الحاجة لعمليات الصهر المعقدة والمكلفة. وتخطط الشركة لإنتاج ألواح من النحاس النقي تُباع مباشرة للمصنّعين من موقع المنجم.
وقد قدم المشروع دراسة جدوى أولية مكونة من 272 صفحة مؤخراً، تمثل أكثر من 100 مليون دولار في أبحاث وحفر وهندسة. وتحدد الدراسة عمر المنجم بـ23 عاماً، مع إنتاج سنوي متوسط يبلغ 72,000 طن خلال أول 15 سنة، مما يجعل «سانتا كروز» من بين أكثر المناجم إنتاجية في الولايات المتحدة. وتقدر تكلفة الإنتاج المتوقعة بـ1.32 دولار للرطل، أقل بكثير من أسعار النحاس المحلية التي تجاوزت مؤخراً 5.50 دولار.
ولتمويل المشروع، تعمل «إيفانهو إلكتريك» حالياً على جذب مستثمرين جدد، إلى جانب التفاوض مع المقرضين، والحصول على التصاريح اللازمة من الجهات المحلية في مدينة كاسا غراندي. وأكد ميلفن أن إجراءات التصريح على المستوى المحلي أبسط بكثير، مما يجعل تجنب العملية الفيدرالية ميزة واضحة للمشروع.